27-مايو-2017

رغم أن التساؤل يبدو سخيفًا، إلّا أنني لا أستطيع التوقف عن التفكير به: هل قرأت إيفانكا ترامب رسائل معجبيها العرب على وسائل التواصل الاجتماعي؟

تظهر امرأة سعودية في فيديو مصوّر وهي توبّخ الشباب السعودي المتغزل بإيفانكا. تقول المرأة مخاطبة الشباب: "مُنحتم الفرصة للتعبير عن رأيكم، لديكم وسائل ومنصات حرّة لإيصال أفكاركم  لكل العالم، وعندما استخدمتموها دشنتم هاشتاج للغزل بابنة ترامب!" ثم تشتمهم كثيرًا.

هل يؤدي الكبت الجنسي والانشغال بما هو ممنوع، لتأجيل معارك مهمة، أو خلق حالة من عدم الاكتراث لهذه المعارك بالأساس؟

لا أعلم لماذا ذكّرتني موجة الغزل والهوس الجنسي بإيفانكا بنكتة تقول أن "رجلًا سأل شيخًا عن الحكم الشرعي في اتخاذ المجندات الإسرائيليات سبايا بعد تحرير فلسطين، فكان ردّ الشيخ: إذا حررتم فلسطين خذوني أنا سبية". ربما كان الرابط بين الأمرين محكومًا بفكرة مثالية لا وجود لها وهي: كيف يمكن للإنسان أن يرغب بعدوه جنسيًا؟ دعونا ننسى هذه الفكرة التي تتكفل نظرة واحدة إلى التاريخ بنسفها، ولنعد إلى النكتة التي من المفترض أن تضحكنا إلّا أنّها لم تفعل، بل رمتنا أمام تساؤل مخيف: هل نعاني كبتًا جنسيًا؟ وهل يعيقنا هذا الكبت عن الالتفات إلى ما هو أهم سياسيًّا، ووطنيًا؟

اقرأ/ي أيضًا: ميلانيا ترامب.. الجسد العاري للسياسة الأمريكية

لطالما كان الجنس غنيمة من غنائم الحرب، ولطالما كانت النساء "جائزة ثمينة" للمنتصرين، لا تقل أهميتها عن أهمية الأموال والأراضي، بل وكنّ محفزًا على النصر أحيانًا. وفي أحيان أخرى تم توظيفهن للتخفيف من ظروف الحروب القاسية وضمان عدم سخط المحاربين وتمردهم، فقد أنشأ الجيش الياباني مراكز للدعارة العسكرية في شنغهاي خلال الحرب العالمية الثانية، تحوّلت مع توسع الحرب إلى مراكز للاستعباد الجنسيّ، وما زالت ضحاياها من نساء في عقودهن الثامنة والتاسعة يطالبن باعتذار رسميّ من حكومة طوكيو.

الجنس والحرب وتأثير كل منهما على الآخر موضوع شائك ويمكننا أنا نكتب عنه الكثير وأن نتناوله من زوايا عديدة، ولكن السؤال الآن هو إذا كان الجنس وعلى مر التاريخ جائزةً للمنتصر، فهل بالإمكان أن يحصل العكس؟ أي هل يؤدي الكبت الجنسي والانشغال بما هو ممنوع، لتأجيل معارك مهمة، أو خلق حالة من عدم الاكتراث لهذه المعارك بالأساس؟ أو هل بإمكان الخاسر أن يكون خاسرًا لأنه لا يستطيع أن يخرج من دائرة الاهتمامات والرغبات التي شكّلها له كبته الجنسي؟

لا شيء مؤكدٌ هنا، فكل ما نقوم به هو طرح مجموعة من التكهنات والأسئلة التي قد تختلف إجاباتها من شخص لآخر، المشكلة ليست بما يفعله أو لا يفعله الكبت الجنسي من تأجيل لمعارك مهمة أو عدم الالتفات لها أصلًا، بل تكمن المشكلة في التحدث أولًا عن الكبت الجنسي كموضوع بحدّ ذاته.

اقرأ/ي أيضًا: "نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

ترفض الكثير من المجتمعات الاعتراف بأن أفرادها يعانون الكبت الجنسي لأن هذا الاعتراف من شأنه أن يضعها في مواجهة جادة مع الكثير من المعتقدات الدينية والقيم والعادات الاجتماعية التي قد تحتاج لمراجعة حقيقية. بل إن وصف الكبت الجنسي بأنه مشكلة، سيواجه أيضًا بالكثير من الانتقادات، حيث يعتبر الكثيرون أن الأسباب التي قد يسميها البعض مسببات للكبت الجنسي هي بالنسبة لهم سمات وميّزات للمجتمع، والتي يحافظ المجتمع من خلالها على توازنه ونظامه الخاص.

غالبًا ستواجه الدعوات المنادية بمناقشة الكبت الجنسي وآثاره على الأفراد بأنها دعوات مندسة تريد نشر الرذيلة، وأنّها تسعى لتضليل الشباب من خلال تغطية الانحلال الاخلاقي بمفاهيم الحريات، وأنها ترغب في سلب السمات الخاصة من المجتمعات الشرقية وتحويلها إلى نسخ مشوّهة من المجتمعات الغربية التي تنتشر فيها المثلية الجنسية والعلاقات خارج الزواج والكثير من هذا وذاك. المناهضون للفكرة يعملون على تهويلها لضمان خوف الناس منها ورفضهم لها.

مع العلم أن موضوع الحريات التي قد تساهم في تخليص المجتمع من كبته الجنسي قد يكون أبسط من ذلك، مثل أن يكون الاختلاط في مراكز التعليم والعمل شيء طبيعي، وأن يتم ضمان حرية التنقل والقيادة والسفر واختيار اللباس للنساء، وبالتأكيد أن تعطى الثقافة الجنسية مساحة أكبر للدراسة والمناقشة في المدارس والجامعات، بحيث لا يصبح الجنس غولًا. فمن غير الطبيعي أن لا يفكر الإنسان بالجنس، بل ربما سيفكر به أكثر مما نتخيّل وهذا ليس أمرًا سيئًا ما دمنا نستطيع الكتابة عنه والتحدث عنه، دون خوف أو حرج.

عودةً إلى إيفانكا، فإن الأسوأ من تعليقات الشباب المكبوت على جمالها كانت ردود بعض الفتيات اللواتي أعربن عن غضبهن من هذه التعليقات، ليس لأنها سخيفة ومحزنة وتعكس واقع ما يشغل بال الشباب، وليس لأن هناك ما هو أهم منها، بل لأنهن اعتبرن هذه التعليقات بمثابة تجريح وإهانة للجمال العربي واستخفاف بـ"أنوثة" العربيات.

وللأسف فإن تزايد الكبت الجنسي يزيد من اقتصار نظرة الفتيات لأنفسهن على أنهن كائنات جنسيّة، خلقن ليكن زوجات جميلات لرجال من واجبهم أن يوفروا لهن كل شيء، وهذا يعني أننا نفتقر للرجال والنساء الجديرين ليكونوا جنودًا لهذه المعركة، معركة أن تكون لنا أوطان حرة، خالية من الانظمة الديكتاتورية أولًا، ثم خالية من أي احتلال خارجي.

اقرأ/ي أيضًا:

مدارس بلدية الاحتلال في القدس: تحرش ومخدرات وأكثر

القدرات الجنسية للأسرى السابقين.. السجن ما زال هنا

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة