05-أغسطس-2015

جانب من دمار حي الشجاعية في غزة (Getty)

يبدو الأمر بائسًا. الخراب ما زال يحلّ بقطاع غزّة بعد مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي الأخير، من دون بوادر جدّية تُلوّح بقرب إعادة إعمار القطاع. نتحدث عن تلك المناطق الحدودية، التي شهدت عددًا من المجازر التي أوقعت ما بين الـ10 آلاف ما بين قتيل وجريح فلسطيني، عدا عن مسح مربعات سكنية بأكملها بحجة ضرب البنى التحتيّة للأنفاق على الحدود مع "إسرائيل"، وتهجير ساكنيها قسرًا من منازلهم بعد استهدافهم بالقصف العشوائي.

"تستريح" الحرب أو تركض قليلًا، أو حتى "تموت"، غير أنها، مثل كل الأفعال الآثمة، تترك أوزارًا تعمّر طويلًا في نفوس من عاشها وعانى ويلاتها. في حي الشجاعيّة مثلًا، يحاول أصحاب المنازل المدمرة جزئيًّا التأقلم مع أحوال المنازل بعد الحرب، وإن كان هذا سيشكل خطرًا عليهم كون المنازل معرّضة للانهيارات، ولكن، ما البديل؟ ثمة من استأجر منازل مشابهة أيضًا، وثمة من يقطن الكرافانات، فالحرب مستمرة على غزة.

محنة لاصقة

يتحدّث أحمد عمر والقهر يعتلي ملامحه مما حلّ بمنزله من خراب، ولسوء أوضاعه المعيشية كما حال ذويه. يقول: "قرّرت الآن ألا أصمت. في كلّ مرّة أرفض التحدّث إلى الإعلام بسبب سوء حالتي النفسية وأوضاعي المعيشية كوني اعتبرتها محنة وستزول لكن دون جدوى، فالوضع يزداد سوادًا يومًا بعد يوم ولا أحد يهتم بنا من المسؤولين، أو حتى سعى لتأمين بعض الاحتياجات التي يمكن أن تسدّ رمقنا، غير مساعدات الأنروا التي نضطر لبيعها أحيانًا كي نحصل على مال لشراء حاجيات لا توجد في القسيمة".

يتساءل مواطن غزّيّ عن مدة إعادة إعمار "بيوت المسؤولين"، أم أنّ بدل الإيجار سيصرف لهم بشكل شهريّ دون تعب وإذلال؟

عمر من أهل المكان، من سكّان حي الشجاعيّة الأصليين، يرى أن الجهات المسؤولة "لا تكترث إلا لنفسها ومن يعمل لصالحها". ولا يزال عمر يقطن هو وعائلته المكونة من 7 أفراد في منزلهم المدمر، إذ لا توجد فيه غير غرفة واحدة تصلح للسكن، بسبب تصدّع الجدران ووقوع سقف الصالون بفعل القصف الإسرائيلي على المنزل، ويقول "قدّر بعض المهندسين الذين أرسلتهم الأنروا للكشف عن أضرار المنزل بأننا نحتاج إلى مبلغ يقدر بتسعة آلاف دولار، وحتى اللحظة لم نستلم أي فلس منها بسبب تجميد المساعدات والنقص في ميزانية الإعمار الخاصة بالأنروا كما أبلغونا". ويشير إلى أن لا أمل عنده في أن يعود منزله كما كان في السابق "حتى وإن أعادوا إعمار المنزل، فإن أساساته قد تخلخلت بفعل الصواريخ الارتجاجيّة التي كانت تضرب الأرض لتهزّ المنزل بنا وكأن زلزالا يحدث".

بيع المساعدات وترجي الوساطات

لا يختلف حال عمر عن غيره كثيرًا، فمعظم أهل الحي أبدوا استياءهم من عملية إعادة الإعمار وحتى توزيع المساعدات، ولا سيّما وأنهم يرون بأنها مكررة لا تلبي المطلوب تمامًا، ما يضطرهم إلى بيعها سرًّا للحصول على المال وشراء متطلبات أخرى. كما تذمّر البعض من توزيع المساعدات غير العادل بفعل وجود "الواسطة" لدى أناس تضرّروا بصورة أخف من غيرهم، وبالتالي حصلوا على ما لم يحصل عليه غيرهم من المتضرّرين. يتساءل مواطن آخر، فضّل عدم الكشف عن اسمه، عن مدة إعادة إعمار "بيوت المسؤولين"، أم أنّ بدل الإيجار سيصرف لهم بشكل شهري دون تعب وإذلال؟ ربّما هم كثيرون، هم الذين يتعرّضون للإذلال لقاء بعض "الكوبونات" أو بدل الإيجار المفترض أن يصرف لهم شهريًّا، يسألون الأسئلة نفسها.

كرافانات لا تسمن ولا تغني

كانت وزارة الأشغال العامة التابعة لحكومة الوفاق إلى جانب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" قد صرفت مبالغ مالية تترواح بين 1000 إلى 2000 دولار بدل إيجار للمدمرة منازلهم بشكل كليّ. والكثير من المواطنين رفضوا سابقًا استلام "كرافانات" لإيوائهم، مهدّدين بحرقها كونها لا تحمي من برد الشتاء ولا حرّ الصيف، كما أنّها ستؤخر حلّ إعادة البناء المرتبطة أصلًا بإنهاء الانقسام وبالتالي هذا لن يحدث، كما قال علاء جبر، معلّقًا بسخرية عن رأيه في إعادة الإعمار "هاهاها عن أي إعمار بتحكي؟!"