23-يناير-2016

وقفة لاجئين سوريين أمام محطة قطارات كولونيا في ألمانيا (فيسبوك)

"لو كانوا شرفاء لما قبلوا بكلمة لاجئ" هكذا يحتكر عنصريّو الوطنِ الشرفَ، ويوزّعون شهادات الوطنيّة على الجميع، وكأنّ كلمة "لاجئ" تعني شتيمةً بحدّ ذاتها، أو أنّ من أُخرِج من بيته بسبب "الحربِ" -كما يحلو لهم تسميتها منذ سنواتٍ طويلة، وقبل أن تكون حربًا- قد ارتكب جريمةً لأنه هرب بجسده وبما عليه من ثياب.

لا يكفّ الناس عن تحميل الضحيّة المسؤوليّة في كلّ شيء، وهذا سلوك جمعي مضطرب نفسيًا وأخلاقيًا

أعرف تمامًا، أن معظم هؤلاء اللطامين وهواة الندب، ما كانوا ليتردّدوا لو سنحت لهم الفرصة ليكونوا في مكان أكثر أمنًا، وأعرف أن كثيرين من الذين يستعملون أسلوب البعث وخطباء المساجد بلغة ركيكة لتثبت صمودهم في "الوطن"، سعوا مرات ومرات للحصول على "فيزا" أو "منحة" أو طريق سالك غير خطر!

البقاء تحت القصف، أو الانتقال إلى مناطق آمنة داخل حدود "الوطن" هو خيار شخصيّ يُحترم، لكنه لا يشكل امتيازًا أو تفوّقًا أخلاقيًا على من هرب، أو قرر أن يغادر لأنه ببساطة لا يريد أن يموت أو يُعتقل! وهؤلاء ذاتهم أصحاب "الردحات" الوطنيّة، يريدون للناس أن يموتوا لكي يرثوهم بـ "أسمى آيات الحب والعرفان" على جهودهم التي بذلوها قبل أن يُقتلوا، هؤلاء أصحاب نظرية "المواطن/الثائر الحقيقي هو المواطن/الثائر الميت"، لا يكفّون عن النواح والتأفف من الوضع السيئ، ويشتكون من انقطاع التيار الكهربائي كأحد أهم مشكلات سوريا الأساسية بعد "الحرب"، وإن طفح الكيل بهم؛ يتحدثون عن قذائف المجرمين الهابطة على دمشق، وينسون التي تهبط على غيرها، هؤلاء ذاتهم، الشوفينيّون "الوطنيون" أصحاب الوطن الحقيقيون، لم يتوقفوا عن وصف أبناء الجولان بـ "النازحين" -وهم أبناء بلدهم- حتى يومنا هذا! هل توجد عنصرية أكثر من هذه؟

أمّا من نجا من التصنيفين السابقين، فيستعمل الخطاب التقليدي ذاته، بـ "أنا جمعيّة" أكثر تأثيرًا "نحن الذين نرزح تحت القصف، وأنتم هربتم" وكأنّ على الناس أن يرزحوا تحت القصف في مشهد جماعي دراميّ ويصدّوا القذائف باليوغا!.

لا يكفّ الناس عن تحميل الضحيّة المسؤوليّة في كلّ شيء، وهذا سلوك جمعي مضطرب نفسيًا وأخلاقيًا، وغير قادر على مواجهة الجناة الحقيقيين، يتحرّش رجل بامرأة: "لو لم تكن متبرّجةً لما تحرّش بها"، يضرب أبٌ ابنه: "لو لم يرتكب خطأً لما عاقبه"، يُقتل الناس بالشوارع: "لو لم يخرجوا ضد النظام لما قتلهم" والأمثلة كثيرة، أما المصيبة الأكبر، فهي اعتبار كلمة "لاجئ" شتيمة، وهي حقّ من حقوق الإنسان بحسب المادة الرابعة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد". اعتبار الحق شتيمةً يعود بشكل أو بآخر للاتفاق مع العقلية التي تقول "من خرج من داره، قلّ مقداره"، والتي لا أتفق معها مطلقًا، ولا يمكن تعميمها، فعلى سبيل المثال، لم يكن قدرُنا يومًا أقلَّ مما كان عليه في "سوريا الأمن والأمان"، حيث لا كرامة للناس ولا مواطنة ولا حرية ولا أمل، أما كلمة اللجوء، فأنا، كلاجئ فلسطيني سوريّ، لم أعرف نفسي إلّا لاجئًا ابن لاجئ منذ الولادة، فلا تعنيني مطلقًا هذه الشوفينية الوطنية العنصرية، ولا تعنيني الأوطان أيضًا، الأوطان التي لا تعني للمدافعين عنها سوى قطعة أرض جغرافية لها اسم، وقطعة قماش رخيص ملّونة يسمونها العلم.

اقرأ/ي أيضًا:

في قراءة الاغتراب السوري

الضمير التسلطي والسلطة