02-فبراير-2017

"منذ ذهاب أهل العريس إلى أهل العروس، يبدأ فت المصاري!"، هكذا يحدد الشاب حنا رشماوي (30 عامًا)، من بيت ساحور شرق من بيت لحم، موقفه من الزواج، مؤكدًا، أن التكاليف الباهظة للزواج جعلت إقبال الشباب الفلسطيني المسيحي على الزواج متدنية.

هذا الوصف الساخر، على دقته، لا يقتصر على زواج الفلسطينيين المسيحيين وحدهم، فتكاليف الزواج أصبحت أهم الأعباء التي ترهق كاهل الشباب الفلسطيني بشكل عامٍ مؤخرًا، لكن حديثنا هنا سيذهب نحو طقوس ومراسم الزفاف لدى الفلسطينيين المسيحيين، من الألف إلى الياء، وما تحمله من متعة وخصوصية.

يقول عيسى رشماوي (59 عامًا)، إن الحكاية تبدأ بالشكل التقليدي الذي نعرفه جميعًا، إذ يصطحب الشاب والديه إلى منزل الفتاة التي قرر الارتباط بها، وإذا ما كانت هناك موافقةٌ مبدئيةٌ يُسمح للشاب بلقاء الفتاة والجلوس معها لمزيدٍ من التعارف، وقد تستمر هذه الفترة أشهرًا حتى يقرر الطرفان إكمال الطريق والارتباط رسميًا.

تزيد تكاليف الزواج لدى العائلات الفلسطينية المسيحية، غالبًا، على 150 ألف شيكل، وقد تسبب ذلك في تدني إقبال الشباب المسيحي على الزواج

يواصل رشماوى سرد خطوات الفرح قائلاً، إن "جاهةً" من عائلة العريس تتوجه لمنزل أهل العروس، وتعد هذه الخطوة بمثابة إشهار علاقة الشاب بالفتاة. وعادةً ما يتحدث أكبر الوجهاء عمرًا لطلب خطبة الفتاة من أهلها، فيقول: "يا جماعة الخير جينا نطلب إيد بنتكم لإبننا على ما كتب الله"، فيأتي الرد من أهل الفتاة، وعادة من والدها، فيقول: "توكل على الله حتى نسأل عن الشاب".

اقرأ/ي أيضًا: يستطيع امتلاك مليونيّ شيكل ويفضّل بيع الذُّرة

وإذا أرادت عائلة الفتاة إعلان قبول الخطبة فإنها تزور عائلة العريس في أجواءٍ من الودية والعائلية. أما إن لم ترد عائلة العروس الزيارة فهذه علامة واضحة على عدم القبول، عملاً بالمثل القائل: "قلة الرد بمثابة رد"، حسب رشماوي.

يبدأ العريس التجهيز لحفلة الخطبة بعد رد الزيارة والإشعار بالقبول، كما يقول رشماوي، إذ يتم توجيه الدعوات لـ300 شخص أو أكثر، وعادة ما تكون تكاليف هذه الحفلة على حساب أهل العروس، إلا أن تكاليف العشاء في تلك الحفلة على حساب أهل العريس، وتمتد الفترة بين الخطبة والعرس حسب اتفاق الطرفين وأوضاعهما المالية والاجتماعية.

وقبل حفل العرس بأسبوع تقريبًا، تزور عائلة العريس، عائلة العروس في طقسٍ يسمى "الرضوة"، وذلك لإرضاء أهل العروس والوقوف على متطلباتهم وحاجاتهم، فيقول والد العريس: "إحنا يا عمي جايين نرضيكم"، ويضع مبلغًا من المال "حسب استطاعته" ملفوفًا في قطعة قماش، ثم يأخذ والد العروس قطعة القماش دون المال، ويرد قائلاً: "إحنا بنشتري زلمه، وما إلنا حاجة بالمال". وهنا يحدد والد العريس عدد الضيوف، فلا يجوز لأهل العروس استضافة عددٍ كبيرٍ غير متفقٍ عليه مع أهل العريس.

وفي الموعد المحدد، يتوجه أهل العريس لمنزل عروسهم، ثم يأخذونها بها إلى الكنيسة لإجراء المراسم النهائية وإتمام الزواج وفق أحكام الديانة المسيحية. يقول الأب يوسف الهودلي، كاهن رعية الروم الأرثوذكس في مدينة بيت جالا، إن هناك سبعة أسرارٍ في الكنيسة، وسر هو حدثٌ منظورٌ وحدثٌ غير منظورٍ أو مشاهد، والأسرار هي "العمّاد، ومسحة الميرون المقدس، ومسحة المرضى، والمناولة، والزواج، والكهنوت، وسر التوبة والإعتراف".

"فدخول الشاب أو الشابة للكنيسة يعتبر شيئًا منظورًا يمكن مشاهدته، وكذلك عمّاد الطفل، أما السر غير المنظور فهو حلول الروح القدس على ذلك الطفل وذلك الزواج"، كما يقول الأب الهودلي.

الزواج من أسرار الكنيسة السبعة، وهو شركة الروح القدس ما بين الرجل والمرأة

ويضيف الأب الهودلي لـ"ألترا فلسطين"، بأن سر الزواج، من أهم الأسرار المهمة في بناء المجتمع المسيحي، ويُعرّف في كل الطوائف المسيحية بأنه: شركة الروح القدس ما بين الرجل والمرأة، كما يقول المسيح عيسى عليه السلام في الإنجيل: (إنجيل مرقس 10: 8) وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ.

اقرأ/ي أيضًا: قتل مباح.. قتل محظور!

ويروي الأب الهودلي كيف خلق الله آدم كما جاء في التوراة: "ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينًا نظيرًا (سفر التكوين 2: 18،21-23) أي معينًا له في حياته ومساويًا له في القيمة، كيف لا وهي التي خلقت من أحد أضلاعه، فهدف أي إنسانٍ هو إيجاد شريك الحياة، كما قال الله لآدم في التوراة: إنموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها…" (سفر التكوين 1: 27-28).

الزواج كنيسة صغيرة

ويصف الأب الهودلي الزواج بأنه "كنيسةٌ صغيرة، تجمع الأسرة على تعاليم الدين المسيحي، ولذلك منعت تلك التعاليم الطلاق والانفصال إلا لعلة الزنا، لكن قلة المحبة والإدراك وعدم التمسك بالتعاليم الدينية، جعل الناس يبحثون عن حججٍ وحالاتٍ وأعذارٍ للطلاق، فتنزل الكنيسة لمستوى الضعف البشري وتسمح لهم بالطلاق لحالات معينة".

وتبدأ مراسم الزواج عند دخول العريس والعروس إلى الكنيسة، فخاتم الزواج هو رسمٌ للخطبة، تُلبس الفتاة خطيبها خاتمًا من فضة في بنصر يده اليمنى - ويقال إنه الإصبع الأقرب للقلب- ويلبسها خاتمًا من ذهبٍ في نفس الأصبع.

ومغزى الذهب والفضة هنا، حسب الأب الهودلي، هو الدلالة على اختلاف معدن الرجل وطبيعته عن معدن وطبيعة المرأة، "فالرجل والمرأة يصبحان جسدًا واحدًا بعد الزواج، إلا أن لكلٍ منهما معدنه وطباعه وأسلوبه في الحياة، وهو ما خلقه الله عليه". ويقال في لحظة تلبيس الخواتم صلاة خاصة وهي: "أيها الإله الابدي الجامع المتفرقات إلى اتحادٍ واحدٍ، والواضع لميل القلب رباطًا لا ينفك".

من أين جاء الخاتم

يوضح الأب الهودلي، أن للخاتم في الزواج جذورٌ دينيةٌ منذ العهد القديم، "ففي الخاتم أعطي السلطان ليوسف في مصر، بعد أن عينه عزيز مصر على خزائنها وألبسه خاتمًا، وبالخاتم شُرّف النبي دانيال في بلد بابل، هو أحد الأنبياء الأربعة الكبار في التراث اليهودي المسيحي، والشخصية المركزية في سفر دانيال".

ووفقًا للرواية التوراتيّة، فإنه عندما كان دانيال شابًا، اقتيد إلى السبي البابلي حيث تلقى تعليمه هناك، فتعلم هناك لغة الكلدانيين ورشح للخدمة في القصر الملكي، ففسر حلمًا لنبوخذ نصر كان قد أزعجه، ومكافأةً له على هذه الخدمة نصبه حاكمًا على بابل، ورئيسًا على جميع حكمائها.

ويضيف الأب الهودلي، أن الخاتم ينقل الشاب من مكانةٍ اجتماعيةٍ إلى أخرى أسمى وأرقى وأكثر مسؤولية، فينال شرفًا أكبر من كونه أعزبًا. كما يظهر الخاتم حقيقة الشخص، فعندما تشاهد الخاتم في يد الشاب أو الفتاة تعرف حقيقة حالتها الاجتماعية إن كانت متزوجة أم لا.

صلاة الإكليل

بعد وضع الخواتم في الأيدي، تبدأ صلاة الإكليل، والإكليل يرمز إلى التاج والتوقير والاحترام، ففي العصور الأولى بعد عودة الجنود متنصرين من الحروب، كانوا يكللونهم. والإكليل في الزواج كنايةً على انتصار الزوجين في الحرب مع نفسيهما، والنجاة من الزنا، فيدخل العريس والعروس من باب الكنيسة يتقدمهم الكاهن، وتكون طرحة العروس الخلفية ملامسة للأرض، وتأتي هذه الطرحة من اليونانيين القدماء، حيث كانت لديهم الآلهة ذيوس وهي إلهة الخصب ولها طرحةٌ تلامس الأرض، فملامسة طرحة العروس لأرض الكنيسة هي كناية عن إخصاب الكنيسة وإنمائها بالأبناء الجدد.

يُكلل العروسان كنايةً على انتصارهما في حربهما مع نفسيهما ونجاتهما من الزنا، أما طرحة العروس فهي كناية عن إخصاب الكنيسة

ويتابع الأب الهودلي شرح مراسم الزفاف مبينًا، أن العريس يقف على يمين الكاهن، فيما تقف العروس على شماله. ويقف على يمين العريس إشبين، وهو الشاهد على مراسم العرس، وعادة ما يكون أقرب الناس للعريس كأخيه مثلاً. كما تقف على يمين العروس إشبينة أيضا، فالشهود دليلٌ على أن الزواج حدثٌ اجتماعيٌ وليس حدثًا فرديًا".

اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو.. جولة استكشافية للصوفية في جنين

وأمام الملأ، يتلو الكاهن صلاة البركة قائلاً: "باركهما يا رب كما باركت إبراهيم وسارة، باركهما يا رب كما باركت موسى وصفورة، بارك يا رب الوالدين الذين اعتنوا بتربيتهما، بسلامٍ إلى الرب نطلب أن يحفظ العروسين بالاتفاق نفسًا وجسدًا، والإيمان الوطيد وحسن التوليد".

بعد هذه الصلاة، تشبك العروس يديها ببيدي العريس، ويبدأ التكليل فيقول الكاهن: "يكلل عبد الله فلان على أمة الله فلانة باسم الأب والابن والروح القدس". ثم توضع على رأسيهما أكاليل الزهور، فيقول الكاهن: "أيها الرب إلهنا بالمجد والكرامة كللهما وعلى أعمال يديك سلطهما". يقرأ بعدها فصلاً من رسالة بولس الرسول: "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب الله الكنيسة وبذل نفسه لأجلها، لأنه ما من أحد يبغض جسده قط بل يربيه وينميه كما يعامل الرب الكنيسة"، كما توجه الرسالة للمرأة: "أيتها النساء اخضعن لأزواجكن كما للرب لأن الرجل هو رأس المرأة".

وعن "واجب طاعة المرأة لزوجها في الديانة المسيحية"، يقول الأب الهودلي، إن "الرجل يجب أن تكون له كلمة في بيته، نتيجة طبيعته العقلانية والغضبية، وليس انتقاصًا من المرأة، ففي نفس الوقت يجب أن يحب الزوج زوجته ويبذل نفسه من أجلها".

نبيذ القداس الإلهي دورة الملكوت

ووفقًا للأب الهودلي، فقد ورد في الإنجيل: "قليلٌ من الخمر يفرح القلب"، ولذلك يتناول العريس والعروس كأسًا من النبيذ. كما كانت هناك عادةٌ قديمةٌ في الكنيسة، حيث يُؤخذ كأسٌ من النبيذ ويكسر على الأرض، كنايةً عن تحطيم السعادة الزوجية إذا لم ينتبه لها الزوجان.

ويبدأ الكاهن بالدوران وهو يحمل الإنجيل متقدمًا العريس والعروس والإشبين والإشبية ثلاث مرات، تسمى هذه الرقصة بالمسير نحو الملكوت والسماوات، للدلالة على قيادته لهم في هذه الحياة بالإنجيل. وفي الدورة الأولى يتلو الكاهن طربانية جميلة تقول: "يا إشعيا إطرب مرتكضًا لأنك رأيت البتول حاملاً على ذراعك المعتق نفسًا"، وترتل باللحن الخامس، وهو لحن للفرح، للدلالة على إنجاب الأطفال والفرح بهم.

ثم في الدورة الثانية يتلو الكاهن طربانيةً حزينةً تلحن باللحن السابع، وهو لحنٌ ثقيل، فيقول: "أيها الشهداء القديسون الذين جاهدوا حسنوا فتكللوا"، للدلالة على تقدم الأبناء في السن، وتعاظم مسؤوليتهم وتكاليف معيشتهم.

أما في الدورة الثالثة، فيتلوا الكاهن طربانية فرحة فيقول: "المجد لك أيها المسيح الإله فخر الرسل وبادية الشهداء"، للدلالة على تزويج الأبناء وعودة الوالدين وحيدين في المنزل، إلا أنهما لا يزالان يتمسكان بالإنجيل وتعاليم الدين المسيحي".

يتناول العروسان في الكنيسة كأسين من النبيذ، أو يكسر أمامهما كأس من النبيذ كنايةً عن تحطيم السعادة الزوجية إذا لم ينتبه لها الزوجان

بعد ذلك تُرفع الأكاليل عن رأس العروس والعريس ويباركهما الكاهن، فيقول: "لتعظم أيها العريس مثل يعقوب، ولتعظمين أيتها العروس مثل سارة"، ولا يزالان كل منهما يمسك بيد الآخر، فيأتي الكاهن بالإنجيل ويفصل بينهما، للدلالة على أن المسيح أصبح بينهما.

نفض العزوبية

هذه الطقوس، تضاف إليها تقاليد منها أن يقفز أصحاب العريس معه ثلاث مراتٍ صعودًا ونزولاً، للدلالة على "نفض العزوبية" والدخول في الحياة الزوجية. كما يسلم الكاهن العروسين أيقونة عرس قانا الجليل وشهادة الزواج، فيخرجون لتلقي التهاني خارج الكنيسة.

بعد ذلك يتوجه العروسان إلى قاعة الأفراح لإتمام بقية مراسم الزفاف، إذ يوزع الشمع على الضيوف للنساء، والطرابيش الحمراء للرجال، وتتجلى العروس في طقوس تسمى التجلي، ويلبسها العريس عقدًا ذهبيًا وأساور وأقراط، كما يلبس العريس والدة العروس عقدًا ذهبيًا، وبعدها يتوجه العروسان إلى منزلهما لإلصاق عجينةٍ على باب البيت، للدلالة على الالتصاق التام مع بعضهما البعض، كما يقوم أصحاب العريس بضربه ضربًا خفيفًا كوداعٍ للعزوبية، حسب ما تقول "أم مجدي" (58 عاما) من بيت ساحور لـ "ألترا فلسطين".

وتشير "أم مجدي" إلى إن طقوس الزفاف (غير المنصوص عليها في الشريعة) تتشابه في كل المناطق التي يقطنها الفلسطينيون المسيحيون، إذ لا تختلف هذه المراسم كثيرًا بين رام الله وبيت لحم مثلاً، كما أن تكاليف الزواج تزيد عن 150 ألف شيكل، حسب ما أفادتنا به.

اقرأ/ي أيضًا:

بالصور: رحلة إلى بيت لحم.. عجائب فلسطينية

بربارة.. أسطورة القداسة

الفلسطينيون في تشيلي.. البداية من اللا شيء!