09-أبريل-2017

دير ياسين، الوجع الفلسطيني

في مثل هذا اليوم (9 نيسان/ ابريل) من عام 1948، شنّت قوة "ارغون" مذبحة دير ياسين، لتقتل نحو 254 شخصًا جُلّهم من النساء والأطفال والشيوخ، وتهجِّر حوالي 700 من سكّان القرية.

قبل 69 عامًا، تجمّع في معسكر "عتيس حاييم" 70 مقاتلًا من عصابة "الأرغون"، وكان الهدف واضحًا؛ "تطهير دير ياسين، والسيطرة عليها".

ففي لقاء جمع "يهوشوع جولدشميد" ضابط عمليات المنظمة العسكرية القومية (اتسل/ عصابة الأرغون) مع ضابط العمليات "مردخاي بن عوزيهو"، و"يهوشوع زتلر"، قائد (ليحي/ عصابة شتيرن)، في القدس، حيث اقترح الأخير على عصابة الأرغون احتلال قرية شعفاط، شمال القدس، بهدف "تأمين" الطريق الواصل بين مستوطنتي "النبي يعقوب" و"عطارة"، وعزل حيّ الشيخ جراح في القدس عن مدينة رام الله.

وبعد نقاش بين المنظمتين، اتضح أنّ مقترح "زتلر" لم يكن قابلًا للتنفيذ لأن الجيش البريطاني القريب من شعفاط قد يتدخل لصالح "العرب" إذا ما نشبت معركة، وبناءً على ذلك اقترح "زتلر" احتلال قرية "دير ياسين".

اقرأ/ي أيضًا: تجارة الماس في إسرائيل.. أرقام مرعبة

في ذلك الوقت كانت عصابة (الأرغون/ اتسل) في القدس، تمتلك ثلاثين بندقية ورشاشين من طراز "برن" معظمها من صنع محليّ وصلت من تل أبيب، ولم تكن بحالة جيّدة، وحوالي 120 مُسدّسًا وعددًا كبيرًا من القنابل اليدوية، وكمية كبيرة من المتفجرات.

تقع قرية دير ياسين على تلّ غربيّ في القدس، وتبعد حوالي 700 متر عن مستوطنة "جبعات شاؤول"

وتزعم أدبيّات عصابة الأرغون، أن دير ياسين استُخدمت ممرًا للقوّات العربية التي تحركت بين القرى الفلسطينية (عين كارم، المالحة، القسطل، وقولونيا) لإطلالتهن على طريق القدس - يافا.

ومع احتدام المعارك الدامية حول القسطل، كانت قرية دير ياسين ضمن القرى التي يفترض أن يتمّ احتلالها خلال "عملية نحشون" التي شنّتها "الهاجاناة" في 6 نيسان/ ابريل عام 1948.

لكن وبحسب ما يرد في أرشيف عصابة الأرغون، فإنّ "التعزيزات العربية" التي وصلت ميدان المعركة عبر دير ياسين، أدّت في نهاية الأمر إلى ردّ القوات الصهيونية المهاجمة.

وبعد أن بدأت خطة احتلال دير ياسين تتبلور، طلبت "الهاجاناة" من "الأرغون" تنسيق موعد الهجوم على دير ياسين ليكون بالتزامن مع موعد تكرار الهجوم على قرية القسطل. بعد ذلك، بعثت "الهاجاناة" رسالة إلى "الأرغون" و"شتيرن" أخبرتهما فيها عدم معارضتها لخطة احتلال، دير ياسين.

في يوم الخميس 8 نيسان/ابريل، عام 1948، تجمّع في معسكر "عتيس حاييم" 70 مقاتلًا من عصابة "الأرغون"، وأخبرت قيادة العصابة أعضاءها أنّ هدف احتلال دير ياسين، يتمثّل في: التطهير والسيطرة.

بعد انتصاف الليل، انتقل أعضاء عصابة الأرغون من معسكر "عتيس حايم" إلى مستوطنة "بيت كيرم"، وتقدّمت القوّة المهاجمة نحو الواد المؤدي إلى دير ياسين، وهناك انقسمت إلى قسمين. أمّا عناصر عصابة "شتيرن" فكانوا يتأهّبون للهجوم من ناحية مستوطنة "جبعات شاؤول" ومن هناك تقدّموا نحو الهدف.

خلال تقدُّم القوّة الصهيونيّة نحو قلب القرية عبر الشارع المؤدي إليها في الساعة 04:25 صباحًا، لاحظ أحد حُرّاس دير ياسين تحرّكات مريبة، فنادى بأعلى صوته "محمد"، فاعتقد أحد أفراد العصابة الصهيونيّة المُهاجمة أنّ زملاءه ينادونه برمز العملية "أحدوت"، فردّ على النداء بكلمة "لوحيمت". إثر ذلك، بادر حُرّاس قرية دير ياسين بإطلاق النار، وبدأت المعركة.

إحدى المُدرّعات المُهاجمة كانت تحمّل مكبّر صوت، وعند تقدّمها نحو مدخل القرية، لم تستطع الدخول، بفعل قناة تم حفرها في الشارع، ما أجبرها على التوقف.

بالرجوع إلى أرشيف العصابة الصهيونيّة، فقد ادّعت "الأرغون" أنّ النيران فُتحت على المُدرّعة المُهاجمة من بين البيوت، ما أدّى لإصابة عدد من أفرادها، ما اضطرهم إلى المغادرة لإنقاذ الجنود المصابين الذين كانوا على متن المُدرّعة. حيث غادر عناصر "الأرغون" و"شتيرن" إلى معسكر "شنلر" القريب، وطلبوا من وحدات (البلماخ/ القوة المتحركة التابعة للهاغاناة) مساعدة المهاجمين.

بعد الموافقة، خرج عناصر "البلماخ" بواسطة مدرعة مزوّدة برشّاش وقاذفة كانت بحوزتهم، لإسناد المهاجمين، وتمّت مهاجمة بيت المختار و"تطهيره"، وإسكات النار المنطلقة منه.

بعد احتلال بيت المختار في دير ياسين، توقّف إطلاق النار، لكنّ أعمال القنص استمرّت، وقتل أربعة من عناصر عصابة الأرغون، وآخر من عصابة "شتيرن"، فيما غادر مئات أهالي القرية إلى قرية عين كارم. ومن تبقّى في القرية تم أسرهم وكان غالبيتهم من الأطفال والنساء، ولاحقًا تمّ تهجيرهم إلى شرقيّ القدس.

المسن محمد رضوان، يقف أمام منزله في دير ياسين، بعد أنّ  حوّله الإسرائيليون إلى منجرة. المصدر: الجزيرة

خلال الهجوم على دير ياسين، أعلنت "اتسل/ الأرغون" عبر إذاعتها، أنّ أربعة من أعضائها قتلوا في الهجوم، وأنّ عدد "القتلى العرب" وصل 250. ولاحقاً ادّعت الإذاعة أنّها بالغت في عدد الضحايا الفلسطينيين من أجل ممارسة حرب نفسيّة على الشعب الفلسطيني.

قادة عصابة "الهاجاناة" ومنظمة "اليشوف: أي الجماعات اليهودية التي تستوطن فلسطين لأغراض دينية"، هاجموا عصابة "الأرغون" بسبب احتلال دير ياسين. لكنّ العصابة ردّت أنّ دوافع الهجوم كانت سياسيّة؛ فشعبيّة العصابة تزايدت في صفوف المنظمات التي تدعو للاستيطان في فلسطين، بعد احتلال دير ياسين، وتحديدًا في القدس.

وبالرغم من مساعي "الأرغون" للتقليل من فظاعة احتلال دير ياسين، إلّا أنّ بعض المصادر الصهيونية أكدت أن القوة التي هاجمت القرية مارست القتل دون تمييز بين الرجال والنساء، وأنها أجبرت جزءًا منهم على الصعود إلى سياراتها وبعد ذلك تجولوا بهم في شوارع القدس، في "موكب النصر"، فيما كان الصهاينة يطلقون صيحات الفرح، وبعد ذلك أعيد هؤلاء إلى القرية، وتم إعدامهم.


اقرأ/ي أيضًا:

68 نكبة.. ونكبة

سلامٌ وطنيٌ جديد!

بين رام الله وغزة لعنة عاشق!