01-أغسطس-2017

بعد إعلانه عن انطلاقته الجديدة، من استديوهات جديدة في لندن أواخر حزيران/يونيو المنقضي، بدأت برامج شبكة التلفزيون العربي الذي انطلق في كانون الثاني/يناير 2015 الدخول إلى بيت المشاهد ببرمجة بث جديدة وعناوين مبتكرة، إلى جانب ملفات أقل ما يمكن وصفها به أنها ملحة وأساسية.

إذ أطلق التلفزيون العربي باقة بث مستحدثة مع إعلان انطلاقته الجديدة الآتية من باب الاستجابة لاتساع انتشار شاشة التلفزيون العربي، التي ابتكرت أساسًا للتلاقي مع حاجات المشاهد العربي، بعد ثورات الربيع العربي وما حملته من متغيرات ومتطلبات معرفية وإعلامية فرضت الاستجابة لما يلبيه إعلاميًا، خاصة في ظل تخييم مشهد التضليل والمعاداة لتطلعات الشعوب في نسق واسع من الإعلام المبثوث للمشاهدين في المنطقة العربية.

تميزت التقنيات التي بنيت عليها فقرات برنامج "الخط الأخضر" بتقديم متنوع بين المعلومة والتعليق عليها والتسلسل  في مراحل النقاش

أحد برامج التلفزيون العربي الجديدة جاء ليحمل عنوان "الخط الأخضر" بما في مثل هذا المسمى من دلالات واسعة تؤشر على تعقيدات الوضع الفلسطيني، والتقسيمات التي تعيشها فلسطين في ظل استعمارها وتبعاته منذ سبعة عقود. ومفهوم الخط الأخضر في الوعي العام الفلسطيني، وكذلك في سجلها التاريخي، يعبر عن الحدود التي رسمت عقب نكبة فلسطين 1948، وهو خط وقف إطلاق النار الذي ثبت عام 1949، ليقسم فلسطين إلى ثلاثة أجزاء بقيت قائمة حتى اليوم، بل وتفاقم التقسيم ضمنها

اقرأ/ي أيضًا: فيديو | إسرائيل تستعد لـ3 سيناريوهات بعد عباس

برنامج الخط الأخضر، هو من تقديم الإعلامية الفلسطينية مريم فرح، وقد بثت أولى حلقاته السبت الماضي 30 حزيران/يونيو 2017 تحت عنوان "المستوطنات.. بؤر للإرهاب". على ما بدى من هذه الحلقة أن المشاهد المهتم بالشأن الفلسطيني ومسار القضية الفلسطينية بمجملها أمام برنامج لا يفوت نظرًا لجدية مضامينه والتعمق في تناولها بعيدًا عن الاستسهال والرومانسيات والخطابات "العنترية" التي تطغى على جملة من البرامج التي تتخد من فلسطين ثيمة ثابتة لها، بينما التستر باسم فلسطين واستغلاله ترويجيًا ودعائيًا للتغطية على سقطات منهجية أليمة بحق فلسطين ترتكب من طرف برامج وشاشات أخرى.

منذ مطلع برنامج "الخط الأخضر"عبر الفيديو التقديمي، تبرز إشارات أولية عن منهجية التعاطي مع الشآن الفلسطيني والسياسات الإسرائيلية ومن أي زاوية وإلى أي مستويات يتم الاستناد والتحقيق بهذا الاتجاه. فالأسلاك الشائكة تسيطر على المشهد، محيطة بتمثلات إسرائيل الاستعمارية في فلسطين، سواء الكنيست الإسرائيلي آو جنود الاحتلال ودورياتهم وجدار الفصل العنصري، إضافة إلى عناوين عبرية ترمز، كما ما ظهر لاحقًا عبر الحلقة الأولى، إلى مستويات التحليل الداخلي للقرار والسياسة الإسرائيليين، إضافة إلى طبيعة المؤسسة الإسرائيلية ومستويات القرار، كذلك مجمل الفعل الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

تبرز الحلقة الأولى من برنامج "الخط الأخضر" مدى التمهل والهدوء التحليلي في التحضير للحلقة وطبيعة الخطاب

أما ما جاء عبر الحلقة الأولى من برنامج "الخط الأخضر" فيشكل مبررات الاستبشار، لناحية التقنية والمحتوى معًا إضافة لطبيعة المساهمين في النقاش بالضرورة، بما سيقدمه البرنامج في مقبل حلقاته. إذ استضاف برنامج "الخط  الأخضر" في نقاش "المستوطنات.. بؤر إرهاب"  الدكتور مهند مصطفى، مدير وحدة الأبحاث في مركزمدى الكرمل  بالإضافة لما يتمتع به الضيف من سمعة أكاديمية ووطنية، وكذلك رصانة مركز مدى الكرمل البحثية، فقد شكل إسهامه التحليلي بعدًا لا يكثر التطرق إليه بهذا الترابط، إذ رأى الدكتور مهند مصطفى أن "المشروع الاستعماري الاستيطاني في الضفة الغربية مشروع مركب، وفيه الكثير من الجوانب الأيدولوجية والاقتصادية والسياسية، ولكنها جميعها تصب في المشروع الاستيطاني في فلسطين". بينما لم تقل مشاركة الضيف الآخر أهمية عما قدمه نظيره، إذ قال مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، عمر خمايسة، "إن كثيرًا من المجموعات الإرهابية تنشط في المستوطنات الإسرائيلية، والأخطر من ذلك هو وجود الضوء الأخضر من مؤسسات الدولة الإسرائيلية التي تعطي الحماية للمجرمين، لا سيما في إطار تقديم لوائح الاتهام والقضاء، وعلى هذا الأساس تقوم المحاكمات خلف الكواليس ودون تسليط الضوء عليها إعلاميًا، كي لا تظهر إسرائيل بأنها دولة تدعم الإرهاب".

أمّا الخلفيّة التي انطلق منها برنامج "الخط الأخضر" لنقاش موقع المستوطنات في آلية الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، فتقول الكثير عن مدى التمهل والهدوء التحليلي في التحضير للحلقة وطبيعة الخطاب العام والنظرة لمجمل انعكاسات السياسات الإسرائيلية، رسمية وشبه رسمية، على حياة الفلسطينيين وواقع المجريات في أرضهم.

هذا أن برنامج "الخط الأخضر" قد اعتبر وفق ما جاء في مقدمته أن خطورة الاستيطان الإسرائيلي لا تتوقف عند كونه خرقًا للقانون الدولي أو قطعًا للتواصل الفلسطيني أو تجسيدًا لحالة الاحتلال ومصادرة الأرض فقط، بل تتعدى ذلك إلى كونها نقطة انطلاق للعمليات الإرهابية من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين، طبعًا برعاية مؤسسة الدولة الإسرائيلية كما أكد نقاش الضيفين.

اقرأ/ي أيضًا: معاريف: "ساحة عمر بأيدينا".. انتهت قضية "بترا" و"امبريال"

في حين تميزت التقنيات التي بنيت عليها فقرات برنامج "الخط الأخضر" بما لم يتجاوز النصف ساعة بعيدًا عن مساحات الملل وتعبئة الهواء بالمطولات الخطابية، بتقديم متنوع. بين المعلومة والتعليق عليها جاءت الإفادة من خبرات وتخصص الضيوف والتسلسل المنهجي في محاور النقاش بغية الوصول إلى خلاصات واضحة ومفيدة. كذلك بتقديم المعلومات بأساليب حديثة ومنوعة عبر المقاطع المعلوماتية المصورة/فيديوغراف، دون إغفال لحضور الريبورتاج الصحفي المصور

وفقًا لقراءة حلقته الأولى، "الخط الأخضر" يضع المشاهد أمام تجربة جديدة في تناول أحوال فلسطين تعلي من قيمة رأي أهل الاختصاص

ما يمكن إجماله بشأن التوقعات لمسار برنامج "الخط الأخضر"، وفقًا لقراءة حلقته الأولى، يقول أن المشاهد أمام تجربة جديدة في حقل البرامج التي تتناول الشأن الفلسطيني والسياسات الإسرائيلية، تعلي من قيمة رأي أهل الاختصاص والتباحث معهم استنادًا لمعلومات وحقائق بعيدًا عن التقعر الخطابي بتقنيات تهتم بالابتكار والتجديد، وبوصلة هذه التجربة هي فلسطين وتطلعات أهلها، كما هي بوصلة برمجة بث شبكة التلفزيون العربي الملتزمة بتطلعات الشعوب العربية وحقوقها

ومن الجدير بالذكر أن من بين البرامج الجديدة المرافقة لتجديد انطلاقة التلفزيون العربي برنامج "قراءة ثانية"، الذي يقدم من خلاله الدكتور عزمي بشارة قراءة معمقة للحدث السياسي والخلفيات التاريخية والأيديولوجية وراء الأحداث في حلقة شهرية. كذلك البرنامج التوثيقي "مآلات النص"، الذي "يعرض أحد النصوص المؤسسة لحركة أو تيار أو حزب سياسي، المراحل التطبيقية التي مر بها النص منذ كتابته إلى الوقت الحاضر وما طرأ على النص من اختلاف عند التطبيق أو تأويلات متباينة". وبرنامج "خليج العرب"، وهو برنامج حواري أسبوعي يعنى بالشأن الخليجي السياسي والاقتصادي والاجتماعي. هذا إلى جانب باقة منوعة من البرامج التي تعنى بالاستجابة لحاجات المشاهد العربي، لتضاف إلى ما يقدمه التلفزيون العربي على مدار السنتين الأخيرتين بما يتلزم حرية النقاش والفكر والوصول إلى المعلومة.


اقرأ/ي أيضًا

فيديو | "فتح" بين نصوص التأسيس والواقع الحالي

نار الكتابة وماؤها

الطريق إلى القدس من غزة!