13-مايو-2020

صورة أرشيفية: مقاتلون يدافعون عن إحدى القرى الفلسطينية إبان حرب النكبة - gettyimages

بدأت حرب 1948 على الأرض عمليًا قبل شهر أيار/مايو (حيث تم إعلان قيام إسرائيل) بعدة أشهر، وتحديدًا منذ يوم 29 تشرين ثاني/نوفمبر 1947، وهو اليوم الذي وافقت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وعلى إثره تم تشكيل جيش الإنقاذ من قِبل اللجنة العسكرية لفلسطين التابعة لمجلس جامعة الدول العربية آنذاك، وقد اتخذ من مدينة دمشق مقرًا له، واتخذ معسكر قطنه القريب من دمشق مركزًا لتدريب المتطوعين الذين بلغ عددهم 4600 متطوع.

بدأت حرب 1948 على الأرض عمليًا قبل شهر أيار بعدة أشهر، وتحديدًا منذ يوم 29 تشرين ثاني 1947، بعد قرار التقسيم

عكست هذه المشاركة الموقف العربي الرسمي آنذاك، حيث تركيبة جيش الإنقاذ غير المتجانسة، وعمومية الهدف الذي كُلفت به اللجنة العسكرية من قِبل الجامعة العربية، ووضع الخطط والمقترحات العسكرية "الرامية إلى الحيلولة دون تشكيل حكومة يهودية في فلسطين، وإرغام اليهود على القبول بالمطالب العربية"، لكن دون تحديد الطرق والسبل لتحقيق هذه الأهداف على يد جيش الإنقاذ.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة يافا: أول كفاحنا المسلح

من هنا، فقد فهم كل واحد من القادة الميدانيين الأمر بشكل مختلف عما فهمه الآخرون، وهو الأمر الذي انعكس على دور هذا الجيش في فلسطين. وفي ظل غياب موقف سياسي عربي صلب وموحد، وهو ما تُظهره رسالة عبد القادر الحسيني إلى جامعة الدول العربية في نيسان/إبريل 1948، التي حملت جملة واحدة: "إنني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون وسلاح"، نجد مقابل ذلك الدعم الذي حظيت بها الصهيونية من بريطانيا بالدرجة الأولى والولايات المتحدة.

إلا أن كل ذلك لا يلغي الدور العربي الذي أظهرته كُتُب مؤرخين فلسطينيين وعرب أمثال؛ أكرم الحوراني وصالح سعيد بوبصير وبهجت أبو غربية ومحمد عزة دروزة وعارف العارف. هذا الدور الذي ذهب مع مرور السنين بين النسيان أو الإنكار من جانب، والتهويل من جانب آخر. لكن أخطر ما في الأمر، الجهود المبذولة اليوم لنزع البعد القومي لقضية فلسطين، وكذلك إنكار المكانة الدينية لفلسطين لدى المسلمين، في محاولةٍ لترويج التطبيع وإعداد الشعوب العربية لتحالف بين بعض الدول و"إسرائيل".

هذه المحاولات لترويج التطبيع تُخالف حقيقة النفير الشعبي العربي -المتفاوت في زخمه- لنصرة فلسطين، بدءًا من الثورة على الاحتلال البريطاني، وليس انتهاءً بحرب 1948 التي دخلت إلى فلسطين خلالها مجموعاتٌ من المتطوعين من مصر، ومجموعات من الأردن، إلى جانب جيش الجهاد المقدس في فلسطين.

فقد ضمت مجموعات المتطوعين وجيش الإنقاذ والجهاد المقدس متطوعين مختلفي الجنسية والديانة؛ من سورية ولبنان والعراق وفلسطين والأردن واليمن والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسعودية، ومن ألبانيا والبوسنة والهرسك (أجزاء من يوغسلافيا سابقًا)، وغيرها من بعض الدول الإسلامية مثل تركيا، وبعض مسلمي روسيا، ومتطوعين من ألمانيا، حيث دخلت أول أفواج جيش الإنقاذ إلى فلسطين يوم 9 كانون أول/ديسمبر 1947.

1912 شهيدًا عربيًا تم توثيق أسمائهم استُشهدوا خلال حرب 1948 (النكبة) مع المليشيات الصهيونية

هذه الحرب، استُشهد فيها عددٌ كبيرٌ من المتطوعين والمقاتلين العرب والأجانب، وهم: 326 أردنيًا، 900 مصري، و333 سوريًا، و155 سعوديًا، و177 عراقيًا، و150 لبنانيًا، و21 يمنيًا، و15 ليبيًا، و12 مغاربة، 5 أتراك، 23 أرمنيًا، وشخصًا واحدًا من الهند وإسبانيا ورومانيا وبولونيا وروسيا، إضافة لـ40 آخرين من ألمانيا ويوغوسلافيا السابقة.

جدير بالذكر أن هذه الأعداد تقتصر على المقاتلين الذين تم توثيق أسمائهم بعد أن استشهدوا خلال المعارك، مع الإشارة إلى أن أعدادهم قد تفوق هذه بكثير، لاحتمالية استشهاد مقاتلين لم يتم توثيق أسمائهم.

اقرأ/ي أيضًا: ثورة البراق: حين قال الفلسطيني كلمته

أما مجمل عدد ضحايا هذه الحرب، بما يشمل الفلسطينيين خلال هذه السنة فقط، فيُقدر بأنه يُقارب 15 ألف شهيدًا، ارتقوا نتيجة القتال من جهة، ونتيجة 37 مجزرة (موثقة) ارتكبتها الميليشيات الصهيونية خلال هذه الحرب من جهة أخرى.

وبالحديث عن الحملات المنظمة والموجهة لتشويه فلسطين وتصفية القضية الفلسطينية، والتي تخللها هجوم حادٌ من سعوديين على فلسطين وبالعكس، كان جديرًا بنا تذكير الطرفين بالحقائق، خاصة وقد برزت أصوات العقلاء من هنا وهناك لرفض التشويه والتشهير، والتأكيد على البعد القومي والديني للقضية الفلسطينية، وحقيقة أن "الصراع مع إسرائيل عربيٌ إسلاميٌ وليس فلسطينيٌ فقط"، ومردُّ ذلك ليس فقط إلى أهمية فلسطين وعدالة قضيتها، بل أيضًا إلى الطابع التوسعي الاستعماري الإسرائيلي الذي لا يقف عند حدود فلسطين، ولا يأخذ الطابع التقليدي -العسكري- للاستعمار، بل يأخذ أشكالاً كثيرة منها حماية الأنظمة الديكتاتورية والعمل لبقائها، وإفشال الثورات العربية الباحثة عن العدالة والحرية.

 برزت أصوات العقلاء من هنا وهناك التأكيد على البعد القومي والديني للقضية الفلسطينية، وحقيقة أن "الصراع مع إسرائيل عربيٌ إسلاميٌ وليس فلسطينيٌ فقط"

وبالعودة إلى عام 1948، فبعد إذاعة إرسال حملة لإغاثة فلسطين، شرعت وزارة الدفاع السعودية بتجميع وتنظيم المتطوعين من الجنود والضباط في أحد المعسكرات قرب الطائف. ثم غادر اللواء الرابع مشاة واللواء الثاني بقيادة اللواء سعيد بن عبد الله الكردي، من الجيش السعودي ثكنته عبر الطائف باتجاه جدة، وذلك في أيار/مايو 1948، ومنها إلى مطار فاروق في القاهرة.

اقرأ/ي أيضًا: وثيقة | العالم اليهودي فرويد عارض إقامة دولة يهودية في فلسطين

دخل اللواء الرابع مشاة واللواء الثاني من الجيش السعودي فلسطين من جهة غزة، إلى جانب الجيش المصري، وخاض في جنوب فلسطين حوالي 16 معركة، كانت أولها معركة بالقرب من الشيخ علي المنطار. ولعل أهم معاركه هي معركة بيت عفا وكرتيا حيث دامت أسبوعًا كاملاً، استخدمت فيها كل الأسلحة الثقيلة والطائرات، ومعركة السيطرة على مستعمرة "بيرون اسحق" يوم 10 حزيران/يونيو 1948، حيث دامت حوالي ست ساعات، انتهت بالدخول إلى المستعمرة، سقط على إثرها 25 شهيدًا من أفراد الجيش السعودي، بينما قُتِل العشرات من الميليشيات الصهيونية.

يُظهر تحليل المعلومات المتاحة بخصوص الشهداء السعوديين، أن أولهم ارتقى بتاريخ 8 كانون ثاني/يناير 1948، فيما ارتقى آخر الشهداء بتاريخ 11 كانون ثاني/يناير 1949. وبما أن الجيش السعودي انطلق نحو مصر في أيار/1948، فإن الشهداء الذين ارتقوا قبل ذلك التاريخ هم متطوعون مدنيون ضمن تشكيلات جيش الإنقاذ، وقد زاد عددهم عن 87 شهيدًا، بينما الـ68 شهيدًا الآخرين هم من الجنود والضباط في الجيش.

فترة قتال المتطوعين والجنود السعوديين إبان حرب 1948 استمرت لأكثر من 13 شهرًا

وبحسب المعطيات المنشورة في موقع وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإن الشهداء السعوديين ينحدرون من قرابة 50 عائلة سعودية، وهي: العسيري، الجيزاني، الزهراني، الشمراني، ياسين، القرني، الحيدري، الشهري، الجهني، روش، العامر، خلف، بحيري، العتيبي، العمري، الضاهر، المطيري، الصغير، الطاسان، الاسمري، القحطاني، عايض، عريش، المامي، بزران، الحربي، غبيان، الدوسري، البكري، الغامدي، حجازي، زراني، العجمي، عنتري، السبيعي، البلوي، القمري، المالكي، الظفري، العامق، الجهيني، القيسي، الدرفلس، اليماني، الرفاعي، الماسي، اليافي، جليدن، الثقيفي، الجوفي، الحارثي، المطامق، الشمري.

أما المدن والمناطق التي انحدروا منها فهي: مكة، المدينة المنورة، أبها، جيزان، زهران، حايل، القنفذة القرن، الظفير، الطائف، بني شهر، عسير، الرس، بيشة، النماص، الرياض، جدة، نجران، بيقة، شمران، قربة. بينما لم تُعرَف أماكن سكن أو ولادة عدد كبير من الشهداء.

وتُظهر معطيات استشهادهم، أن فترة القتال الفعلي التي أمضاها السعوديون في فلسطين بدأت -على الأقل- قبل تاريخ 8 كانون/ثاني 1948، واستمرّت -على الأقل- حتى تاريخ 11 كانون/ثاني 1949. أي أنها دامت لأكثر من 13 شهرًا وأربعة أيام.

بينما تُظهر المعطيات حول مناطق استشهادهم، أنهم قاتلوا في قطاع غزة ومحيطه، وهذه المناطق هي: دير سنيد، مستعمرة بيرون اسحق قرب بيت حانون، مستعمرة نجبا قرب المجدل، أسدود، المجدل، عراق سويدان، حليقات، بيت عفا، كرتيا، بيت طيما، بيت حانون، بيت لاهيا، غزة، رفح، العسلوج، تبة الخيش، الشيخ نوران، كوكبة.

_______________

المصادر

- مذكرات أكرم الحوراني

- جهاد شعب فلسطين خلال نصف قرن، صالح سعيد بوبصير

- نكبة بيت المقدس، عارف العارف.

- حول الحركة العربية الحديثة، محمد عزة دروزة.

- مذكرات في خضم النضال العربي الفلسطيني، بهجت أبو غربية.

- موقع وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية.          


اقرأ/ي أيضًا: 

تحقيق إسرائيلي يكشف تفاصيل مرعبة إبان النكبة

كيف رأى المستشرقون فلسطين؟ 

أرث المعركة.. فدائيو الواد الأحمر