14-ديسمبر-2016

خلال الاحتفال السنويّ بيوم القديسة بربارة، في قرية عابود (getty)

يُحتفلُ مشرقيًا في تاريخ 17 كانون الأول، بحسب التقويم الشَّرقي بعيد القديسة بربارة، تلك التي يتنازع مشرقنا حول منبت حكايتها وموضع ميلادها وقصتها. فيُقال إن حكاية بُربارة وقعت في فلسطين في القرن الثالث الميلادي، وأنّ الفُصول الأخيرة في حياتها كُتبت في قرية عابود شمال غرب رام الله، فيما يذهب آخرون للقول إن بربارة قديسة مصرية، وقيل لبنانية وتركية وقيل من مناطق آسيا الوسطى.

تختلف الحكايات على هوية القديسة بربارة، وتُجمع على خطوطٍ عامةٍ في قصتها، فيما تحدد الحكاية الفلسطينية مكان لجوئها واستشهادها

وعلى الأغلب، فإن قصة ميلاد وحياة القدّيسة بربارة هاجرت من موطنها الأصلي كما تُهاجر الحكايات والأساطير لتحل في أماكن جديدة، تاركةً للحيز الجديد الإضافة والتعديل عليها، لتتلاءم مع هذه البيئة الجديدة. ومن هُنا تَزعُمُ كُل مَنطقَةٍ في مَشرقِنا بأن بُربارة ابنة بيئتها ومكانها الجُغرافي.

اقرأ/ي أيضًا: "أصداف" بيت لحم تتشبّث بالحياة

فَمن هي القديسة بربارة؟ وما هي حكايتها؟ وأيّ أهمية تُشكلها بربارة في الموروث الشعبي الفلسطيني؟

فلسطينيًا، بُربارة ليست مُجرد عيد شعبي يَحتفلُ به المسيحيون. فبربارة الفلسطينية مَعلمٌ أثري وكنيسةٌ قَديمةٌ جدًا، وهي ميقاتٌ فَلّاحي لمواسم الزراعة، وهي كذلك أكلةٌ شَعبيةٌ يَشتركُ في إعدادها وتناولها المُسلمون والمسيحيون، ولا تَغيبُ بربارة عن الموروث الشَّفهي المُتداول في الحياة اليومية.

بربارة الشّهيدة

تُجمع الرّوايات التي تناولت سيرة بربارة وقصتها، على أنّها آمنت بالمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، ونبذت عبادة الأوثان، وفرَّت من القَصر الذي شَيّده لها أبوها، مُوفرًا فيه الخَدم والحَشم وما لذّ وطاب. وأنّها التجأت إلى تلة نائية، فاختفت في صَخرة شَقّها الله لها فِرارًا من بَطش أبوها وَغَضبه. وتذكُرُ المصادر أنّها حين وقعت في قبضة أبوها عَذّبَها وسلمها للحاكم، فَحُبسَت كَي ترجِعَ عن عبادة الله، لكنها أبت، ولقيت الله شَهيدة.

لوحة تجسد القديسة بربارة في كنيسة داخل قرية عابود

وتنفرد الرّواية الشّعبية في قرية عابود بسرد تفاصيل الجُغرافيا الواردة في الحكاية، كَتحديد التّلة التي فَرّت إليها بُربارة والواقعة غرب القرية، والصخرة التي انشقت واختبأت بها، وكذلك الموضع الذي حُبست وعُذبت وقُطع رأسها فيه، حيث تقوم كنيسة بُربارة في قرية عابود حاليًا والمَبنيّة من القرن السادس الميلادي.

وفي المَنطقة التي تَتشارك حكاية القدّيسة بربارة وتَتنازع في نسبتها إليها، توجد عدة كنائس تحمل اسمها، وتنسج حكايتها حولها بما يجعلها الأكثر التصاقًا بالقدّيسة الشَّهيدة.

بربارة الأَكلة الشَّعبية

ومن أشهر الأشياء ارتباطًا في المخيّلة الشعبية حول بربارة، هو الأكلة التي تُقدّم في ذكرى مقتلها، وقد حَملت هذه الأكلة اسم القديسة بربارة وصارت تُعرف بها.

والبُربارة من الأكلات الشّعبية التي تُقدم في الأعياد والمناسبات الاحتفالية لدى فلّاحي فلسطين، وتقوم بِشكلٍ أَساسي على مُكون القمح، ذلك أنّ القمح هو عمارة بيت الفلّاح، وهو الأهم والأكثر وفرةً في السّلة الغذائية. والفلسطينيون على اختلافهم يُعدّون هذا النّوع من الطعام، ويوزعوه على الجيران والأقارب للمُشاركة في الفَرحة، وذلك في عيد بربارة وعيد السّت واحتفال تسنين الأطفال.

تقديم أكلة البربارة، في عيد القدّيسة، خلال المهرجان السنوي في قرية عابود، غرب رام الله/ تصوير: عباس مومني (getty)
أكلة البربارة في يوم القدّيسة، خلال المهرجان السنوي في قرية عابود، غرب رام الله/ عباس مومني (getty)

وأصل هذه الأكلة قمحٌ مَسلوق (سليقة) مُضاف إليه ما توفر في سلّة الفلاح من مُكمّلات ومُجمّلات غذائية كالفستق واللوز والجوز والزبيب والقرفة وحبّ الرمان وجوز الهند والسكر وغيره. وفي الأصل كانت تُعد من القمح المسلوق مُضافًا إليه الفول والعدس والحمص، وهو ما يعرف حتى اليوم بـ (السليقة/السنينية) وهي الأكلة التي تُطبخ في عيد السّت (عيد شعبي بمناسبة الانتهاء من صيام ستة أيام شوال)، وفي احتفال طلوع أسنان الأطفال (السنينية).

وهُناك بَعضُ الأهازيج المُرتبطة بعيد بربارة حافظت على اسم الأكلة الشعبي المعروف لدى عموم فلاحي فلسطين:

طبخنا لك ســليقة .. ليـش ما جيتي أكـلـتي

ضوينا لك شمعة .. ليش ما جيتي تضويتي

ومن الصّور الجَميلة لعيد بربارة، أنّ الأطفال يَجوبون البيوت طلبًا لحُصّتهم من هذه الأكلة المُحلّاة وهم يُرددون: "يا معلمتي حلّي الكيس.. الله يبعث لك عريس". ومن تُطعمهم تنالُ ثناءهُم: "أرجيله على أرجيله.. صاحبة البيت زنكيله (غنية)". أما من تَعتذر بسبب نفاذ الكمية يُسمعوها قَولهم: "ناره فوق ناره .. صاحبة البيت ختياره".

موكب الأطفال يغير بعد عودتهم من دير القديسة بربارة، قرب قرية عابود، خلال الاحتفال السنويّ بالمهرجان/ عباس مومني (getty)
موكب الأطفال يغير بعد عودتهم من دير القديسة بربارة، قرب قرية عابود/ عباس مومني (getty)

بربارة في الموروث الشعبي

ويحفل الموروث الشعبي بالأقوال والأمثال التي تُجسّد مكانة الرموز والأساطير الدينية المُهمة في حياة الناس، ومن ذلك ما نجده عن برباره القديسة من أهازيج وأمثال في الحياة اليومية:

بربارة تبربكتي .. عند الله تمخترتي

أبوكي هالكافر .. عبّاد الحجارة

جاب السيف يذبحكي .. صار السيف صناره

جاب الحبل يشنقكي .. صار الحبل زنّاره

جاب الجمر يحرقكي .. صار الجمر بخوره

وقولهم: "حَجّة بربارة.. القمح بالكواره.. والرمان بالدّاره.. زيتكم في بيتكم.. الله يكثر خيركم".

وَيُعتبر عيد بربارة كذلك ميقاتًا لفلّاحي فلسطين، وفيه يتم تحديد بعض المواسم الزراعية ومواقيت فلاحة الأرض، وقد حفِظت لنا الذاكرة الشعبية عشرات الأمثال عن عيد بربارة ودوره الميقاتي للفلاحين.

يقولون: "في عيد بربارة بتطلع المية من خزوق الفارة"، إشارة لكثرة المَطر في حينه. "إن هلّت بربارة البنّا يوخذ زمّارة"، بسبب البرد الشّديد الذي يُرافق أمطار هذه الفترة.

نسفت قوات الاحتلال مغارة القديسة بربارة شمال غرب رام الله عام 2002 بدعوى أنها تُستخدم من قبل مقاومين

ويُقال أيضًا: "في عيد بربارة رُدّوا الشعير في جراره والقمح يا بذاره"، و"إن طلعت البربارة القمح يا بذاره". ذلك أنه مع حلول ميقات عيد بربارة تكون الأرض صارت باردةً فلا يصلح الشعير للبذار، فيما يكون الوقت والجو مُناسبًا لزراعة القمح ولأجل ذلك يَتنادى الفلاحون "القح يا بذاره".

ويروى أيضًا أن عيد بربارة يتزامن مع تحرك الشمس من مدار الجدي شمالاً نحو خط الاستواء، ومن ثم نحو مدار السرطان ما يجعل النهار يَسترد بشكل بطيء جُزءًا منه من الليل، وفي ذلك يُقال: "في عيد بربارة بوخذ النهار من الليل أخباره، و"في عيد برباره بطول النهار نطّة فارة".

هذه بربارة الفلسطينية بما تُمثله من عيد وطعام وموروث، ولا عَجب في إقدام الاحتلال الإسرائيلي عام 2002 بِنَسـف مغارة كنيسة بربارة في قرية عابود، بحُجّة أنها تُستخدم من قبل المقاومين.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

رحلة شتوية في تراث فلسطين

الختامة.. فرحة اندثرت في نابلس

"حق الوصاية": الأم خطر على ابنها!