11-مارس-2018

صورة من سوق مدينة نابلس شمال الضفة الغربية | gettyimages

لم يكن سائق التاكسي عبد الكريم عفانة من بلدة تل غرب نابلس، يعلم أنّ الركاب الأربعة الذين طلبوا منه قبل نحو شهر إيصالهم لبلدة يطا جنوب الخليل، ما هم إلّا جزء من مجموعة دبّرت عملية اختطافه.

تُجّار من مدينة الخليل، يلجأون لاختطاف تجار أو أقاربهم من نابلس، في محاولة لاسترداد ديونهم

وفي تفاصيل الحادثة، يوضح عفانة (50 عامًا) أنّ الركاب وبمجرّد وصولهم إلى إحدى الخرب التابعة لبلدة يطا، كان بانتظارهم مجموعة أخرى من الخاطفين، نصبوا له حاجزًا وأنزلوه من السيارة بعد أن أشهروا في وجهه العصي والمفكّات.

اقرأ/ي أيضًا: تجار وموظفون "رايحين جايين" على سجون غزة!

ويكمل لـ الترا فلسطين، "بعدها صادروا جوالي واقتادوني إلى أحد المنازل، وهناك أخبروني أنّهم تجار ماشية وأنني مُختطف لحين استرداد دين بقيمة 90 ألف دينار في ذمة مجموعة من تجّار نابلس، موزعين على المدينة وقراها مثل تل، صرّة، بورين".

يقول عبد الكريم: "أخبرتهم (الخاطفين) أنّي لا أعرف هؤلاء الأشخاص، ولا تربطني بهم أي علاقة. ثم طلبت منهم الاتصال على رئيس مجلس قروي تل لوضعه في الصورة، والمساعدة في حلّ هذه الإشكالية (...) وفي ساعات المساء أطلقوا سراحي بعد تدخّل عدة جهات عشائرية وأمنية وفصائلية". 

مسلحون ومقنعون

المشهد ذاته تكرر وإن بصورة مختلفة بعض الشيء مع تاجر المفروشات مروان عبيد، حيث أفاد أن مجهولين حاولوا قبل عدة أيام اختطافه من نابلس على خلفيّة دين قديم يعود لأحد التجار في محافظة الخليل.

وبيّن عبيد أنّ 4 سيارات تقل مسلّحين مقنّعين حاولوا اختطافه في تمام الساعة السادسة والنصف صباحًا عندما كان في شارع حطين وسط نابلس، مشيرًا إلى أن تجمهر المواطنين وتدخل بعض أصدقائه التجار في المنطقة حال دون اختطافه.

وذكر عبيد أنّه تلقى بعد هذه المحاولة الفاشلة مكالمة من مصدر مجهول، هدده بإعادة المحاولة أو اختطاف أحد أقاربه إن لم يسدد الدين الذي عليه.

وتابع، عليّ دين قديم يعود للعام 1995 لأحد التجار في الخليل (...)، هذا الدين كان جزءًا من عملية نصب كبيرة تعرّضت لها من جهة إسرائيلية، ورغم ذلك نجحت في  سداد غالبية ديوني عدا دين هذا التاجر الذي يطالبني بدفع 800 ألف شيقل، وهو رقم غير دقيق.

اختطاف يطال طفلًا

حوادث الاختطاف بهدف سداد الديون، لم تكن حكرًا على مدينة نابلس وحدها، بل امتدت لتشمل نجل تاجر الحبوب والحمضيات عمار خالد أبو عرة من بلدة طوباس.

يتحدّث أبو عرة لـ الترا فلسطين عمّا جرى معه، فيقول: "قبل حوالي سنتين تعرضت لضربة اقتصادية قوية كسرتني وراكمت عليّ الديون حتى بلغت نصف مليون دينار، من بين هذه الديون كان حوالي 200 ألف دينار لتاجر من الخليل، وعدته ببذل المستحيل لسدادها، وسجلّت 80% من معصرة زيتون لي باسمه حتى أضمن له حقّه".

ويشير أبو عرة إلى أن التاجر وافق في البداية على هذا العرض وأعطاه صك صلح وتنازل، غير أنه سرعان ما عاد وتراجع عن ذلك، مطالبًا بمال نقدي بدل حصته في المعصرة.

ويكمل: "في صباح أحد الأيام، وأثناء توجه ابني خالد لمدرسته، توقفت سيارة أجرة بجانبه، وترجّل منها ثلاثة شبان أدخلوه بقوة إلى المقاعد الخلفية، وفرّوا من المكان حتى وصلوا إلى رام الله، ولحسن الحظ استطاع بعض المارة أخذ رقمها، وبعد السؤال عنها عرفت أنها تعود لعائلة التاجر الخليلي".

شكاوى من تقصير الشرطة في ملاحقة خاطفي الأطفال في الضفة الغربية

ويتابع: "تواصلت مع أحد أفراد العائلة، فاعترف بالاختطاف، وقال: ادفع الدين اللي عليك منسلمك الولد، بعدها اتصلت على مدير شرطة الخليل وأخبرته بما جرى، وبعد تدخل عشائري أطلقت المجموعة الخاطفة سراح ابني في ساعات المساء".

ويذكر أبو عرة أنّه تقدّم على إثر ذلك ببلاغ للشرطة في طوباس والخليل، أورد خلاله أسماء الخاطفين، "غير أن الأجهزة الأمنية لم تسائل الخاطفين، ولم تُعرّضهم لأي عقوبة" وفق قوله.

الشرطة: نتحرّك فورًا

في المقابل، نفى الناطق باسم الشرطة لؤي ارزيقات تجاهل أي شكوى تصل بشكل رسمي للجهات الأمنية، منوهًا في الوقت ذاته إلى أنّ المعيق الوحيد لمتابعة هذه البلاغات هو وجود المتهمين في المناطق المصنفة "ج" أو هروبهم إلى الداخل الفلسطيني أو سفرهم للخارج.

وحذّر ارزيقات التجار من أخذ القانون باليد من خلال الاختطاف أو التهديد أو الاعتداء الجسدي أو غيرها من الأساليب الممنوعة، لافتًا إلى أنّ ذلك من شأنه تعريضهم للمساءلة القانونية والعقوبة التي قد تصل للسجن 7 سنوات.

الشرطة تنفي التقصير في ملاحقة خاطفي الأطفال، وتقول إن هروبهم لمناطق ج أو الداخل المحتل هو المعضلة الأكبر

وطالب الناطق باسم الشرطة، التجار بحلّ مشاكلهم المالية بالطرق القانونية أو  العشائرية أو من خلال التوجه للغرف التجارية والجهات ذات العلاقة، معتبرًا أن ما يحدث "مجرّد حوادث منفردة" لا تصل لأن تكون ظاهرة.

قلب التاجر محروق

من جهته، يؤكد رئيس غرفة تجارة وصناعة الخليل محمد حرباوي أن هذه التصرّفات التي صدرت عن بعض تجار الخليل غير قانونية ولا يمكن القبول بها، منبّهًا لضرورة الاحتكام للقانون وأن يأخذ القضاء مجراه.

غير أن الحرباوي يقول إنّ علينا أن نفرّق بين التاجر الذي لا يستطيع سداد دينه بسبب أزمة ماليّة يمر بها، وبين التاجر الذي يمارس النصب ويهرب خارج البلاد، مشيرًا وفق ملاحظاته إلى أنّ "أغلب القضايا مدبّرة ومقصودة".

وعن دور الغرفة التجارية في متابعة الإشكاليات القائمة بين التجار، يقول حرباوي: "تواصلنا مع الغرفة التجارية في نابلس وغيرها وتوصّلنا بالفعل لتسويات مالية بين تجار المدينتين.. البعض يلجأ لنا لحلّ مشكلته والبعض الآخر يلجأ للشرطة والجهاز القضائي، والبعض الآخر وهي فئة قليلة يستخدم أسلوب الخطف".

ويشدد الحرباوي في حديثه لـ الترا فلسطين على أنّ الغرفة التجارية ضدّ تحميل عائلة التاجر غير القادر على سداد ديونه المسؤولية، فهم في النهاية ليسوا طرفًا في الخلاف. ويختم بالقول: "في النهاية التاجر يطالب بحقّه، فقلبه محروق على ماله الذي جمعه بعرق جبينه".


اقرأ/ي أيضًا:

نابلس.. عقدة مدينة

هل تقبل الخليل القسمة على أربع؟

في الخليل مسابقة لأجمل حمامة!