30-سبتمبر-2016

تنشط زراعة التبغ أو كما يسمى في فلسطين "الدخان العربي" في الضفة الغربية بشكل عام، إلا أنه يُزرع بشكل أكبر في أراضي بلدة يعبد قضاء جنين، ويعتبر المهنة الأساسية لمعظم سكان البلدة منذ عشرات السنين، وقد أصبح اليوم جزءاً من تراثها وهويتها.

وحسب مؤسسة مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية فإن نسبة البطالة في بلدة يعبد تقارب 0%، حيث يعتمد كل اهالي البلدة على "الدخان العربي" سواءً في مرحلة الزراعة أو الاعداد أو التسويق، كما تشير المؤسسة إلى أن هذه المهنة لا تقتصر على فئة الذكور بل للإناث أيضا، ويستفيد منها الطلاب وربات البيوت وأحيانا كثيرة الأطفال.

إلا أن تجارة "الدخان العربي" أصبحت اليوم تجارة ممنوعة ويعتبر العاملون فيها من المهربين والخارجين عن القانون، فتصادر الضابطة الجمركية أي كمية يتم ضبطها وتخالف صاحبها، إذ فرضت الحكومة ضرائب مرتفعة على "الدخان العربي" أو الفلسطيني مثله مثل الدخان المستورد بحجة تنظيم زراعته، لكن في الوقت نفسه دون أن تراقب أو تضبط زراعته.

"الدخان العربي" الذي يزرعه فلسطينيون من يعبد يمثل مصدر رزق وحيد لهم ويجعل نسبة بطالة بلدتهم تقارب الصفر في المئة

ونقلا عن الضابطة الجمركية فإن الضريبة على التبغ المستورد تصل إلى 15.27 شيقل لعلبة السجائر الواحدة ذات الصنف المتوسط، بينما تبلغ الضريبة على التبغ المحلي أو "العربي" 458.56 شيقل لكيلو الدخان الواحد، أي ما يقارب 12 شيقل للعلبة الواحدة.

محمد أبو بكر مزارع وتاجر دخان من يعبد، يعمل مع زوجته وأولاده الخمسة في هذا المجال الذي هو مصدر رزقهم الوحيد، ويوفر منه أقساط أبنائه الجامعية. يحدثنا قائلا، "في السابق عندما كنا نبيعه لشركات الدخان كان كالذهب، لكن اليوم وبعد أن رفعت الحكومة الضرائب عليه وتوقفت الشركات عن شراء الدخان منا بدأت تزيد الأعباء علينا، وأصبحنا نغامر ببيعه لنعيش".

ويضيف أبو بكر، "لا أعلم ماذا يريدون منا! بدلا من أن يوفروا لنا الفرص ويشجعونا على العمل في بلادنا يحاربوننا، بماذا نعمل وأين؟! إما أن نذهب إلى إسرائيل أو أن نزرع الدخان في أرضنا".

 

مقامرة

تمثل تضييقات الحكومة العائق الأكبر أمام هؤلاء المزارعين، إذ تقعد الضابطة الجمركية لتجار الدخان العربي بالمرصاد، وفي حال ضبطت أي كمية منه تصادرها ويحوّل صاحبها إلى المحكمة، هذا إضافة لإجبارهم على دفع ضريبة على الدخان المضبوط، حسب ما يقول تجار الدخان في البلدة.

ووفقا للتاجر أبو بكر، فإن إعداد الدخان للسوق مكلف جدا، "نزرع ونحصد ونجفف ونسوق، وربحنا محدود ومقسم ما بين مصروف وإعادة انتاج، وفجأة يتم ضبط الكمية المنتجة. وليس هذا فقط؛ بل ندفع ضريبة وغرامة عليها، عملنا مجرد مغامرة كالقمار تماما".

لكن مسؤول ملف التبغ في الضابطة الجمركية هاني مسعود نفى ذلك، وقال إن الكمية المضبوطة مع أي تاجر تُصادر مع دفع غرامة عليها وليس ضريبة، مؤكدا، أن التاجر الذي تضبط معه الكمية يدفع بناءً على قانون الجمارك، "ولو دفع ضريبة لكان المبلغ خيالي"، وفق قوله.

ويضيف مسعود لـ "ألترا صوت"، "نحن لم ندخل يوما بيت امرأة أو تاجر صغير نعلم أنه يعمل في الدخان ليعيش، بل نتعامل مع حيتان ورموز الدخان في يعبد وغيرها، ففي يعبد ينتجون الدخان أكثر من مصنع سجائر القدس، هذا المصنع الفلسطيني الذي يوشك على الإغلاق".

 

الضرائب تحقق دخلا كبيرًا للسلطة

يتحدث تجار الدخان بشكل عام عن ارتفاع كبير في أسعار الضرائب، ويقول أصحاب المحلات التجارية إن مربحه محدود جدا ولا يغري أحدا، بسبب الضرائب. 

يبرر مسعود ذلك بأن الموارد المالية الموجودة في فلسطين شحيحة وتعتمد على الإيرادات الجمركية والضريبية والدول المانحة. ويبين أن الهدف من "تنظيم زراعة التبغ" يكمن في حصر المساحات الزراعية  التي ستساعد على معرفة كمية التبغ الموجودة في السوق من هذه الزراعة، من أجل المساعدة على التخطيط والتنظيم المستقبلي.

ويضيف، "التنظيم يؤثر على الوعاء الجمركي الخاص بالحكومة، فالجمارك العالية جدا على التبغ المستورد أدخلت للسلطة في عام 2013 ما يقارب المليار شيقل، والمؤثر الاكبر على ارتفاع المبلغ وانخفاضه هو كمية التهريب"، مبينا، أن الحكومة معنية بتنظيم هذه الزراعة ومراقبتها مثلما تراقب المصانع والشركات التي تنتج التبغ.

ويقول إياد الرياحي الباحث في مؤسسة مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية، إن الحكومة أجرت تعديلات متكررة على أسعار التبغ المستورد، مما شكل مصدر دخل للخزينة، فلجأ الناس إلى الدخان المحلي، وهذا قلل نسبة الضرائب العائدة لخزينة الحكومة، ما سبب خسائر لها.

وبين الرياحي، "كحل بديل قررت الحكومة تنظيم هذه الزراعة من خلال مصنع محلي إلا أن هذه المحاولة أيضا فشلت، فكان الحل هو رفع ضرائب الدخان المحلي".

 

محاولات للتنظيم باءت بالفشل

حاولت الحكومة قبل أربع سنوات تنشيط تجارة التبغ المحلي من خلال اتفاقية ثلاثية مع جمعية التبغ في يعبد، وشركة سجائر القدس، تنص على بيع كيلو "الدخان العربي" بـ35 شيقل للشركة، على أن تستوعب الشركة كميات التبغ الصادرة من أراضي يعبد، إلا أن الكميات الزراعية تضاعفت 10 مرات، والشركة لم تستطع استيعابها كلها فتوقفت عن التعامل معهم، وأُلغيت الاتفاقية لعدم الالتزام بها.

فيما يبرر جمال عديلة مسؤول قسم المبيعات في شركة سجائر القدس وقف التعامل مع يعبد بأن أسعار التبغ المحلي تقارب أسعار المستورد، إذ لا يوجد حماية للصنف المحلي، مضيفا، "مازال لدينا أكثر من 2 طن من تبغ يعبد منذ قرار إيقاف تصنيع هذه الأصناف قبل ثلاث سنوات".

وعن أسباب جعل التبغ المستورد والمحلي تحت نفس القانون الضريبي، يبين مسعود، أن الصنفين مرتبطان بناءً على الاتفاقيات الموقع عليها، مضيفا، "المسألة في النهاية جدوى اقتصادية، هناك خزينة ويجب أن نفيدها ونرفع من دخلها، والمستورد مفيد لخزينة الدولة أكثر من المحلي، ولو طبقنا الدعم الكامل والتخفيض الجمركي سنخسر، هي معادلة مكملة لبعضها وليست سهلة".

 

هل التشديد على المحلي لإرضاء للمستورد؟

يعلل مسعود مكافحة الحكومة للتبغ المحلي ومصادرته وإتلافه "بأنه يزرع بطريقة غير شرعية، ولأن زراعته تقتل الأرض والتربة"، وفق قوله.

ويقول، إن التجار في يعبد لا يلتزمون بالتعرفة الجمركية الموجودة، "الدخان العربي في فلسطين غير خاضع للتعرفة الجمركية او الضرائب بسبب الظروف السياسية فيتم زراعته وتجفيفه وفرمه وبيعه (تهريبه) دون أن تستفيد الحكومة منه، لذلك تتم مكافحته".

"الدخان العربي" الذي يزرعه فلسطينيون من يعبد يمثل مصدر رزق وحيد لهم ويجعل نسبة بطالة بلدتهم تقارب الصفر في المئة

ويضيف مسعود، "التاجر في يعبد لا يدفع الضرائب المفروضة عليه لكن في المقابل يوجد شركات ملتزمة قبل ما تدخل أي كمية للسوق الفلسطيني تدفع الضريبة الجمركية عن الكمية سلفا فلماذا يزعل، ذلك التاجر الذي يهرب ويضر بالاقتصاد ويضر بخزينة الدولة، هل مطلوب منا أن نعطيه مكافأة؟".

فيما يقول الرياحي (مرصد السياسات)، إن الدخان العربي لا يعتبر ضمن الاقتصاد الربحي بل ضمن العمل غير المنظم، مثله مثل كل القطاع الزراعي، موضحا، أنه لا يوجد سيطرة للحكومة على هذا العمل، ولا يوجد رقابة حكومية على الزراعة بشكل عام ومن ضمنها زراعة التبغ.

"الوضع القائم حاليا ناس تزرع التبغ ثم تسويقه بإطار التهريب، بمعنى لا يتم الاعتراف بهذه التجارة المشروعة بشكل واضح وصريح، بعض الناس في يعبد يعتقدون أن هذا نتيجة ضغط الشركات المستوردة للدخان الأجنبي بسبب تأثر مبيعاتها"، يقول الرياحي.

ويعلق جمال عديلة (شركة القدس)، بأن إمكانية استخدام التبغ المحلي في الانتاج القانوني محدودة، خاصة بعد إلغاء الاتفاقية، مبينا، أنه خلال "فترة السماح" التي نظمتها وزارة المالية للأصناف المدعومة أو التي لها تعرفة جمركية والتي تصدر من يعبد، نشط بيع أصناف مثل "جمال" و"فيكتوري" و"إنفنيتي" بسبب بيعها بأسعار منخفضة.

ويضيف، "بعد فترة ألغت السلطة التعرفة الجمركية لهذه الأصناف فلم يعد لدينا مجال لأن نصنع تبغ يعبد ونبيعه بـ22 شيقل، وفي المقابل يوجد تبغ مستورد يحمل نفس السعر، وأيضا يمكنك أن تجد نفس الصنف المحلي بخمسة شواقل، ونحن ليس لدينا أي صلاحية لكي نغير الأسعار بل كله يأتي إلينا من دائرة الجمارك في المالية وبالتعاون مع الزراعة والصحة، من منطلق أنهم يريدون تنظيم قطاع التبغ".

 

من وجهة نظر الحكومة فإن هذه "اتهامات باطلة"، فيقول مسعود (الضابطة الجمركية)، إنه لا يوجد ضغط بل إن المصلحة العامة تقتضي الحفاظ على الإيرادات قدر الإمكان، وذلك بحكم أن الإيرادات قليلة وتذهب للتعليم والصحة التي تقتطع جزء كبير من هذه الإيرادت، وفق قوله. 

"مثلا يوجد شركة مستوردة تدخل لي كل شهر على سبيل المثال 12 مليون دولار وتدفع بالتزام بينما ناس تهرب ولا تدفع شيء، الله يكون في عون السلطة"، يقول مسعود.

وعن الحلول التي يجب أن تلجأ إليها الحكومة، يقول الباحث إياد الرياحي: "يجب أن يكون هناك توازن للسياسات الاقتصادية، فأي اقرار لسياسة اقتصادية ما، يكون له تبعات إيجابية وسلبية، ونحن بدورنا يجب أن ننظر للجانبين، فالحكومة عندما رفعت سعر التبغ وزادت الضرائب اعتقدت أنها ستقلل من نسبة التدخين، ولم تنتبه أنها بهذه الطريقة حولت زراعة التبغ المحلي لزراعة من ذهب".

ويرى أنه من الواجب أن تقوم الحكومة بتدخلات تنموية حقيقية لتنظيم القطاع غير المنظم، مؤكدا على ضرورة التفات الحكومة لصغار المنتجين من الناس، وأهمية موازنة السياسات الاقتصادية بينهم وبين المنتجين الكبار، وإيجاد سياسات لحماية المنتجين الصغار.