24-أكتوبر-2021

بعيدًا عن الأضواء التي حازتها "السجادة الحمراء" والحفل الختامي لمهرجان الجونة السينمائي، كان المخرج الفلسطيني سعيد زاغة يتعرض للاحتجاز والترحيل من السلطات المصرية في مطار القاهرة، رغم تلقيه دعوة رسمية للمشاركة في المهرجان، ما دفع المخرج الفلسطيني محمد بكري إلى مقاطعة المهرجان احتجاجًا على ما تعرض له زاغة ومن قبله الفنان علي سليمان قبل سنوات.

زاغة: بعد انتظاري 4 ساعات نقلوني إلى غرفة قذرة وتملؤها ريحة المياه العادمة ولم يقدموا لي شربة ماء

المخرج زاغة، وصل مطار القاهرة منتصف شهر تشرين أول/أكتوبر الجاري، حاملاً جواز سفر أردني مؤقت (يستخدمه عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة والقدس) ليُفاجأ بمنعه من الدخول بحجة عدم وجود تنسيق، رغم تأكيد إدارة المهرجان أن التنسيق موجود بالفعل، وطمأنتها له بأن الأمر مجرد إجراءات.

اقرأ/ي أيضًا: 7 أفلام فلسطينية وصلت العالمية

يقول زاغة في حديث لـ الترا فلسطين، إنه نُقل إلى "غرفة ضباط الجوازات" لفحص التنسيق، وقد استمر الإجراء أربع ساعات، قبل أن يتم إبلاغه في نهاية الأمر (بحلول الساعة 12 منتصف الليل) عدم وجود تنسيق، وأنه سيتم ترحيله إلى لندن، في حين كان هو ينتظر تدخل إدارة المهرجان التي وعدته بحل المشكلة.

المخرج سعيد زاغة

وأضاف، أن أحد الضباط هدده بأنه في حال عدم حل المشكلة خلال نصف ساعة، سيتم مصادرة الهاتف والحذاء والحزام ونقله إلى الحجز، مبينًا أنه بقي طوال الساعات الأربعة دون شرب الماء، وقد رفض الضباط التعاون معه في ذلك.

لاحقًا، نُقل زاغة إلى الحجز، حيث الغرفة -كما يصفها- "قذرة وتملؤها ريحة المياه العادمة"، وتم إبلاغه بأنه سيُنقل إلى المطار قبل ساعة واحدة فقط من موعد رحلته إلى لندن (الساعة 9 صباحًا). يوضح زاغة، أن الضابط الذي اصطحبه إلى قاعة المسافرين رفض السماح له حتى بشراء طعام.

ولم تتوقف الإجراءات بحق زاغة عند انطلاق الرحلة، فجوازه بقي محتجزًا مع ضابط رافقه حتى لندن، "عند وصولنا طلب مني أن أظهر له تأشيرة الدخول إلى بريطانيا، فأخبرته إنه لم يعد لك سلطة علي، إلا أنه أصرَّ على ذلك وشاهدها بالفعل" أضاف.

أكد زاغة أنه لم يتلقَّ أي اعتذار من إدارة مهرجان الجونة، بل تجاهلوا الأمر وكأنه لم يكن

وأكد زاغة، أنه لم يتلقَّ أي اعتذار رسمي من إدارة مهرجان الجونة، "بل تجاهلوا الأمر وكأنه لم يكن، ولم يصدروا بيانًا حتى بخصوص ما حدث".

اقرأ/ي أيضًا: إيليا سليمان.. كيف تصل العالمية بثلاثة أفلام فقط

الإجراءات المهينة بحق زاغة، لم تكن الأولى من نوعها، فالفنان الفلسطيني علي سليمان كانت قد تلقى دعوة في سنة 2018 للمشاركة كعضو لجنة تحكيم في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، لكن لدى وصوله إلى مطار الغردقة تم عزله ثم اقتياده إلى الطائرة مرة أخرى وترحيله.

هذه الإجراءات، دفعت المخرج الفلسطيني محمد بكري إلى إعلان "مقاطعة" المهرجان الذي كان مُقررًا أن يتم منحه فيه "جائزة الإنجاز الإبداعي" عن مجمل أعماله.

المخرج محمد بكري

وأوضح بكري لـ الترا فلسطين، أنه سبق أن تعرض "للبهدلة" في المطار خلال رحلة سابقة، ولذلك كان مترددًا في تلبية دعوة التكريم، لكنه حسم أمره بعدم المشاركة بعدما علم بما حدث مع المخرج زاغة، "ولتكون هذه المقاطعة احتجاجًا على كل البهدلة التي يتعرض لها الفلسطيني في أي مطار في العالم".

أوضح بكري أنه كان مترددًا في تلبية دعوة التكريم، لكنه حسم أمره بعدم المشاركة بعدما علم بما حدث مع المخرج زاغة

وبيّن بكري، أنه أبلغ إدارة المهرجان بقراره وأوضح الأسباب، ووعدوه بأنه لن يحصل معه ما حصل مع زاغة لكنه أصرَّ على رفض الذهاب، مضيفًا أنه أرسل مقطع فيديو يتلو فيه قصيدة "أنا يوسف يا أبي" لمحمود درويش، لكن المقطع لم يُعرض في الحفل الختامي الذي كان مقررًا فيه تكريمه.

وبعث بكري أيضًا رسالة صوتية لكن إدارة المهرجان لم تعرضها على المشاركين. وقال في رسالته: "أشكر القائمين على هذا المهرجان، من إدارة وعاملين وموظفين، أشكر الجمهور الكريم، الذي وصل إلى القاعة، ليشاهد تكريمي، ولكني اعتذر عن وصولي إلى الجونة، لأسباب لا أريد أن أحرج أحد فيها، ولكني أوجزها بكلمات لمحمد المغوط عندما قال في مسرحية المهرج، ومتى كان العربي بحاجة إلى جواز سفر ليتجول في أرض ابائه وأجداده على لسان صقر قريش الذي جاء ليحرر فلسطين واحتجر في إحدى نقاط الحدود العربية، فكمان مره بدون إحراج اعتذر عن وصولي، واشكركم جميعًا إدارة وعاملين وجمهورًا".

وأشاد زاغة بقرار بكري، وقال: "أطالب أن تكون القرارات مأخوذه بشكل جماعي لا فردي. وأتمنى على الفلسطينيين أن يضعوا كرامتهم وحريتهم فوق الجوائز والسير على السجادة الحمراء والتكريم".

وتلقت المنتجة الفلسطينية مي عودة التكريم بالنيابة عن بكري، وألقت كلمة أشارت فيها إلى الظروف التي تعرض لها الفنان سليمان والمخرج زاغة، مؤكدة أن هذه ليست المرة الأولى التي تتلقى فيها التكريم بالنيابة عن زملاء لها بسبب "تأشيرات الدخول".

المنتجة مي عودة

وقالت: "هذا المسرح، وهاي السجادة الحمراء، وهذه الشاشة، موجودين عشان يحتفلوا بهدول الفنانين، اللي للأسف مغيبين بسبب إجراءات قمعية للفنانين، كفنانين إحنا  لازم نوقف ضد حكوماتنا اللي بتخلي الفنان ممنوع يدخل على شعبه".

وفي حديثها لـ الترا فلسطين، قالت عودة، إنها طوال تواجدها في المهرجان تحدثت للصحافة والمسؤولين عن ما تعرض له سليمان وزاغة وبكري، مبينة أن الكلمة التي ألقتها "كانت أشبه بالزلزال، فلم يكونوا يتوقعون أن أقول هذا الكلام".

وأكدت أن حديثها لكافة المهرجانات وليس مهرجان الجونة فقط، مطالبة الفنانين جميعًا بالوقوف في وجه هذه السياسات. كما طالبت وزارة الثقافة ورئاسة الوزراء والرئاسة بالتدخل لصالح الفنانين الفلسطينيين "لأن الموضوع سياسي بالدرجة الأولى".

 

 

في المقابل، برَّر مدير مهرجان الجونة انتشال التميمي ما تعرض له زاغة بأنه كان يتوجب عليه التوجه إلى السفارة المصرية لاستصدار تأشيرة دخول، "فنحن لسنا دولة لنخرج له فيزا. نحن نبعث له الدعوة وعليه إتمام بقية الإجراءات بناءً عليها".

مدير مهرجان الغونة: كان يتوجب على زاغة التوجه إلى السفارة المصرية لاستصدار تأشيرة دخول

وأضاف التميمي في حديث لـ الترا فلسطين، أن إدارة المهرجان لا تستطيع التعليق على ما حدث زاغة بذريعة أن "للدولة أسبابها لعدم دخول أي شخص"، مؤكدًا أن إدارة المهرجان حاولت حل المشكلة لكن الوقت لم يكن كافيًا.

انتشال تميمي

وأوضح، أن المخرج بكري "قضيته مختلفة عن زاغة" وفق تعبيره، مبينًا أن إدارة المهرجان استصدرت موافقة أمنية لدخوله وزوجته قبل ثلاثة شهور، لكنه قرر عدم الحضور. وبرَّر عدم عرض الفيديو (دقيقة و39 ثانية) بأن الفيديو طويل، مضيفًا أن الفيديو الذي تم عرضه عن بكري "أهم فنيًا بالنسبة لنا من الذي أرسله".

واعتبر التميمي، أن بكري "لم يقاطع المهرجان"، بل تم تسليم الجائزة للمنتجة مي عودة "التي اختارها بكري لتسلمها بالنيابة عنه". 

وعلَّق التميمي على احتجاج عودة في كلمتها بالقول: "لدينا قنواتنا التي نتحدث بها مع السلطات، وغير ذاهبين للإعلام بهذا الاتجاه. نشعر بأن هذا الأمر يحتاج إضاءة إعلامية، ولكن هناك طرق عديدة لحل هذه الإشكاليات، والأهم هو أن نتحرك للحل بالقنوات الملائمة".


اقرأ/ي أيضًا: 

سينما الانتفاضة وثيماتها

8 أفلام أجنبيّة تناولت القضيّة الفلسطينيّة