02-أبريل-2019

الأسبوع الماضي، توفي رافي ايتان، الملقب في إسرائيل بـ"رافي القذر"، وهو من مواليد 1926، وقد بدأ حياته في صفوف "البلماخ" وهي قوات الصاعقة التابعة لمنظمة "الهاغاناة" التي شكلت البنية التحتية لجيش الاحتلال بعد الإعلان عن إنشاء إسرائيل، وفي صفوفها وقبل أن يبلغ من العمر 17 عامًا نفذ الاغتيال الأول في حياته.

بدأ رافي ايتان في صفوف "البلماخ" وعندما كان عمره 17 عامًا نفذ الاغتيال الأول في حياته

الصحفي الإسرائيلي الخبير في الشؤون الاستخبارية رونين برغيمان، أجرى مع رافي سلسلة مقابلات على مدار (13 عامًا) اشترط الأخير أن تظل طي الكتمان، وأن تنشر بعد وفاته، وقد نشر جزءًا منها قبل أيام.

اقرأ/ي أيضًا: زئيفي.. صياد الفلسطينيين بالمروحية ومغتصب المجندات

برغيمان، مفتون بـ"رافي القذر" كما معظم الكتاب في إسرائيل، إذ وصفوه بـ"أفضل جاسوس" و"أبرع مشغلي الجواسيس"، لكن برغيمان كان صاحب الكلمة العليا في الحديث عن "رافي" الذي تجاوز عمره 92 عامًا، ووصل به الأمر إلى العمل على تنظيف "رافي القذر" كما كان يناديه رفاقه تحببًا.

علــــى امتداد عدة صفحاتٍ من الملحق الأسبوعي لصحيفة "يديعوت أحرنوت"، وعبر أكثر من 4 آلالاف كلمة، حاول برغيمان تصوير "رافي القذر" على هيئة "الملاك". مثلاً أعطى برغيمان انطباعًا بأن عملية تهجير بدو النقب إلى قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء في مطلع عقد الخمسينات "عملية نظيفة" لم يتخللها ارتكاب جرائم قتل بحق البدو أهل النقب العزل من السلاح.

وكتب برغيمان عن ذلك: "تحدث رافي ايتان بإسهاب عن طرد القبائل البدوية، جزءٌ منها كان من الشمال وغالبيتها من النقب قائلا: أنا بادرتُ إلى تنفيذ جزءٍ من عمليات طرد القبائل البدوية، وكان ذلك، امتدادًا  لما كان يفعله يغآل ألون، لقد استغرقت عمليات الطرد حوالي شهرًا ونظفنا تقريبًا كل النقب من السكان غير اليهود، لم نُصب أحدًا بجرح، ولم نُهن أحدًا ولم نسلب أحدًا، ولكن قُلنا لهم أنه حتى الصباح إن لم تغادورا سنقتلكم جميعًا. في إحدى الحالات عندما  لم يأخذوا تهديدنا على محمل الجد، بدأنا بإحراق الخيام، وكان ذلك كافيًا. أنا لست نادمًا، والندم الوحيد هو أننا لم نطرد كل البدو".

رافي ايتان: الندم الوحيد هو أننا لم نطرد كل البدو

لكن شهادة "رافي القذر" المكتوبة عن ما وصفه "تنظيف النقب" من غالبية أهله التي يوردها برغيمان، تتناقض مع شهادة مصورة له ذاته بثتها القناة الثانية الإسرائيلية قبل أكثر من عامين؛ في إطار برنامج التحقيقات الشهير "عوفدا"، روى فيها قصة إعدام بدويٍ من النقب بدون محاكمة نفذها صديقه في كتيبة "هرائيل" رحبعام زئيفي المُلقّب بـ "غاندي".

رافي قال في تلك المقابلة المصورة: "زئيفي كان يطلق النار على الفلسطينيين دون مبرر، في أحد الاقتحامات التي شارك فيها غاندي، واجهنا سكانًا محليين وغاندي أطلق النار على اثنين من السكان أحدهما قُتل والآخر أصيب". علّقت القناة الثانية على ذلك بالقول: "هذا حدث عندما كان بدو من النقب يقدّمون الدعم للقوات المصرية ضدّ جنود الجيش الإسرائيلي، رافي ايتان صديق مقرّب لغاندي (زئيفي) قرر طرد البدو بالقوة إلى منطقة غزة، ولكنّ غاندي كان لديه طرق خاصة لفعل ذلك".

يمضي برغيمان مع "رافي القذر" في سرد محاور حياته مع إغفال أجزاء هامة، مع ذلك، تثبُتُ بعد كل قصة جدارة رافي بلقب القذر، من بينها عملية استخبارية تخللها إلقاء الضابط في سلاح البحرية الإسرائيلية إيفور يسرائيل من الطائرة الى إلبحر.

رافي ايتان ألقى ضابطًا إسرائيليًا من الطائرة إلى البحر

تعود هذه الواقعة إلى العام 1954، بعد أن غادر إسرائيل إلى إيطاليا حاملاً معه وثائق سرية، وعرضها للبيع لضباط في المخابرات المصرية في روما. بعد ذلك، أصدر رئيس الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية إيسار هرائيل، أمرًا لـ"رافي القذر- الذي كان يقود وحدة "تسبوريم"؛ وهي الوحدة الخاصة المشتركة بين "الموساد" و"الشاباك"- أمرًا بالذهاب لأوروبا لاختطاف الضابط المطلوب، وبالفعل تم تخدير الضابط وحمله داخل تابوت إلى إسرائيل.

اقرأ/ي أيضًا: باراك: قتلت أكثر من 300 فلسطيني في دقائق

يزعم رافي أن الضابط أُصيب بجلطة وهو داخل التابوت فأصدر أمرًا لرجاله بإلقاء الجثة في عرض البحر الأبيض المتوسط، وقد أصدر "الشاباك" حينها إشاعة تفيد بأن الضابط غادر إسرائيل إلى الولايات المتحدة ولم يعد، وظل هذا الملف طي الكتمان حتى عام 2005، عندما علم الصحفي برغيمان بالأمر لكن دون أن يعرف اسم الضابط، ثم بعد نشر جزءٍ من القصة اتصل ابن الضابط على برغيمان وأخبره أنه يعتقد بأن والده هو محور القصة.

ظل "رافي" يرفض الحديث عن القصة، لكن عندما ترشح للانتخابات عام 2006 -بعد أن أسس حزب المتقاعدين- طلب مستشاره الإعلامي من برغيمان إجراء مقابلة معه، فاشترط برغيمان مقابل نشر المقابلة أن يتحدث رافي عن قصة الضابط.

رافي ايتان أوصى "الموساد" باغتيال ياسر عرفات عندما كان يُلقي خطبًا في تجمعات الطلبة في أوروبا

بعد عام 1965، عُين رافي ايتان، رئيسًا لبعثة جهاز "الموساد" في أوروبا، بالتوزاي مع دراسته الاقتصاد في لندن. في تلك الفترة لاحظ نشاطًا لشابٍ فلسطيني يلقي خُطبًا في تجمعات الطلبة في أوروبا، فأصدر توصية لقيادة "الموساد" بضرورة تصفيته. وعن ذلك قال لبرغيمان: "لقد قُلت لهم يجب أن نقتل هذ الصغير قبل أن يكبر، وهذا الشاب عُرف لاحقًا باسم ياسر عرفات".

معظم وسائل الإعلام العبرية كرست مساحاتٍ كبيرة لإبراز ما تعتبرها مناقب "رافي القذر"، لكن معظمها تجاهلت المعلومات التي تشير إلى أنه كان أيضًا مستشارًا للمخابرات البريطانية MI6 في مجال محاربة تنظيم الجيش الجمهوري الإيرلندي.

وفي لقاءته مع برغيمان، تحدث رافي ايتان عن قيادته مشروع تصفية وجود علماء الصواريخ النازيين الذي هربوا إلى مصر وانضموا لمشروع تطوير الصواريخ المصرية. وعن ذلك يتم الحديث بمصطلحات مموهة مثل "إنهاء وجود" دون الإشارة إلى اغتيال أولئك العلماء.

وتبقى أبرز عمليتين في سجل "رافي ايتان" هي تجنيده ضابط البحرية الأمريكي من أصل يهودي جونثان بولارد كجاسوس، وعندما انكشف أمر بولارد وحاول الفرار من أيدي المخابرات الأمريكية، منع "رافي" السفارة الإسرائيلية من إدخاله إليها. أما العملية الثانية، فهي اختطاف الضابط النازي ايخمان الذي كان متخفيًا في الأرجنتنين.


اقرأ/ي أيضًا:

فيديو | عملاء "الشاباك" الهاربين إلى "إسرائيل".. مصير مظلم

الطفلة "نوران".. اختطفها عملاء "الشاباك" وباعوها

سفاح كفر قاسم يفضح أخطر أسرار المذبحة