03-فبراير-2018

متظاهر في مواجهات قرب مستوطنة "بيت إيل" - تصوير عباس مومني (Getty)

"أثناء اعتقال الشيخ خضر عدنان، قمت بوضع عصبة سوداء على عينيّ ووقفت على دوار الشهداء في مدينة نابلس تضامناً معه. كنت أسمع تعليقات المارة، منهم من يتهمني بالجنون وأني أؤذي نفسي بهذا الفعل،  وأذكر أن شخصاً قال لي: الزلمة محدش سائل فيه وحيموت، الوطن انباع زمان" هكذا روى الناشط الشبابي قتيبة عازم تجربته في تفعيل واحدة من القضايا التي تلقى اهتماماً محدوداً على أهميتها، وهي إضرابات الأسرى الإداريين.

قتيبة تعرّض للاعتقال مؤخراً لدى الأجهزة الأمنية، على خلفية نشاطات احتجاجية على إعلان ترامب بشأن القدس، ليدفع ثمن الاحتجاجات الشعبية السلمية التي تعلن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير باستمرار تبنيهما لها، فمحاولة تحريك الشارع وعدم الاستسلام لأقوال "الناس بدها تعيش" و"تعطلوش حياة العالم" أيضاً لها ثمن وتجد من يحاول وقفها.

ناشط شبابي: شبان أخبروني أن خوفهم من الاعتقال ومن سحب تصاريح العمل الخاصة بآباءهم تمنعهم من مشاركته في فعاليات وطنية

يقول قتيبة، إن الكثير من الشبان كانوا يخبرونه برغبتهم في المشاركة، لكنهم يخافون من الاعتقال أو سحب تصاريح آبائهم الذين يعملون في الأراضي المحتلة عام 48، وغير ذلك من المخاوف، مضيفاً، "حتى أنني أرى أحدهم قام بنشر منشور عن القدس مثلاً ثم يقوم بحذفه، وحين أسأله يقول لي إن والده اعترض أو أمه فقام بحذفه".

اقرأ/ي أيضاً: من مسافة صفر.. حجارة شاب تقهر جنود الاحتلال

ويرى قتيبة، أن عزوف الشباب عن الفعاليات الوطنية موجود منذ زمن، وليس وليد الأحداث الأخيرة، لكن الأمور برأيه تتجه نحو الأسوأ، "فنجد أشخاصاً ناضلوا يمنعون أبناءهم من الانخراط في هذا المجال، ويعللون ذلك بالقول بدي أبعده عن بهدلة السجون" وفق قوله.

ويتابع، "إضافة لذلك فإن الأهل يساومون أولادهم في نضالهم، فترى الأب يحمل ابنه مسؤولية استمرار تصريحه، أو يقول له عملك هذا بيمنعك تسافر، ابن القيادي فلان سافر، إنت ستبقى هنا؟".

ويجد الناشط الإعلامي ياسين عز الدين النضال النفعي ظاهرة طبيعية موجودة في كافة المجتمعات، ويعتقد أن أكثر الناس غير مستعدين لدفع أثمان باهظة من أجل قضية وطنية عامة، مضيفاً، "لو نظرنا لتاريخ حركات المقاومة في فلسطين وغيرها من البلدان، لوجدنا أن المنخرطين فيها هم أقلية لديها الاستعداد لدفع الثمن الباهظ، وهي أقلية تقود المجتمع في مسيرته نحو التحرر".

ويرى عز الدين أنه العقوبات الجماعية التي تفرضها سلطات الاحتلال؛ أدت لظهور شريحة ترى في مقاومة الاحتلال تهديداً لها، وهذه الشريحة تمارس دور التخذيل والدعاية المضادة للمقاومة، "إلا أن الخطير في الواقع الفلسطيني هو انتقال هذا التفكير السلبي من عامة الناس إلى المحسوبين على المقاومة، الذين يُفترض أنهم الطليعة التي تضحي نيابة عن الجميع، والتي تقود المجتمع في مقاومة الاحتلال".

العقوبات الجماعية أوجدت شريحة ترى في مقاومة الاحتلال تهديداً لها، وتمارس دور التخذيل والدعاية المضادة للمقاومة

ويعتقد عز الدين أن هذه الشريحة سبّبت عدم ارتقاء العمل المقاوم في الضفة للمستويات السابقة، وهي كذلك "سببُ الوهن الذي أصاب شرائح لا بأس بها من نشطاء التنظيمات والفصائل الذين يفترض بهم أن يكونوا المحرك للمقاومة" حسب تعبيره.

وإذا كان ما ذُكر كأسباب تتعلق بسياسات الاحتلال الابتزازاية وضغوطاته قد أدت لتراجع الحاضنة الشعبية للمقاومة، فإن هناك أسباباً تتعلق بالمقاومة بحد ذاتها، وفق رؤية المحلل السياسي عبد الستار قاسم، الذي رأى أن التفكير في كيفية أداء العمل المقاوم لا يزال ضعيفاً جداً من الناحية العلمية المهنية، ويغلب عليه الانفعال العاطفي والرغبة في الانتقام دون وضع خطة لنجاح هذا العمل، ما يؤدي إلى فشل كثير من أعمال المقاومة، وبالتالي تأثر معنويات الشعب الفلسطيني بذلك.

يؤكد قاسم أن وقوع خسائر أمر طبيعي في طريق التحرير، لكنه يشدد في الوقت ذاته على ضرورة الاجتهاد والعمل من أجل أن تكون الخسارة متبادلة، "فما نريده من الأعمال المقاومة أن تجعل المحتل يشعر بأن وجوده مكلف أكثر من رحيله، ولكن التضحية دون تفكير هي التي ما زالت قائمة".

الانفعال العاطفي يغلب على التفكير العلمي والمهني في أعمال المقاومة مؤخراً، وهذا أدى لفشل عمليات ووقوع خسائر وأثر على معنويات الفلسطينيين

ويضيف أن الفصائل الفلسطينية "لا تدرب ولا تثقف أبناءها حول كيفية المواجهة الفاعلة، كما أن الشباب أنفسهم لا يهتمون بتوعية أنفسهم حول هذا المجال".

اقرأ/ي أيضاً: فيديو | عندما تبخرت مجنزرة إسرائيلية في حي الزيتون

يوافق على ذلك الإعلامي أمين أبو وردة، وهو أسير سابق ومدير موقع أصداء، ويرى أن هناك ضعفاً في الانتماء الوطني لدى قسم من الجيل الناشئ، مقابل قضايا هامشية وثانوية، ويربط ذلك بغياب القيادات والنخب السياسية القادرة على تأطير واستقطاب هذه الفئة الشبابية وزجها في المعركة، وتعبئتها بطريقة وطنية إيجابية".

ويضيف أبو وردة أن الجيل الشاب في فلسطين أصبح ينظر للأمور نظرة مادية، ويقيسها بمدى الربح والخسارة، ومدى الضرر الذي يمكن أن يكتوي به جراء ممارساته الوطنية، معتبراً أن للمنظمات غير الربحية (NGOs) دور في ذلك، من خلال تقديمها نشاطات ممولة ومكافآت للمتطوعين، أسهمت في جعل العمل الوطني مرهوناً أيضاً بمقابل مادي بالنسبة لكثير من الشبان.

السلطة الفلسطينية أحلّت الثقافة الاستهلاكية بدل الوطنية، ما أوجد لدى الشباب أولويات تفوقت على الوطن كأولوية

ولا ينكر قاسم دور السلطة في ما يقول إنه "نزع الثقافة الوطنية من الناس وإحلال الثقافة الاستهلاكية بدلاً منها"، معتبراً أن ذلك أوجد أولويات جديدة لدى الشباب، تفوقت على الوطن كأولوية، وكان منها تجميع المال والسياحة والسفر، والحرص على توفر الراتب دائماً، وبذلك فإن السلطة وفق رأيه تتحمل المسؤولية الأكبر عن هذا الحال، "وما فعلته يحتاج إلى سنوات من أجل إصلاحه" حسب قوله.

يشير الناشط عز الدين إلى أن أبرز ردٍ على المشككين في قدرات المقاومة وأهمية النشاطات الوطنية، يمكن تلخيصه في إقناعهم بأن المقاومة فعل تراكمي وليست معركة تحسم من مرة واحدة، "وفي التأكيد على أن الاحتلال خطر يهددنا جميعًا ولا يمكن التعايش معه، ولا يتيح لنا المجال لكي نلتقط الأنفاس أو نعد أنفسنا كما يردد العديد من أصحاب الفكر السلبي" وفق قوله.


اقرأ/ي أيضاً: 

3 فدائيين من زمن نابلس الجميل

سعيد في بلاط الملك

فيديو | مريم تتمنى زيارة أخيرة لوالدها الأسير