31-يوليو-2017

مواجهات كوبر - تصوير عصام ريماوي (Getty)

في كوبر، القرية الهادئة غالبًا إلى الشمال من رام الله، أغلق جيش الاحتلال في اليوم التالي لعملية حلميش بتاريخ 21 تموز/يوليو مدخل القرية ست مرات، خلال 10 أيام فقط. في البداية وضع ساترًا ترابيًا، ففتحه أهل القرية وخرجوا، ثم أتبعه بآخر ففتحوه وخرجوا، ثم عززهما بثالث ففتحوه وخرجوا. يئس الجيش من إضافة السواتر فعاد ليغلق أحد السواتر الموجودة سابقًا، ففتحوه وخرجوا، ثم أغلق السواتر جميعًا وعلاّها، ففتحوها وخرجوا. يئس الجيش من رفع السواتر فقرر حفر الأرض، فسدّ الناس التجريفات مستخدمين السواتر المحفورة سابقًا!

في كوبر ستُثبت لك الحجارة وقنابل الصوت وآثار علب الدهان على الأرض أن عمر العبد ليس استثناء، وأن الهدوء وإن طال لا يعني ضعفًا أو استسلامًا

كوبر، القرية الواقعة في "آخر خط"، الطريق منها لا يصل بأي قرية، بل يعود باتجاه بلدة بيرزيت وقريتي جيبيا وبرهام، وهؤلاء يتصلن مباشرة برام الله من خلال طريق لا يمر بكوبر. إضافة لهذه الخاصية، فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يُقم على أراضي القرية أي مستوطنات أو معسكرات، هذا كله جعل القرية تميل إلى الهدوء في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت في التسعينات والثمانينات من القرن الماضي، وحتى بداية انتفاضة الأقصى، نقطة ساخنة، تضم عددًا من "المطلوبين" لجيش الاحتلال، إضافة لفدائيين نفذوا عمليات ضد مستوطنين وجنود، وتعرضوا للاعتقال، قبل أن يكسر الفدائي الجديد عمر العبد، الشاب الذي عرفه أهل كوبر هادئًا خجولًا، الهدوء، ويعيد القرية إلى مكانتها في صدر المواجهة مع الاحتلال.

اقرأ/ي أيضًا: أبواب الأقصى.. الجميع كان هنا

هذا الهدوء لسنوات، بدا لجيش الاحتلال وأذرعه الاستخبارية، إشارة إلى أن القرية خرجت من دائرة الصراع الساخن معه، فهي الآن ليست سلواد – مثلًا - التي لا يمر شهر، وأحيانًا أسبوع، دون اندلاع مواجهات عنيفة عند مدخلها، وتتعرض سيارات المستوطنين المارين بالقرب منها للرشق بالحجارة، ما يعني، بالنسبة للجيش، أن "معاقبة" القرية على ما فعله ابنها سيكون أمرًا سهلاً، فيكفي أن يضع ساترًا من الصخر والتراب ويجرف الأرض تحته، في مدخل القرية، ليعض أهلها على أناملهم ندمًا ويلعنوا عمر الذي نغّص عليهم هدوء قريتهم.

لكن هذا لم يحدث، وتكفيك زيارة عابرة إلى كوبر لترى أن عمر ليس استثناءً هنا، إذ ستجد الحجارة كبيرة وصغيرة في كل مكان، والزجاج الفارغ، وكذلك آثار علب الدهان، وقنابل الصوت والغاز. لقد فقدت القرية نظافتها التي سعت خلال السنوات الماضية للحفاظ عليها. لكن في هذه الحالة لا يتذمر أحد من ذلك، ولا تبدو الفوضى أمرًا سيئًا، بل تؤشر إلى العزة والكرامة، فكل هذه الفوضى لا تعني إلا أن جيش الاحتلال كلما قرر اقتحام القرية وجد مقاومة شديدة ولو بأقل الإمكانيات، وهي الحجارة وعلب الدهان والقليل من زجاج المولوتوف.

وأنا الآن أكتب لكم بعد 10 أيام من الحصار والمواجهات والاقتحامات الليلية، وما يشبه الكر والفر. فجيش الاحتلال يقضي كل فجرٍ ما يقارب الساعة في إغلاق الطريق، وأهل القرية لا يحتاجون لأكثر من ذلك لفتحها يدويًا. ومما يستحق الإشارة إليه، أن المواجهات فجر يوم الأحد، تاسع أيام الحصار، كانت أعنف منها في يوم الأحد الذي سبقه، ثاني أيام الحصار، ورقعتها أوسع أيضًا، وكذلك قنابل الصوت والغاز التي أُطلقت فيها أكثر، فشبان القرية يزدادون صلابة بعد كل يوم من الحصار، وعدد المشاركين منهم في الحجارة يزداد في كل يوم.

يأخذنا هذا إلى أحداث انتفاضة الصلاة في القدس، إن جازت التسمية، وهي التي تزامنت تمامًا مع حصار كوبر، بل كانت سببًا في عملية عمر التي أدت إلى الحصار. ففي انتفاضة الصلاة كان عدد المعتصمين عند أبواب الأقصى في الأيام الثلاثة الأولى بعد عملية #اشتباك_الأقصى التي نفذها الثلاثي جبارين، أقل من نصف عددهم مع اقتراب انتهاء الأسبوع الثاني. بل ورقعة المشاركة اتسعت، فانضم مسيحيون وملحدون إلى جموع المحتجين، وكان العدد يتزايد مع مرور الأيام واشتداد القمع، وصولاً إلى دخول الجموع للأقصى مكبرين تكبيرات العيد.

الفلسطيني الحقيقي يحضر في مواقع الحصار وساحات المواجهة والصمود، خلافًا لكذبة الفلسطيني الحقيقي في روابي

إذن، هذا الشعب لا يسهل تهجينه، فالهدوء في بقعة ما وإن طال لا يعني استسلامًا وضعفًا، والعازفون عن دخول الأقصى والصلاة فيه لن يترددوا في الدفاع عنه في أول مواجهة، والإقامة في "إسرائيل" والدراسة في مدارسها، وحمل هويتها وجنسيتها، لا تعني تجمد الانتماء لفلسطين في النفوس، وهذا ما أثبته الثلاثي جبارين بعمليتهم، ومن قبلهم نشأت ملحم، وكذلك فعل المعتصمون في المستشفيات الإسرائيلية تضامنًا مع الأسرى المضربين عن الطعام، هؤلاء الذين نقلوا المعركة من ساحات التواصل الاجتماعي إلى غرف احتجاز الأسرى في المستشفيات، وأجبروا الاحتلال على الرضوخ للمضربين.

يُذكرنا هذا كله بتقرير القناة الإسرائيلية الثانية عن مدينة روابي في رمضان الأخير، عندما قال رجل الأعمال إياه للصحافي الإسرائيلي، إن رواد روابي هم الفلسطينيون الحقيقيون. هذه الكذبة التي إن صدقها الإسرائيليون حينها، فإنهم لا بد قد أنكروها سريعًا، وعلموا أن الفلسطيني الحقيقي يحضر في كوبر، وسلواد، ودير أبو مشعل، وأم الفحم، والقدس، وغزة، وغيرها من مواقع الحصار وساحات المواجهة.


اقرأ/ي أيضًا: 

قلب حب على صورة شهيد

إسرائيل تعترف: انتصر الفلسطينيون وأكلنا السمك الفاسد

لماذا فشلت استخبارات الاحتلال في كشف منفذ حلميش؟