08-فبراير-2018

صورة أرشيفية من الحدود بين غزة ومصر | عدسة: نضال الجعفري

في الوقت الذي تتقاطع فيه كافة المؤشرات حول احتمال وقوع حرب في قطاع غزة، نتيجة انهيار الواقعين السياسي والاقتصادي بشكل غير مسبوق، تتعاظم قوى أخرى ذات بعد أمنيّ ضاغط على القطاع، تتمثل في تنظيم "داعش".

   عدوّ جديد يتهدد غزة، يُضاف للعدوّ الإسرائيليّ الذي يُجري مناورات عسكرية   

إن صدقت الأنباء حول تسلل عناصر من تنظيم داعش إلى قطاع غزة عبر الأنفاق الحدودية الواصلة بين قطاع غزة ومصر، فإنّ عدوًّا جديدًا يتهدد غزة، يُضاف للعدوّ الإسرائيليّ الذي يُجري مناورات عسكرية تشارك فيها الوحدات المقاتلة الإسرائيلية كافة؛ البريّة والجويّة والبحريّة مع قوات أميركية.

يتهامس المحاصرون منذ أكثر من عقد، حول إمكانيّة اندلاع الحرب خلال أيام وفق ما نقلته صحيفة الحياة اللندنية قبل يومين، عن مصادر في فصائل المقاومة الفلسطينية وصفتها بـ"الموثوقة". ومن الواضح أن الفصائل في غزة، لا تملك أيّ إجابة شافية، بتأكيد أو نفي الاحتمالات المشاعة عن اقتراب وقوع الحرب، غير أنّ معطيات رفع درجات الاستنفار إلى أعلى مستوياتها في صفوف الأجنحة العسكرية التابعة لتلك الفصائل، باتت ملحوظة بالنسبة لسكان القطاع خلال الأيام الأخيرة.

الخطر الآخر الذي يجب أن لا يُغضّ الطرف عنه، يتعلّق بتنظيم "داعش" وتحديدًا ما يُعرف بـ "ولاية سيناء" التي تناصب قطاع غزة وتحديدًا حركة حماس عداءً صريحًا وواضحًا.

مصادر ميدانية أمنيّة قالت لـ "الترا فلسطين" إنّ ما يزيد عن 10 عناصر من تنظيم "داعش" تسللوا إلى قطاع غزة مؤخرًا، وتُجري الأجهزة الأمنية بحثًا مضنيًا للقبض عليهم.

 الملاحقة الأمنيّة لعناصر داعش في قطاع غزة، تتزامن مع انتشار واسع وملحوظ لعناصر الشرطة 

وفقًا لهذه المصادر، فإنّ الأجهزة الأمنية تمكنت من إلقاء القبض على شخص واحد على الأقل، كان يعتزم تفجير نفسه في إحدى المرافق السياحية المكتظة بالسكان غرب مدينة غزة، قبل أن تتم السيطرة عليه بقوة السلاح من قبل عناصر الشرطة الذين اقتادوه للتحقيق على الفور.

الملاحقة الأمنيّة لعناصر هذا التنظيم، في قطاع غزة، تتزامن مع انتشار واسع وملحوظ لعناصر الشرطة على المفترقات والطرقات العامة، تحديدًا في ساعات الليل. وفي بعض الأحيان يجري تفتيش وتعقُّب بعض المركبات كإجراء احتياطيّ أمني، وفق ما تصفه المصادر الميدانية.

ما يعزز رواية المصادر الميدانية، هو أنّ الحواجز الأمنية المتنقلة والثابتة تواصل عملها بشكل دوري، حتى في وقت انسحاب الأجهزة الأمنية من كافّة المقرات تحسُّبًا لقصف إسرائيليّ محتمل، وبخاصة مع التحليق المكثّف لطائرات الاستطلاع والتي تزداد وتيرتها ليلًا.

حواجز أمنية متنقلة وثابتة تواصل عملها في قطاع غزة حتى في وقت انسحاب الأجهزة الأمنية من كافة المقرات تحسبًا لقصف إسرائيلي

المتحدث باسم جهاز الشرطة في غزة الرائد أيمن البطنيجي، قال إنّ هناك خطة انتشار خاصة بجهاز الشرطة بالتزامن مع المناورات الإسرائيلية، لكن الحواجز الشرطية على الطرقات هي "إجراء روتيني".

ورفض البطنيجي في حديثه لـ "الترا فلسطين"، الإجابة عن سؤال متعلّق بمدى صحة ما يشاع عن تسلل عناصر من داعش إلى غزة، وقال إن "هذا الأمر يمكن أن تجيب عنه وزارة الداخلية".

والعداء بين حركة حماس والجماعات السلفية المتشددة في قطاع غزة، قائم منذ ما يزيد عن ثمان سنوات، إذ تحاول حماس التي سيطرت على قطاع غزة في منتصف حزيران/يونيو 2007، أن تكبح جماح الحركات المتشددة مثل "جند أنصار الله" التي كان يتزعمها عبد اللطيف موسى الملقب "بأبي النور المقدسي"، وقد قتلته حماس في 15 آب/أغسطس 2009، فيما يعرف بحادثة مسجد ابن تيمية.

منذ ذلك الوقت، تتزايد حدّة العداء بين الطرفين، وقد تم تسجيل محاولات عديدة من قبل التيار السلفي لإحداث تفجيرات واستهداف عناصر من تنظيم حماس، فضلاً عن اختطاف أشخاص محسوبين عليها في سيناء، التي أصبحت لاحقًا معقلاً لتنظيم "داعش"، فيما تضرب حماس عناصر التنظيم في غزة بيد من حديد وتعتقل العشرات منهم. 

وأقدمت "داعش" في الرابع من كانون الثاني/يناير الماضي على إعدام موسى أبو زماط، الذي قالت إنه أحد عناصرها وانشق عنها، واتهمته بتهريب أسلحة وعتاد لحركة حماس في غزة. سبق ذلك بأربعة أشهر تفجير انتحاري نفذه تنظيم "داعش" ذاته في قوة أمنية شرق معبر رفح جنوب قطاع غزة، عندما حاول اعتراض طريقه أثناء عملية التهرب إلى سيناء، الأمر الذي اسفر عن مقتل أحد عناصر القوة الأمنية وإصابة آخرين.

العداء بين حماس والتيار السلفي بدأ منذ سيطرتها على قطاع غزة، وقد استهدفت حماس التيار بالقتل والاعتقال، فيما نفذ هؤلاء تفجيرات عديدة

هذا كله، أسهم في كشف ظهر حماس في سيناء التي كانت تستخدم كإحدى خطوط إمداد السلاح إلى قطاع غزة.

وفي مرات عديدة خلال السنوات الماضية، نفذت "داعش" تفجيرات تزامناً مع قرارات مصرية بفتح معبر رفح بين قطاع غزة ومصر، ما دفع السلطات المصرية إلى التراجع عن فتح المعبر، وقد رأى مراقبون أن هذه التفجيرات كانت مقصودة في توقيتها، بهدف تعطيل فتح المعبر الذي تشارك مصر بإغلاقها له في الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 10 سنوات.

وبعيدًا عن التطورات الميدانية الأخيرة، فقد يبدو جليًا أنّ إسرائيل بدأت تدرك خطورة الواقع المعاش في قطاع غزة، والذي قد ينفجر في أيّ لحظة في وجهها، نتيجة انهيار الواقع الاقتصادي بفعل استمرار فرض الرئيس محمود عباس، للعقوبات على القطاع، لاسيما فيما يتعلق باستقطاع رواتب الموظفين، وتقليص الخدمات المتعلقة بالعلاج.

يترافق هذا الوضع المتردي مع مساعي إدارة ترامب إلى تقليص المساعدات التي تقدمها لـ الأونروا، والتي تدعم نحو مليون لاجئ يعيشون في غزة، في محاولة من الأولى للضغط على الفلسطينيين للخضوع لصفقة القرن المرتقبة.

ويقول المحلل الإسرائيلي شيمريت مئير إنّ إسرائيل تخشى من تدهور الوضع الإنساني الذي قد يجبرها على أن تتدخل وتهتم بأهل غزة بنفسها، أو من لجوء حركة حماس إلى خيار الحرب إثر التوصل إلى "طريق مسدود"، في إشارة إلى أن حكومة نتنياهو غير معنيّة بفتح جهة جديدة مع غزة في الوقت الراهن.

يتنافى ذلك، مع ما قالته صحيفة "معاريف" العبرية، من أنّ الحرب يفصلها شعرة واحدة عن الهدوء في غزة، ومع ما قاله أيضًا وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان ومن على حدود غزة، الأحد الماضي، بأنّ إسرائيل مستعدّة لكل السيناريوهات الممكنة بما في ذلك التسلل عبر الأنفاق أو البحر أو الجو، مهددًا بأن حركة حماس وسكان قطاع غزة سيدفعون ثمنًا باهظًا في المواجهة المقبلة.

إسرائيل تخاف من تدهور الأوضاع الإنسانية أكثر في غزة، لأن ذلك سيجبرها على الاهتمام بأهل غزة، أو سيدفع حماس للحرب

أمام هذا الواقع، اعتبر المختص في الشأن الإسرائيلي أكرم عطا الله، أنّ دوافع الحرب وكوابحها قائمة على حدٍّ سواء، مشيرًا إلى أنّ الدوافع تتمثل في الرغبة الأميركية لإنهاء حكم حماس في قطاع غزة، بالإضافة إلى رغبة الاحتلال الاسرائيلي بنزع سلاح المقاومة.

غير أنّ عطا الله عاد وقال "إن كوابح الحرب حاضرة أيضًا وهي تتعلّق بعدّة معطيات، أهمُّها أنّها من الممكن أن تؤثّر على الانتخابات الرئاسية المصرية وهذا ما لا ترغب به إسرائيل، كما قال. بالإضافة الى أنّ الأمن القائم على حدود غزة يغني عن الحرب، مبينًا أنّ تصريحات الحرب من جهة الاحتلال تأتي في سياق التهديد بالقوة بدل استعمالها، وفق تقديره.

ما لايمكن إغفاله أو تجاوزه هُنا، أنّه حتى وإن رجحت كفة كوابح الحرب على حساب الدوافع، فإن خطر "داعش" سيظلُّ قائمًا بالنسبة لغزة، أقلّه على الحدود الفاصلة بين غزة وسيناء التي يسيطر التنظيم على أجزاء منها، ما قد يعيق تسلح المقاومة.


اقرأ/ي أيضًا:

داعش.. محاولة أخرى في اغتصاب فلسطين

"ليلة داعشية" في معبار سجن الرملة

أسرار اهتمام الإعلام الإسرائيلي بـ"معركة الموصل"؟