12-سبتمبر-2018

يعيش جهاز القضاء الفلسطيني إحدى أكبر أزماته، وفق خُبراء، في ظل غياب دوره في تأمين العدالة، وهو ما جعل نسبة ثقة الفلسطينيين به لا تتجاوز 26%، وفقًا لدراسة أعدّها جهاز الإحصاء المركزي، ما أوجد حاجة مُلحّة لإصلاحه، إلا أن المؤسسات والمرجعيات القانونية تختلف في وجهات نظرها حول طريقة الإصلاح. ومن هنا أتت أحدث أزماته، بعد تشكيل لجنة تطوير قطاع العدالة، وهي التي خرجت بتوصيات لإصلاح القضاء، أدت لـ استقالة جماعية تقدم بها قضاة المحكمة العليا.

وبالرغم من هذه الاستقالة الجماعية، إلا أنه من المتوقع أن تقدّم اللجنة الرسمية لتطوير قطاع العدالة مسودة رؤيتها وتوصياتها إلى الرئيس محمود عباس في القريب العاجل، وفق ما صرح به عمار دويك، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهو عضو في اللجنة الرسمية التي تضم في عضويتها أيضًا كلًا من وزير العدل، والنائب العام، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ومستشار الرئيس للشؤون القانونية، ونقابة المحامين، وعمداء كليات الحقوق الثلاثة في جامعات القدس وبيرزيت والنجاح.

لجنة تطوير القضاء شرعنت المحكمة الدستورية، واستثنت النائب العام ورئيس مجلس القضاء من التقييم والمساءلة

يشير المحامي إبراهيم البرغوثي، مدير المركز الفلسطيني لاستقلال القضاء والمحاماة "مساواة"، إلى عدة ملاحظات على التوصيات التي قدمتها اللجنة الرسمية لتطوير قطاع العدالة، أهمها أنها "في ترتيبها الهرمي متناقضة، واستبعدت بقرار ذاتي المحكمة الدستورية من نطاق عملها وتوصياتها، ما يضفي المشروعية والحصانة على هذه المحكمة بقانونها وأدائها، وهو الأمر الأخطر والأحوج للإصلاح".

اقرأ/ي أيضًا: "اشتباك" بين "التنفيذية" و"القضائية" يهز استقلال القضاء

واستثنت اللجنة النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى من التقييم، "وهذه في مخالفة واضحة لبديهيات تحمل المسؤولية"، كما استثنتهما من التفتيش القضائي دون تقديم أي آليات قانونية لمساءلتهم، وفق البرغوثي. كما استثنت رئيس مجلس القضاء الأعلى (69 عامًا) من التقاعد.  

يُشير رئيس الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء ماجد العاروري إلى أن النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى جزءٌ من لجنة تطوير القضاء، "وهنا يظهر تناقض المصالح، فالأصل أن يرفض النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى أن يتم الحديث عن النقاط التي تخصهما بحضورهما".

وأضاف العاروري، "ما زال هناك وقت للتراجع عن هذه المسألة". فيما قال دويك، "إن الاستثناء الحالي لرئيس المجلس الأعلى جاء لأنه ضمن اللجنة وسيساعد في تطوير وتطبيق التوصيات". وعلق البرغوثي على التوصية الخاصة بتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى بوصفها أنها "قاصرة"، "إذ أبقت صلاحيات القرار في أيدي أعضائه الأساسيين".

توصيات اللجنة، تم اعتمادها وعرضها على الرئيس، دون نقاشها مع مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما اعتبره عصام عابدين، رئيس وحدة المناصرة المحلية والإقليمية في مؤسسة الحق، إخلالًا بالتعهد الذي قطعه وزير العدل بهذا الخصوص، خلال اجتماع اللجنة الوحيد مع مؤسسات المجتمع المدني الذي عقد في شهر تموز/يوليو الماضي.

توصيات لجنة تطوير القضاء ستُعرض على الرئيس ثم المجتمع المدني، ما يُشكل إخلالاً بتعهد قطعه وزير العدل

ورأى مركز "مساواة" أن وصف التوصيات بأنها استندت إلى آراء وتوجهات المجتمع المدني، هو "ادعاء غير دقيق"، مضيفة، "كان المفترض القول أنها استندت إلى آراء وتوجهات بعض مؤسسات المجتمع المدني والأطراف الرسمية المشتركة باللجنة". لكن دويك يرى أن المسودة تمخضت بالفعل في أغلب توصياتها عن ما قدمته مؤسسات المجتمع المدني من رؤى وتوجهاتٍ نحو إصلاح القضاء خلال اجتماع تموز الذي عقد في مقر المقاطعة وحضره ائتلافان و25 مؤسسة مجتمع مدني.

اقرأ/ي أيضًا: إحالة قاض في العليا للتحقيق تُعيد "هيبة القضاء" للواجهة

ويقول البرغوثي (مركز مساواة) إن الجانب الذي رأته بعض الجهات إيجابيًا في موضوع رواتب القضاة ودرجات ترقياتهم ونظام التقاعد، يراه "مساواة" لا يمثل الجوهر المطلوب لعملية الإصلاح.

فيما يُبين عابدين (الحق) أن اللجنة الرسمية التي شكلها الرئيس حملت مسمى تطوير القضاء وليس الإصلاح، "بمعنى أنها لا تعترف بأننا بحاجة للإصلاح، وهي بتوصياتها ارتكبت خطيئة كبرى عند  تشكيل لجنة لتقييم القضاة من خلال السلطة التنفيذية التي تتحمل المسؤولية في تدهور القضاء" وفق قوله.

ويُشير عابدين إلى أن المسودة التي أعدتها اللجنة الرسمية ستُحال إلى الرئيس، ثم ستعرض على مؤسسات المجتمع المدني بعد إصدار قرار بقانون بشأنها، متسائلًا عن فائدة نقاشها بعد إقرارها. واعتبر عابدين أن هذا المنهج "يُدلل على إصرار اللجنة الرسمية على التفرد بتوصياتها للرئيس، والأصل أن يتم مناقشتها مجتمعيًا والتوافق عليها ثم إقرارها من قبل الرئيس".

لكن العاروري يرى أن التوصيات "مرتبطة بالتطبيق الصادق الأمين لها، والشكل النهائي الذي يمكن أن تخرج به لتؤثر إيجابيًا، وفي مقدمة ذلك لجنة التقييم القضائي المكلفة، والتي يجب أن تتسم بدرجة عالية من الشفافية والخبرة والموضوعية، وأن تكون بعيدة عن المشاركة الرسمية من القضاة والنيابة العامة، وكل من يمكن أن يشكل تضارب مصالح فيها، وبذلك ستكون آثارها إيجابية على القضاء".

وأضاف العاروري، أن تطبيق هذه التوصيات يجب أن تُرافقه مجموعة من الآليات لوضع حدٍ لتدخل السلطة التنفيذية، بشكل يعيد الاعتبار للقضاء ودوره في حماية الحقوق والحريات، خاصة في القرارات التي صدرت في السنوات الأخيرة على مستوى محكمة العدل العليا وشكلت مساسًا كبيرًا بالحقوق والحريات.

ورأى العاروري أن تحقيق ذلك يتطلب هيئات تستطيع إصدار قرارات تُعزز الثقة باستقلالية القضاء، "لكن الإبقاء على وضع القضاء بشكله الحالي هو أمر غير مقبول" كما قال.

فيما يُبين أسامة الكيلاني، المستشار بالمحكمة العليا، أنه لا يجوز تعديل قانون السلطة القضائية إلا وفق الأسس والوسائل الدستورية المنصوص عليها في القانون الأساسي من خلال المجلس التشريعي، إذ أن القانون الأساسي يحظر تعديل أي قانون إلا إذا توافرت حالة الضرورة القصوى، ودون ذلك لا يجوز المساس بأي قانون.

مستشار في المحكمة العليا: لجنة تطوير القضاء عملت بسرية خلف الكواليس

وأضاف المستشار الكيلاني، وهو أيضًا رئيس جمعية نادي القضاة الفلسطينيين، أن القضاء يُصلح نفسه بنفسه إذا تُرك له ذلك من خلال قانون السلطة القضائية الزاخر بالوسائل والأدوات التي تكفي لإصلاح القضاء والتفتيش على القضاة وأعمالهم، ورفع ذلك لمجلس القضاء الأعلى، لكنه نوّه إلى أن ذلك يحتاج لتفعيل الجهاز القضائي من خلال ترتيبات يقوم بها مجلس القضاء الأعلى برفده بقضاة أكفاء يتولون إحالة القاضي الذي يُقصّر أو يخالف إلى المجلس التأديبي الذي يتخذ الإجراءات اللازمة ضده وفق ما هو منصوص عليها في قانون السلطة القضائية، وهذه الإجراءات تبدأ بالتنبيه وتنتهي بالعزل.

وأشار الكيلاني إلى أن القضاة قاموا بعدة احتجاجات وفعاليات منذ بداية تشكيل اللجنة، "بعدها لم نسمع عن أي عمل لهذه اللجنة، وكأنهم يعملون في الخفاء، فالمفترض أن تعقد اللجنة مؤتمرات مجتمعية وندوات وورشات عمل تطرح فيها المواد التي يجب تعديلها، وهذا يعيب عمل هذه اللجنة، لأنها كانت تعمل خلف الكواليس، وتفاجأنا بلقائها السري في بيت لحم الذي تمخضت عنه التوصيات" كما قال.

وفي محاولة للوصول إلى مخرجٍ أو حلٍ وسط يمكن أن يُقرب من الأطراف، يُبين المحامي البرغوثي (مساواة) أن المفتاح لحل هذه الأزمة في أن يُصلح القضاء نفسه بنفسه، "وهذا غير ممكن حاليًا" كما يقول، أو أن يُدعى إلى مؤتمر وطني أو دائرة حوار حقيقي بين ألوان الطيف القانوني؛ دون استبعادٍ أواستفرادٍ لأي جهة، مع توفير حوارٍ مجتمعي يُعبر عن إرادة المواطن، ويتولى اختيار لجنة الإصلاح والتقييم وإعادة البناء.

ورأى البرغوثي أن ذلك "يجب أن يحدث بعيدًا عن تفرد السلطة التنفيذية، على أن تكون هذه اللجنة مكونة من شخصيات مشهود لها بالنزاهة، ويتم اختيارهم على أساس شخصي بدون معايير حزبية أو مناطقية أو غير ذلك، ويَصدُرَ قرارٌ رئاسيٌ باعتمادهم، ثم تتولى هذه اللجنة العمل خلال فترة زمنية لإعادة تقييم المحكمة الدستورية والجهاز القضائي والنيابة العامة بشكل موضوعي وحيادي وعلمي مستقل، وتستعين بالخبراء في عملها، دون أن يؤثر ذلك على تقييمها واستقلالها، وعلى ضوء ما تراه اللجنة، يمكن التعديل بالقوانين النافذة".


اقرأ/ي أيضًا:

تقرير "أمان" عن القضاء والفساد وأشياء أخرى!

كيف تفجّر النزاع على رأس السلطة القضائية؟

هل تؤثر مُخالفات محامين على ثقة المجتمع بهم؟