30-يناير-2020

الإجراءات الإسرائيلية على الأرض في مدينة القدس مستمرة. "إسرائيل" حسمت أمرها في ما يخص المدينة المقدسة منذ عدة أعوام، وصفقة القرن ستزيد هذه السياسات ضراوة وسرعة.

إن إعلان الرئيس الأميركي ترامب عن صفقة القرن، وخاصة البنود التي تتعلق بمدينة القدس، يتماشى تمامًا مع السياسة الإسرائيلية وتنفيذها على أرض الواقع، ويسهل للإسرائيليين الهدف المنشود، بل ويختصر الوقت الذي كانت "إسرائيل" بحاجة إليه للوصول له، ألا وهو إنهاء الوجود الفلسطيني في مدينة القدس، وتنفيذ مشاريع على أرض الواقع تجعل تقسيم المدينة مرة أخرى وجعلها عاصمة لأي شعب غيرهم مستحيلة.

صفقة القرن بدأت عمليًا في مدينة القدس قبل عدة أعوام، وأهم الخطوات كان قرار دمج "المقدسيين" بالمجتمع الإسرائيلي

صفقة القرن بدأت عمليًا في مدينة القدس قبل عدة أعوام، فحجم الاستثمارات الضخمة التي بدأت تُضخ لصالح "تحسين" حياة الفلسطينيين في المدينة، تاريخي. ولعل من أهم هذه الخطوات التي اتخذتها "إسرائيل" في هذا الصدد قرار الحكومة الإسرائيلية عام 2018 الذي يحمل الرقم 3790، والذي سمي في أروقة الوزارات الإسرائيلية بقرار "دمج  المقدسيين بالمجتمع الإسرائيلي". هذا القرار جلب أكثر من 2.1 مليار شيقل كمشاريع في مدينة القدس في كافة مجالات الحياة، حتى أن هذا القرار بدأ يؤتي أكله، فهناك 1200 فلسطينيًا من القدس حصلوا على الجنسية الإسرائيلية في العام 2018، و400 طالب من أبناء القدس بدأوا دراستهم في الجامعة العبرية، ومئات الملايين تم استثمارها في البنى التحتية والخدمات، وبدأت الشرطة انتشارًا وآلية عمل جديدين في أحياء القدس. ولم تكن "إسرائيل" لتدفع مثل هذه المبالغ لولا اتخاذها قرارًا حاسمًا في ما يخص المدينة المقدسة.

اقرأ/ي أيضًا: صفقة القرن: أقصى درجات الوعي، أدنى درجات الفاعلية

الخطير في صفقة ترامب ليس الإعلان عنها، وانما إعطاء الضوء الأخضر من قبل الإدارة الأميركية لـ"إسرائيل" لبدء تنفيذها على الأرض فورًا ومن جانب واحد. السياسة الإسرائيلية في ما يتعلق بالقدس، كانت سياسة ناعمة ونفسها طويل، لكنها ستتحول الآن لسياسة سريعة.

صفقة القرن ستنزع 140 ألف مقدسي يعيشون خارج الجدار من مدينتهم (من كفر عقب شمال القدس حتى الزعيم والعيزرية شرق القدس مرورًا بمخيم شعفاط وراس خميس)، وتنفيذ مثل هذا القرار من جانب واحد سيزيد الطين بلة، خصوصًا إذا رفضت السلطة الوطنية الفلسطينية استلام هذه المناطق، وهذا حلم كان يراود مسؤولين إسرائيليين منذ زمن بعيد.

اليمين في "إسرائيل" أفشل محاولة رئيس البلدية السابق نير بركات -الذي انضم لحزب الليكود- الاستغناء عن هذه الأحياء، حتى لا يعزز مثل هذا الإجراء من مكانة السلطة الوطنية الفلسطينية. وتنفيذ هذا القرار يظهر أن "إسرائيل" تدفع ثمنًا ما، مقابل الحصول على مكتسبات أكبر، مع العلم أن تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع يكاد يكون مستحيلاً من الناحية القانونية، وذلك بسبب وجود قانون دستوري اسمه قانون أساس القدس، الذي يحتاج تغييره إلى أغلبية 80 عضو كنيست.

هذا القرار -إذا تم تنفيذه- سيجعل قسمًا من سكان هذه المناطق يبدأ بالزحف مرة أخرى لداخل الجدار، رغم أزمة السكن الخانقة، وهذا سيؤثر على أسعار العقارات الخيالية أصلاً، وسيزيد من الإحساس بعدم الأمان الذي يعيشه أهل القدس. الهجرة الناعمة خارج مدينة القدس التي نفذناها مرغمين منذ سنوات بأيدينا ستنقلب على رؤوسنا، لأن قدرة الأحياء داخل الجدار على استيعاب سكان من خارجه تكاد تكون معدومة.

الهجرة الناعمة خارج مدينة القدس التي نفذناها مرغمين منذ سنوات بأيدينا ستنقلب على رؤوسنا

الجدار سيصبح حدود "دولة إسرائيل" الآن، ومدينة القدس الموحدة عاصمة "لدولة إسرائيل"، وستسمح "إسرائيل" للمرشدين السياحيين الفلسطينيين بالتجول في مدينة القدس، وسيتم إنشاء منطقة سياحية قريبة من "معبر قلنديا". هذه كلها تفاصيل أخرى مما ورد في الصفقة، بينما إقامة الدولة الفلسطينية ستكون خيالاً في ظل الشروط التعجيزية التي وضعتها الصفقة.

في الفترة القريبة، سنشهد تضييق الخناق على أهل القدس القاطنين خارج الجدار، وتسهيل تجنيس الفلسطينيين داخل الجدار، وزيادة الاستثمارات الخاصة بضم أبناء القدس اقتصاديًا، وزيادة بناء المستوطنات، وكذلك الاستيطان داخل الأحياء، خصوصًا في محيط البلدة القديمة وداخلها، وإنهاء الوجود الفلسطيني الرسمي والخدماتي في مدينة القدس. ففي مجال التعليم، اتخذت وزارة المعارف الإسرائيلية قرارًا أنه بحلول عام 2030، سيتم استيعاب جميع طلاب القدس في مدارس إسرائيلية حكومية، وعليه، لن يكون هناك طالب واحد يتقدم لامتحان التوجيهي، كما قال موظفٌ مطلعٌ داخل الوزارة.

الصفقة الأميركية تحدثت عن الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى المبارك، والوضع الراهن يمنع غير المسلمين من الصلاة فيه، إلا أنه ورد في مكان آخر في الصفقة أنه يحق للجميع الصلاة في المسجد الأقصى شريطة أن لا تتضارب أوقات الصلاة بعضها مع بعض، وهي ما يعني أن غير المسلمين سيصلون فيه.

الفلسطيني ابن القدس لا يستطيع التصدي لمثل هذه السياسات، وكما تبدو عليه الأمور، فلن يتغير شيء في المدى المنظور، في الوقت الذي تصارع به السلطة للبقاء على قيد الحياة.

المطلوب من أبناء القدس في هذه المرحلة أن يطوروا من المبادرات الاجتماعية والتكافل الاجتماعي الذي يضمن قدرتهم على رفض بعض المبادرات والتعامل معها.


اقرأ/ي أيضًا: 

خطة الصهر اليهودي

صفقة القرن: ضجة الشعار وخفة السخرية

هل خسرت إسرائيل شيئًا؟