13-مارس-2017

photo by: Luis Diaz Devesa

منذ استعادته حريته عام 2010، يتنقل الأسير السابق "نوح"، الذي طلب عدم كشف هويته، بين مراكز وعياداتٍ وأطباء مختصين، بحثًا عن علاج للمشكلة التي بدأ يعاني منها بعد 13 عامًا قضاها خلف قضبان الاحتلال.

"نوح" من سكان أحد مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، ومن مواليد عام 1970، اعتقله الاحتلال منتصف عام 1997، بتهمة المشاركة في عمليات إطلاق نارٍ تجاه دورياتٍ عسكرية، ولدوره في "ملاحقة العملاء والمتعاونين مع اسرائيل"، وفق قوله، وكان حينها متزوجًا وأبًا لطفلين (ولد وبنت).

يتعرض الأسرى الفلسطينيون للتعرية والضغط على أعضائهم التناسلية، ويُحقنون بحقن غير معروفة، ما يترك آثارًا سلبية على قدراتهم الجنسية

بعد 13 عامًا من الاعتقال قضاها في عدة معتقلات، كان "نوح" على موعدٍ مع الحرية، فالتمّ شمله مع أسرته، وحاول منذ حينها بناء حياة مستقرة، لكنه اكتشف أنه يعاني ضعفًا جنسيًا، وأنه فقد القدرة على الإنجاب.

اقرأ/ي أيضًا: هدده المحققون بزوجته و"قطعوا خلَفه".. ولم يرضخ!

يقول نوح: "تزوجت عام 1994، وكانت فرحتي كبيرة حين أنجبت أطفالي، لكن الاحتلال سرق مني فرحة رؤيتهم يكبرون يوما بعد يوم، ويدخلون المدرسة، وبعد التحرر حاولت الإنجاب مجددًا، أردت أن أعيش مع مولودٍ جديدٍ كل اللحظات الجميلة، وأحببت أن أشاهده ينمو ويحبو ويكبر. كنت أريد أن أعوّض من خلاله بعض ما فقده أخواه من فراقي وأنا في السجن، لكن يبدو أن سجن النقب ما زال يلاحقني".

ولجأ "نوح" لعدة مراكز فلسطينية متخصصة في الإنجاب والإخصاب، لكن الفحوصات أشارت إلى ضعفٍ عامٍ في الحيوانات المنوية، وقد رجح مختصون أن تكون الضغوطات النفسية داخل السجن، إلى جانب نوعية الطعام والشراب، قد أحدثت هذه المشكلة، أو فاقمتها.

ويبين أن الفحوصات التي أُجريت تم إرسالها لمراكز في الخارج، وكانت النتائج مشابهة، مشيرًا إلى أن منع سلطات الاحتلال له من السفر، حال دون توجهه لتلقي العلاج في مراكز متخصصة خارج البلاد.

ويشير نوح إلى تعرضه خلال التحقيق معه، للشبح على كرسي التحقيق ساعاتٍ طويلةٍ، إلى جانب وضعه في زنزانة ضيقةٍ وباردةٍ ومتسخةٍ، وقد اضطر لتناول طعام نيءٍ، خاصة في الأيام الأولى من الاعتقال والتحقيق، لكنه لا يعرف إن كان لذلك صلةٌ بمشكلته.

اقرأ/ي أيضًا: "صيد الأشباح" أفضل وثائقي في برلين السينمائي

الأسير السابق فؤاد خفش، أكد أنه من خلال علاقاته الشخصية مع الأسرى، والأسرى السابقين، تبيّن له أنّ من قضوا فترةً تزيد عن 10 سنواتٍ في سجون الاحتلال، يعانون من مشاكل في القدرة الجنسية.

وقال خفش إن عددًا من الأسرى الذين خضعوا لتحقيق قاسٍ تلقوا تهديداتٍ من قبل المحققين الإسرائيليين بالاغتصاب والتحرش، إلى جانب تخويفهم من أنهم لن يكونوا قادرين على الإنجاب أو الزواج بعد التحرر.

ويؤكد المحامي جواد عماوي من هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وجود حالاتٍ عديدة لم تعانِ أي مشاكل جنسية قبل الأسر، لكنّها غادرت السجن بمشاكل كبيرة، موضحًا أن الضعف ينتج أحيانًا عن الضغط على أعضاء الأسير التناسلية، أو حقنه بحقنٍ لا تعرف ماهيتها، أو بسبب التهابات مزمنةٍ ناجمة عن الرطوبة والبرد الشديدين.

تحظر سلطات الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين الاختلاء بزوجاتهم، لكنها تسمح للأسرى الجنائيين ذلك

وأضاف، "الاعتقاد السائد أن السبب الأساسي في ذلك هو التعذيب والتعرية والعزل، إلى جانب احتواء الطعام والشراب داخل السجن على مثبطاتٍ جنسية".

اقرأ/ي أيضًا: رومانسية أسرى وزوجاتهم على عينك يا سجان

وبالتوجّه إلى أحد مراكز الإخصاب في رام الله، لسؤال الطبيب المختصّ عمّا إذا كان مطلعًا على حالاتٍ مشابهة، فأكد لنا ذلك، وقال إن العديد من الأسرى المحررين، ممن قضوا فترة اعتقالٍ تزيد عن تسع سنوات، يراجعون لديه في المركز، بسبب مشاكل في الإنجاب، وتكون الفحوصات لديهم متقاربةً في معظم الأحيان.

ويشير الطبيب إلى أنّ الرجال الذين اعتقلوا لسنواتٍ يعانون ضعفًا في الحيوانات المنوية، وفي قدرة الخصيتين على إنتاجها، مؤكدًا أنّ فحص السائل المنوي لعدد من الأسرى السابقين ممن أنجبوا أطفالًا، ومارسوا علاقة زوجية طبيعية، أظهرأنّ لديهم تغيّرًا بعد فترة الاعتقال في عدد الحيوانات المنوية وحركتها.

وأكد أنّ مدة السجن كلما طالت تؤدي إلى مزيدٍ من الضعف في الخصوبة، وأنّ ذلك قد يكون ناجمًا عن تعرضهم لأكثر من عاملٍ ضاغط خلال فترة الاعتقال.

وقد تكون محاولات الكثير من الأسرى المتزوجين، ونجاح جزء منهم، في تهريب الحيوانات المنوية "النطف" من داخل السجن، وإخصابها مع زوجاتهم في الخارج، ناتجة عن تخوفات من عدم القدرة على الإنجاب بعد التحرر.

وتحظر سلطات الاحتلال على الأسرى الفلسطينيين الاختلاء بزوجاتهم، رغم أن القوانين الدولية تتيح للأسرى ذلك، وهو ما تلتزم به إدارة السجون الإسرائيلية تجاه الأسرى الجنائيين.

نجح 36 أسيرا حتى الآن في تهريب "نطفهم" من داخل الأسر، وأنجبوا من خلال ذلك 48 طفلًا

الطبيب أحمد أبو خيزران من مركز رزان للإخصاب في نابلس، أكّد هو الآخر أنّ معظم الأسرى، خاصة الذين قضوا فتراتٍ طويلةٍ، يغادرون السجن بأمراضٍ مختلفة، قد يكون لها انعكاسها على قدراتهم الجنسية، وعلى نوعية الحيوانات المنوية.

ويوضح أبو خيزران أن الاعتقال قد يلعب دورًا كبيرًا في التسبب بالعقم، إضافة إلى عوامل أخرى قد تقلل من نسبة الخصوبة، مثل تعرض الأسرى للضرب على الخصيتين، وتعرضهم للسموم أو الإشعاعات التي تؤثر هرمونيًّا عليهم، لاسيما على هرمون "الإستروجين".

ويشير أبو خيزران إلى دراسةٍ أجراها مركز رزان حول الضعف الجنسي لدى الجنسين، أظهرت أن بين من يعانون من ذلك أشخاصٌ تعرّضوا للاعتقال سابقًا، لكنّه استدرك قائلًا إنه لا وجود لدراسةٍ توثّق تلك الحالات بشكل علميٍ دقيق.

مختصون: كلما طالت فترة الاعتقال، زادت احتمالية أن يواجه الأسير مشاكل جنسية، لكن لا توجد دراساتٌ علميةٌ توثق ذلك

المختص النفسي في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب وسام سحويل، تعامل خلال وظيفته مع حالاتٍ كثيرةٍ ومختلفةٍ في هذا السياق، أغلبها كانت لأسرى قضوا فتراتٍ متفاوتةٍ في السجن.

ويوضح سحويل أن الاحتلال يعمل بطريقةٍ ممنهجةٍ من أجل إحداث آثارٍ عميقةٍ وطويلة المدى على الأسرى، و"ذلك يبدو واضحًا من خلال أشكال التعذيب والتحقيق والأدوات المستخدمة في التحقيق"، حسب قوله.

ويبيّن سحويل، أن دراسات المركز تؤكد أن أربعة من عشرة أسرى محررين، بحاجة لعلاجٍ نفسي، بينما أسيران من عشرة يحتاجون لتدخلٍ طبيٍ إلى جانب العلاج النفسي.

ويضيف، "اكتشفنا أن من 20-25% من الأسرى السابقين الذين تعرضوا للتعرية بشكل مهينٍ ومتكررٍ وعنيف، تزداد لديهم احتمالية الإصابة بمشاكل في القدرة الجنسية، واضطرابات في الحياة الزوجية".

ويبدو أن حساسية القضية، وامتناع الرجال عادة عن الحديث في هذه المشكلات، لازالت تشكل عائقًا أمام إجراء دراساتٍ علميةٍ عميقةٍ وموثقةٍ حول حقيقة ما يتعرض له الأسرى، وما يعانون منه من ضعف في القدرة الجنسية بعد الإفراج عنهم، وكيف كان لفترة الاعتقال دورٌ في المشكلة.

 


اقرأ/ي أيضًا: 

نادر العفوري.. الجنون حين يُصبح خلاصًا

طحين الأسرى وابتساماتهم

أعياد الأسرى.. قطايف و"بوظة" وشوق لـ"تفاصيل صغيرة"