30-نوفمبر-2020

الصحفي الإسرائيلي عميت سيغال، أحد أكثر الصحفيين تأثيرًا في "إسرائيل"

مقال رأي |

ليس من السهل إدراك طبيعة التغيّرات الجوهرية التدريجية التي حلّت بالنخبة في "إسرائيل" ومقدماتها ونتائجها الآخذة بالتشكل خلال العقود الثلاثة الماضية وانعكاساته على التوازنات الفكرية وتجليات ذلك البنيوية على طبيعة المجتمع وصراعاته، وعلى شكل الدولة وسلطاتها، دون قراءة هادئة لمقال نشرته قبل ثلاثة عقود مجلة كانت تصدر في مستوطنة "عوفرا". 

    يؤمن أتباع هذا التيّار بـ"ضرورة الفعل البشري النشط من أجل تحقيق سيادة يهودية على كامل أرض إسرائيل التوراتية/ فلسطين التاريخية"  

المقال حمل عنوان "المتميزون للإعلام" كتبه أحد منظّري "تيار الصهيونية الدينية الاستيطاني"، اوري اروبخ الذي كان ضابطًا ثم صحفيًا ثم عضو كنيست، وحثّ فيه الشبيبة من أبناء تيّاره تحديدًا "المتميزين" منهم، لإعداد أنفسهم للانخراط في وسائل  تابعة لجيش الاحتلال، ليمتلكوا التأهيل الذي تحتاجه وسائل الاتصال الجماهيري المدنية لاحقًا، وبذلك يحتلون بؤر التأثير في المجتمع.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تدفع الصهيونية الدينية الإسرائيليين للمستوطنات؟

ويؤمن أتباع هذا التيّار بـ"ضرورة الفعل البشري النشط من أجل تحقيق سيادة يهودية على كامل أرض إسرائيل التوراتية/ فلسطين التاريخية"، بخلاف تيارات دينية يهودية متشددة تسمى حريدية، ترى أن قيام دولة "إسرائيل" يتحقق فقط من خلال إرادة إلهيّة بنزول المسيح.

يرفض أنصار هذه التيارات تأدية الخدمة العسكرية، والخلاف بين الطرفين وصل مداه منذ نشأة الحركة الصهيونية؛ فالطرف الأول يرى فيها "تدبيرًا إلهيًا" رغم أن قادتها من العلمانيين، والحريديم اعتبروها تمرّدًا على الرب استعجل الخلاص من الاضطهاد في أوروبا بجهد بشري.

يرفض أنصار هذه التيارات تأدية الخدمة العسكرية، والخلاف بين الطرفين وصل مداه منذ نشأة الحركة الصهيونية

بعد إنشاء "إسرائيل" سكن قطاع واسع من أنصار تيار الصهيونية الدينية شعورًا بالدونية لكونهم أقل تديّنًا من الحريديم وأحط منزلةً من العلمانيين لانخفاض تمثيلهم في بؤر التأثير في المؤسسة العسكرية والقطاع الحكومي.

الإحساس بالدونيّة والشعور بالعزلة والرغبة في ممارسة التأثير وصلت ذروتها في نهاية عقد الثمانينات، وأسفرت عن دعوات لكبار حاخام الصهيونية الدينية طالبوا فيها أتباعهم اليافعين بالانخراط في الخدمة الإلزامية للجيش، وبقاء من يتفوّق منهم في الخدمة الدائمة.

اقرأ/ي أيضًا: الصهيونية الدينية: نجاح يرافقه تراجع

لم تكن دعوة الحاخامات صيحات في واد وإنما سبقها إعداد بنية تحتية لتحقيق هذه الغاية بتشكيل مدارس دينية عسكرية تؤهل طلبتها دينيًا وعسكريًا وبدنيًا، وبمجرّد انضمامهم للخدمة الإلزامية في الجيش تكون لديهم أفضلية في شغل المناصب القيادية، فقد جرى تأهيلهم قبل وصولهم للجيش، عسكريًا وعقليًا وبدنيًا.

   لم تكن دعوة الحاخامات صيحات في واد وإنما سبقها تشكيل مدارس دينية عسكرية تؤهل طلبتها، وبمجرّد انضمامهم للجيش تكون لديهم أفضلية   

المدرسة العسكرية الدينية الأولى أسسها إيلي سيدان لتؤهل طلابها للالتحاق بالجيش في عام 1988، في مستوطنة "عاليه" الواقعة بين نابلس ورام الله. وفي عام 1990 كانت نسبة الجنود من تيار الصهيونية الدينية الذي أنهوا بنجاح دورات تأهيل الضباط 2.5% فقط، وعام 2000 بلغت هذه النسبة 15% وفي 2008 وصلت 22%. ومنذ سنوات عديدة صارت نسبتهم 50% رغم أن أنصار هذا التيّار لا تتجاوز نسبتهم من إجمالي المجتمع 10%، وتشير التقديرات إلى أن عددهم حوالي 700 ألف نسمة.

عندما نشر أوري اروبخ "المتميزون للإعلام"، في مجلة "نكودا" عام 1987، كان الطفل "عميت" الذي أنجبه حاجاي سيغال (أحد قادة التنظيم اليهودي الإرهابي، وقد شارك في محاولة اغتيال رؤساء بلدية البيرة ورام الله التي أسفرت عن بتر رجل كريم خلف، وفقدان خبير متفجرات إسرائيلي بصره) كان "عميت" عمره 6 أعوام، الطفل المستوطن دخل الجيش وعمل مراسلًا في إذاعته، وغادر الجيش بعد ذلك، والتحق بالدراسة الجامعيّة، ثم تدرّج في العمل الصحفي والإذاعي والتلفزيوني، ليحتل الآن دور المحلل السياسي للقناة 12.

وتُظهر دارسة نشرت نتائجها قبل أيام صحيفة "غلوبس" أن عميت سيغال هو الصحفي الأكثر تأثيرًا في "إسرائيل" منذ مطلع العام الجاري.

وتحتوي الدراسة قائمة بأسماء 50 صحفيًا من "الأكثر تأثيرًا في إسرائيل"، كان عميت أصغرهم سنًّا لكنّه من أكثرهم  كشفًا للأنباء الحصرية والتقديرات التي وجدت طريقها إلى الواقع.


اقرأ/ي أيضًا: 

كتاب يفك "سحر نتنياهو".. إجابات هامة

نحن والإعلام الإسرائيلي.. ثلاث ملاحظات