19-سبتمبر-2018

كشف تحقيق استقصائي أعدّه المدوّن الفلسطيني أحمد البيقاوي، عن محاولات لتغيير مجريات التحقيق في اغتيال الأسير المحرر عمر النايف، قام بها فلسطينيون على صلة بالسلطة الفلسطينية، أبرزهم السفير الفلسطيني لدى بلغاريا أحمد المذبوح، من أجل دفع الأمور باتجاه الادّعاء أن النايف توفي منتحرًا، ولم يتعرّض للاغتيال.

    التحقيق يكشف خيوطًا جديدة، ويثير الكثير من الأسئلة، ويضيّق دائرة التساؤل.. من قتل عمر النايف؟    

وكان النايف وجد مقتولًا في مقرّ السفارة الفلسطينية لدى بلغاريا، بتاريخ 26 شباط/فبراير 2016، وقد اتهمت عائلته والجبهة الشعبية، الاحتلال الإسرائيلي باغتياله، كما اتهمت شخصيات في السلطة من بينها المذبوح بعرقلة سير التحقيقات والتستر على أدلة بهذا الخصوص.

وبيّن التحقيق الذي نُشر، مساء الثلاثاء، أنّ المذبوح حاول تمرير فرضية انتحار النايف مستندًا إلى ورقة يقول إنّ النايف كتب فيها وصيته، وقد ظل متمسّكًا بأقواله أمام أبناء الجالية الفلسطينية في بلغاريا، في الوقت الذي نفى فيه هذه الفرضية أمام لجنة التحقيق البلغارية.

وأكد التحقيق معلومات أفادت بها العائلة سابقًا، بأنّ المذبوح عارض منذ البداية وجود النايف في السفارة، وضغط عليه لمغادرتها.

وأشار التحقيق، لتواجد أشخاص فلسطينيين في مسرح الجريمة قبل وصول الشرطة البلغارية دون صفة رسمية، وقد حرّكوا جسد النايف قبل استشهاده رغم إصابته الحرجة، كما نظّفوا بقع آثار دم أو قيء قبل التأكد من ماهيتها، وداسوا على آثار أقدام مجهولة.

وكان زهير الأشوح أول الواصلين إلى ساحة الجريمة، ثم جمال عبد الرحمن ونجله رامي، وإبراهيم دغمش، ووليد العطي، وهشام الرشدان الذي صور فيديوهات في مسرح الجريمة طلبها الوزير أحمد مجدلاني.

والرشدان مقرب من المجدلاني، وهو يعمل في شركة "بولينز" المرتبطة بشبكات الجريمة المنظمة في بلغاريا، وفق ما أفاد به التحقيق الذي تضمّن تسجيلات صوتية للرشدان، يكشف فيه عن خطة لتهريب النايف إلى تركيا بموافقة جهات في السلطة الفلسطينية.  بعد الاغتيال، قال رشدان في منشور على حسابه الشخصي في "فيسبوك" إنّ خطّة الهروب هذه أُلغيت قبل يومين من الاغتيال.

في تسجيل مسرّب له؛ يقول الرشدان: "لماذا ننتظر 15 أو 20 سنة حتّى يموت زهير الأشوح، أو جمال عبد الرحمن حتى نقول الحقيقة. الموساد ليس له علاقة. الموساد طلب - الشهيد النايف - وحرّك القضيّة. جماعتنا "كلاب خايفين. بس بدهم يطلعوه من السفارة بأي طريقة".

بالإضافة إلى تسجيل الرشدان المسرّب، يبقى دليل آخر قد يكون حاسمًا، لا يزال مُخفى بواسطة ربّما الشرطة البلغارية عبر علاقاتها مع شبكات المافيا التي تحظى بعلاقات مع العديد من المتورّطين في قضيّة اغتيال النّايف ومنهُم إبراهيم دغمش، المقرّب من السفير الفلسطيني أحمد المذبوح في صوفيا.

ذلك الدليل الآخر عبارة عن شريط فيديو قام بتسجيله شاهد بلغاري وثّق فيه ما رآه من وصول سيّارتين، بيجو صغير وأخرى كبيرة بسبع ركّاب، ترجّل منها عدد من الركّاب في حدود الساعة 3:33 فجرًا، وتبع دخولهم صراخ انتهى إلى خروجهم بعد وقت قليل. أرسل الشاهد البلغاري هذا الشريط إلى السفير، وقام المذبوح بإرساله إلى رام الله، تبع ذلك استجواب الشرطة البلغارية – والتي يجب التذكير مرّة أخرى بارتباطاتها بالمافيات المرتبطة أصلًا برجالات السفير الفلسطيني في بلغاريا – ومن ثمّ، اختفى الشاهد وغيّر مكان سكنه ولم يظهر ذلك الشريط حتّى اليوم.

يؤكّد التحقيق أنّ النايف قام بالاتصال مع ياسين مراغة طالبًا إرسال عناصر من الجبهة الشعبيّة لحمايته، كما اتصل هاتفيًا مع والدته واعتذر منها قائلًا إنّه سيعدُّ قهوة لضيوف ينتظر زيارتهم، ما يؤكّد أنّ النايف كان على علم بمجيء ضيوف قبل وقت قصير من اغتياله؛ وهو الأمر الذي يؤكّده شريط الفيديو المخفيّ من قبل السلطة الفلسطينيّة والسفير أحمد المذبوح.

ويثير تحقيق المدوّن بيقاوي، عدة أسئلة ويضيّق دائرة البحث عن "الحقيقة الغائبة" والمتستّر عليها؛ أولًا، لماذا طلب المجدلاني من هشام الرشدان تصوير مسرح الجريمة؟ ما الذي قاله الشهيد عمر النايف قبل استشهاده لهؤلاء الأشخاص، وكيف كانت حالته؟ لماذا التستّر على شريط الفيديو من قبل السفير المذبوح وأجهزة الأمن في السلطة الفلسطينيّة المعنيّة بالأمر؟ ولماذا لم يتمّ التحقيق مع هؤلاء الأشخاص المتورّطين في هذه الجريمة بين التستّر، وربّما بين التنفيذ؟

وبالطبع يُشير الوثائقي إلى خلافين أساسيّين؛ الأول بين السفير المذبوح والنايف نتيجة لرفض الأخير الخروج من السفارة وإصرار الأوّل للخروج. والثاني، العلاقة المضطّربة بين الخارجية الفلسطينيّة التي ساندت السفير المذبوح، وبين جهاز المخابرات الفلسطيني الذي كان له رؤية مغايرة في التعامل مع ملف النايف.

في المحصلة، يضع معدّ التحقيق ثلاث فرضيات؛ يؤكّد انتفاء الأولى وهي فرضيّة الانتحار التي روّج لها السفير المذبوح ورجالاته والمقرّبين منه والتي رفضها التقرير القضائي البلغاري وكثيرون منهم الجبهة الشعبية وعائلة الشهيد النايف. 

أمّا الفرضية الثانية، فهي اغتياله عبر فريق إسرائيلي غير محترف؛ نظرًا لأنّ الظروف التي تبعت العملية، منها وأهمّها ترك الشهيد النايف على قيد الحياة كما يؤكّد ذلك بعض الذين وصلوا إلى مقرّ السفارة وكان عمر النايف لا يزال على قيد الحياة وهم على نحو الآتي؛ زهير الأشوح أوّل الواصلين، جمال عبد الرحمن ومن ثمّ ابنه رامي عبد الرحمن الذي رفض الإدلاء بأيّ إفادة للبيقاوي في وثائقيّه، وإبراهيم دغمش ووليد العُطي وهشام الرشدان الذي صوّر الفيديوهات التي طلبها الوزير المجدلاني.

ويخلص الوثائقيّ في النهاية إلى تدعيم الفرضيّة الثالثة حول استشهاد النايف؛ وهي الخروج من السفارة. ربّما كانت محاولة إخراج عمر النايف بالقوّة من السفارة، وانتهت إلى خطأ فادح بمقتله تمّ محاولة التغطية عليه عبر الترويج لانتحاره. وربّما لم تكن محاولة خاطئة، بل ربّما كانت محاولة لاستباق صفقة المخابرات الفلسطينيّة مع البلغاريّة؛ ربّما لدوافع انتقاميّة من قبل بعض الذين كانوا على خلاف حادّ مع الشهيد النايف، من ضمنهم السفير المذبوح.

إلّا أنّ الأكيد بشكل قاطع، أنّ من وردت أسماؤهم على أنّهم أوّل الواصلين إلى مقرّ السفارة وعمر النايف كان لا يزال حيًا، لديهم الحقيقة كاملة حول مقتل النايف واغتياله، ولم يتم استجوابهم حتّى اللحظة.


اقرأ/ي أيضًا: 

عمر النايف باحثًا عن "قاعدة آمنة"

شاهد: النايف تم اغتياله ومحاولات لادعاء انتحاره

المؤامرة.. صديقتي المفضلة