28-أكتوبر-2018

سيدة تخبز الصاج خلال قطف الزيتون في غزة - تصوير سعيد الخطيب (gettyimages)

المشهد كالتالي، عرس فلسطيني؛ العروس فيه آخر شجرة زيتون قُطفت ثمارها في هذا الموسم، أصحابها يستظلون تحتها ويأكلون أطيب المأكولات والحلويات الشعبيّة التي أعدتها نساء العائلة، يدعون أقاربهم ومن لا زالوا يقطفون الزيتون في الأراضي حولهم ليحتفلون بـ"الجيروعة".

"زمان كان آخر يوم بالزيتون مثل العرس، نلبس ونتلبّس احنا وأولادنا ونروح ع الأرض، وبس يشوفونا الزلام ينادوا ع بعض، وصلت الجيروعة وصلت الجيروعة. بس اليوم بطلنا مثل الأول" تقول خضرة عطية "أم العبد" من بلدة قباطية قضاء جنين.

"الجيروعة" في موسم الزيتون هي احتفالٌ بقطف آخر شجرةٍ تُعدُّ فيه المأكولات والحلويات الشعبية

و"الجيروعة" هي احتفالٌ يكون في آخر يوم من أيام قطف الزيتون، إذ يحتفل الناس بانتهاء الموسم من خلال إعداد المأكولات والحلويات الشعبيّة، كالمسخّن والمسفّن وحلوى القزحة وأحيانًا بذبح الخراف، تحديدًا إذا كان الموسم في بركة وخيره كثير، ويُشارك في ذلك الأقارب والأصحاب والجيران.

اقرأ/ي أيضًا: أبو المواسم فرحة الفلاحين

تحدثنا "أم العبد" عن الفرق بين "الجيروعة" في السابق وهذه الأيام مبينة أن نساء الحي كُن قديمًا يتشاركن في إعداد أطيّب المأكولات والحلويات ويحملنها على رؤوسهن ويتوجهن إلى الجبال والأراضي، "المعدّلة كانت تعمل وتساعد غيرها، نطحن قزحة ونحمصها، نطبخ طبخة جماعية أو نعمل مسفّن ونروح على الزيتون، يوزعوا على بعض ويعزموا على كل الي في الأراضي حوالينا (..) يتربّع فيها الزلمة من كثر ما هي طيّبة" وفق قولها.

"ما بوعى إلا واحنا نعمل جيروعة، مستحيل يخلص موسم الزيتون بدونها، الناس كانوا مليحين مع بعض، الواحد بس يوصل لآخر أرض يقول للناس بكرة جيروعتنا، جيرة الله عليكم، الجيران إذا خلصوا أرضهم قبلنا يعملوا ويعزموا علينا، اليوم الناس صارت ما تصدق وهي تخلص، لا تجورع ولا شي"  أضافت "أم العبد".

"الجيروعة" أيضًا لم تكن فقط احتفالًا للعائلة بل كمكافأة للعمال و"اللقاطات"، أي العاملات في قطف وتلقيط الزيتون، وكذلك لشكر "العونة" و"الفزعة"، أي من كان بعد انتهائه من قطف زيتونه يذهب ليعين جيرانه وأصحابه وأقاربه الذين لم ينتهوا بعد.

"الجيروعة" لم تكن للاحتفال فقط، بل لمكافأة العمال و"اللقاطات" وشكر "العونة"

كما أن الحيوانات كان لها نصيبها من "الجيروعة". تُبين "أم العبد" أنهم قديمًا كانوا يأخذون المواشي والأغنام إلى الأرض الأخيرة لأكل قش الزيتون، "بقينا نعرف إنه الواحد جيروعته اليوم لما نشوفه آخذ غنماته ورايح، نصير نقول فلان اليوم جيروعته".

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | زيتون زمان.. رزق وهداة بال

أما "أم مؤيد" من قرية عجة قضاء جنين، فتخبرنا أن "الجيروعة" لم تكن مرتبطة بموسم الزيتون فقط، بل كان الناس أيضًا "يجيرعون" لنهاية أي موسم، كالحصاد مثلًا، فيشترون القُطّين "تين مجفف" والحلويات ليأكلونها ويوزعونها على من حولهم.

أكدت على ذلك عريفة أبو الرب قائلة: "صحيح، الجيروعة مش بس للزيتون، كانوا زمان مجرد ما يخلصوا حصاد القمح والعدس والسمسم يروحوا يجيبوا فستق وملبّس ويوزعوا ع الناس".

وتضيف، "بس يروحوا ع الدار من البيادر يجيبوا أول صاع يعبوه قمح ويروحوا ع الدكان يبيعوه ويشتروا فيه حلو، ويوزعوه".

"الجيروعة" ليست خاصة بموسم الزيتون فقط، بل لنهاية أي موسم

أما بالنسبة لـ"جيروعة" الزيتون فتخبرنا عريفة، أن كثرة الزيتون قديمًا والوقت الطويل الذي كان يقضيه الناس في الزيتون هو السبب الرئيس لـ"الجيروعة"، حيث كان مصدر الرزق الأساسي لهم، إلا أن الناس اليوم لم تعد تحتفل لأن كل واحد لديه أعماله وأشغاله "ولا يصدق متى ينتهي من الزيتون ليعود إلى عمله" حسب قولها.

وتضيف أنها وعائلتها كانوا أحيانًا يحتاجون أكثر من أربعة شهور لقطف الزيتون، "نبلش جول (تلقيط الحب عن الأرض) بشهر أيلول/ سبتمبر ونظل نشتغل لنص شهر شباط/ فبراير لحتى نخلص، يومها علمنا جيروعة كبيرة، جبنا كنافة وهريسة وحلويات وعزمنا الي حوالينا وكل الناس الي فزعوا معنا".

الصحافي محمد عتيق من بلدة برقين قضاء جنين، شاركنا صورًا "لجيروعة" عائلته قبل أيام، قائلًا، إن فرحة الانتهاء من قطف الزيتون؛ بعد كل التعب والإرهاق لأفراد العائلة كان لابد أن يُختم بـ"الجيروعة"، إذ اجتمعت العائلة في المنزل وأعدَّت المأكولات والحلويات كاحتفال بسيط لانتهائهم من قطف الزيتون.

ويضيف، "الناس اليوم لم تعد تحتفل بانتهاء الموسم كالسابق، لأن محصول الزيتون أصلًا ليس كما كان سابقًا، أصبح أقل بكثير، والناس يُعدّون مونتهم السنوية من الزيتون وأحيانًا أقل، لذلك لا نجد الكثير من الناس يحتفلون به".

 

 

ولكن في مناطق أخرى من فلسطين، تختلف أجواء "الجيروعة"، أو "الجورعة"، أو "الجاروعة". فيخبرنا الحكواتي حمزة عقرباوي أن "الجورعة" في بعض المناطق تكون على شكل مكافأة للأولاد من الجدات بإعطائهم شيئًا من المحصول سواء كان قمحًا أو زيتونًا، ليأخذونه ويبيعونه ويشترون بثمنه الحلويات كالهريسة والراحة والبسكويت.

وبمجرد أن ينتهي الناس من "الجيروعة"، يحمل الرجال حبات الزيتون إلى المعاصر، فتفوح رائحة الزيتون المعصور في البلاد، وتتسابق النساء لإعداد المأكولات والحلويات التي تحتاج إلى زيت، كالمسخّن، والزلابية، وحلوى العوامة، وحلوى اللزيقيات الشعبية.


اقرأ/ي أيضًا:

معصرة أحمد عيسى.. قرن ونيف من الحب

صور | البدّادة.. ما تبقى من زيتون

كل هذا الحقد على شجرة الزيتون