11-أكتوبر-2018

من حين لآخر، تكتب الصحافة العبرية عن نداء حزبٍ يمينيٍ هنا، ومقترح عضو كنيست هناك، يدعو لضم الضفة الغربية رسميًا. بعد أكثر من خمسين عامًا من السيطرة العسكرية، تثير أخبار كهذه تهكم المراقبين: أليست الضفة الغربية مضمومة أصلاً على أرض الواقع؟ وهل من مصلحة الجانب الإسرائيلي إعلان الضم رسميًا؟

قانونيًا، لا يلغي الضم صفة الاحتلال، بل إن الضم بكل أحواله غير شرعي، في حين أن الاحتلال قد يكون شرعيًا إن استوفى معايير القانون الدولي الإنساني. يشير القانون الدولي إلى الفرق بين صفتي الاحتلال والضم، فالخط الفاصل بينهما هو الدمج ضمن نطاق الدولة المحتلة من عدمه.

يشير القانون الدولي إلى الفرق بين صفتي الاحتلال والضم، فالخط الفاصل بينهما هو الدمج ضمن نطاق الدولة المحتلة من عدمه

الرواية الرسمية الإسرائيلية لا تعرّف ما يجري في الضفة الغربية بالاحتلال أصلاً، بل تراه تواجدًا عسكريًا في أراضٍ متنازع عليها، اضطرت لفرضه إلى أن تحين اللحظة المناسبة لسحبه. يستند ذلك المنظور إلى حقيقة عدم ترسيم حدود الدولة العبرية بعد قيامها عام 1948، وارتكازًا على نطاق امتداد حدود فلسطين الانتدابية التي لم تقسم يومًا، فقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة كان رأيًا استشاريًا لا أكثر، كما يكرر معتنقو ذلك المنطلق.

اقرأ/ي أيضًا: الاستيطان: الاقتصاد يتفوق على الأيدولوجيا

محكمة العدل الدولية بتت في المسألة بقولها إن "الاحتلال قائم على كافة الأراضي الفلسطينية". جاء ذلك الرأي الاستشاري بعد جهود إسرائيلية حثيثة في المطالبة برفع القانون الدولي الإنساني عن حالة الضفة الغربية بعد تسليمها مدنها الكبرى للسلطة الفلسطينية. إذًا، فالجدال القانوني قائم في مسألة الاحتلال، بالرغم من كونه غير متكافئ نظرًا لصعوبة مهمة إنكاره، فماذا بشأن الضم؟

إن كان يمكن لاحتلال ما أن يكون قانونيًا بعد استيفائه معايير دولية محددة، فالضم لا شرعي جملة وتفصيلاً. لم يثمر ضم الجولان وشرقي القدس تقبلاً دوليًا كما يشير مراقبون. في هذا، يقول فيتو توديسكيني، المستشار القانوني في لجنة الحقوقيين الدولية: "لقد خلق هذا الضم تصنيفات غريبة جدًا، كوضع (المقيم الدائم) إشارة إلى الفلسطينيين في القدس الشرقية الذين لم يمنحوا المواطنة الكاملة".

لا يرى توديسكيني أن الجانب الإسرائيلي معني بضم الضفة الغربية رسميًا، فبوجهة نظره، الجولان وشرقي القدس قطعٌ صغيرة من الأرض ضمت دون سكانها لأهميتها البالغة. ويضيف، "الوضع الحالي في الضفة الغربية أكثر راحة. لماذا الضم إن كان يستوجب مزيدًا من الحقوق للسكان؟ ليس من الحكمة ضم الأراضي رسميًا وممارسة التمييز العلني بحق 2.8 مليونًا من السكان".

"الوضع الحالي في الضفة الغربية أكثر راحة. لماذا الضم إن كان يستوجب مزيدًا من الحقوق للسكان؟"

"نظريًا، الضفة الغربية ليست مضمومًة رسميًا. لكن يمكننا أن نجادل في مسألة الضم -من الناحية العملية- فيما يتعلق ببعض المناطق المصنفة (ج)" كما قالت جوليا بنزاوتي، الأستاذة في كلية القانون في ليدن. فبحسبها، الأرض والموارد والاقتصاد جميعًا تحت حالة الضم من الناحية العملية، والسكان الإسرائيليون يحملون المواطنة الكاملة وبإمكانهم التنقل على جانبي الخط الأخضر بحرية. فما الحاجة للضم الرسمي؟

إذًا، هو سؤال المسؤوليات. هل يحتاج الجانب الإسرائيلي لأي أثمان جديدة تترتب على خطوة الضم الرسمية؟ لا يعتقد المراقبون.

تشير خرائط مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى العديد من مشاريع الضم اللا رسمية البديلة المخططة في الضفة الغربية عبر الاستعانة بالجدار. التقارير الحديثة الصادرة عن حالة الخان الأحمر تحلل الأحداث الجارية بنفس المنظور. فمشروع القدس الكبرى 2020، أو كما يعرف إنجليزيًا بـ (E1)، يسعى لضم كتلة "معاليه أدوميم" بمنشآتها وسكانها، دون الفلسطينيين: الخان الأحمر نموذجًا كما تشير الخرائط أدناه. 

[[{"fid":"74959","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":377,"width":670,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

الخريطة: صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 2014

يشير الخط الأحمر المرقط بالأبيض أعلاه إلى مقطعٍ من الجدار لم يُنفذ بعد، بل ينتظر مصادقة الكنيست. فامتدادًا من أطراف العيسوية شرقي القدس، يتجه الجدار شرقًا ليضم مستوطنات "علمون"، "كفار أدوميم"، "ميشور أدوميم"، "معاليه أدوميم" وغيرها، ليعود غربًا ويكمل اتصاله بمنطقة الزعيّم. المدقق في النطاق المحصور داخل مسار الجدار سيلاحظ تجمعًا فلسطينيًا صغيرًا جدًا: الخان الأحمر.

تلك الاستراتيجية الإسرائيلية دفعت المراقبين لاستعمال مصطلح جديد (Occu-Annexation)، أي بالعربية: الاحتلال الضام، كما يشير مايكل لينك، أستاذ القانون في جامعة ويسترن بلندن، في وصف إبقاء الاحتلال العسكري مع ضم أجزاء معينة دون سكانها الفلسطينيين. لكن في كلا الحالتين، أي الاحتلال أو الضم، يشير لينك إلى أن القانون الدولي الإنساني يبقى ساريًا قانونيًا ولا مفر منه.

من جهة أخرى، لا يرضي خطاب أهل القانون أعلاه كثيرًا من أهل السياسة، إذ يرى كثرٌ أن تبني ذلك الخطاب القانوني كإطار عملي ينطلق فقط على ما حدث في 1967، لا قبل، وهو المسار الذي يتبناه المستوى الفلسطيني الرسمي منذ سنوات طويلة متطلعًا لحل الدولتين كحل للحالة السائدة.

"القانون الدولي الإنساني لا يساعدنا في سياق عام 1948. مفهوم الاحتلال لا يصف الحالة الفلسطينية بدقة"

فخطاب "الاستعمار الاستيطاني" انطلاقًا من عام 1948، وقبل ذلك، لا يتماشى مع خطاب "الاحتلال"، إذ أن الثاني يُلغي الأول كما يجادل كثر، ومنهم حسن جبارين، مدير مركز عدالة داخل الخط الأخضر. "القانون الدولي الإنساني لا يساعدنا في سياق عام 1948. مفهوم (الاحتلال) لا يصف الحالة الفلسطينية بدقة. فلنتبنى خطاب الاستعمار كمفهوم أدق" يقول جبارين.

في ضوء ذلك، يعلق فيتو توديسكيني، المستشار القانوني في لجنة الحقوقيين الدولية: "أعرف أن الانطلاق من عام 1967 كنقطة الصفر لا يرضي طموحات الكثير من الفلسطينيين، لكن تبني ما قبل ذلك قانونيًا يعد مسألة صعبة". فبحسب توديسكيني، الجانب القانوني محدود، ولا يمكن الاستناد إليه لنقاش سياق عام 1948، فالدولة العبرية قامت ونالت اعترافا دوليًا وباتت عضوًا في الأمم المتحدة. ويختم: "للقضية الفلسطينية جانبان، تاريخي سياسي وقانوني. قد نجادل بالتاريخ والسياسة، لكن الجانب القانوني لا يساعدنا".


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | الإدارة المدنية للاستيطان وإقصاء السلطة

أعمال الدهس.. ذنوب المستوطنين المغفورة

واد الحصين: سنبقى ثقبا في مخططات الاستيطان