28-مايو-2018

أصدرت محكمة الاحتلال المركزية في بئر السبع، يوم الاثنين (28 أيار/ مايو 2018)، حكمًا بحق الأسير وليد دقة (58 عامًا) من باقة الغربية، بإضافة سنتين إلى حكمه السابق (37 سنة)، وذلك على خلفية ادّعاءات نيابة الاحتلال بضلوعه في إدخال هواتف نقالة إلى الأسرى في سجون الاحتلال، وهي القضية التي اعتُقل على إثرها النائب عن حزب التجمع باسل غطاس.

واعتقل الاحتلال وليد دقة عام 1986، بعد أسر الجندي موشي تمام عام 1984 وقتله، برفقة إبراهيم ورشدي أبو مخ، وإبراهيم بيادسة، وهي العملية التي شكّلت طعنة في قلب التقديرات الإسرائيلية حول السيطرة التامة على الفلسطينيين داخل الخط الخضر الأخضر.

نفذ وليد دقة عملية أسر وقتل جندي إسرائيلي في وقت ظنّت إسرائيل أنّها طوت صفحة نضال فلسطينيي الداخل ضدها

والأسير دقة، واحد من 30 أسيرًا اعتُقلوا قبل اتفاقية أوسلو، ورفضت إسرائيل الإفراج عنهم أكثر من مرة، آخرها كانت بناءً على تفاهمات مع السلطة الفلسطينية، نقضها رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو، وأبلغ الولايات المتحدة حينها بأن إفراجه عنهم سيؤدي لانهيار ائتلافه الحكوميّ، كونهم يحملون الجنسية الإسرائيلية وليسوا فلسطينيين.

وخلال اعتقاله، تزوج دقة بالصحافية سناء سلامة، عام 1999، بعد أن زارته داخل السجن لتكتب عن معاناة الأسرى الفلسطينيين. وقد شكّل زفافهما سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة، إذ أجبر الأسرى سلطات الاحتلال على السماح لهما بالتقاط صور وفيديو خلال الزفاف، ومشاركة 9 أسرى في الحفل، وتشغيل موسيقى كأي حفل زفاف آخر.

وأتاح حفل الزفاف لعائلة وليد معانقته لأول مرة، وهي المرة الأخيرة أيضًا منذ ذلك الحين.

   شكّل زفاف وليد دقة من سناء سلامة داخل السجن سابقة في تاريخ الحركة الأسيرة  

كما ارتبط اسم وليد دقة بمسرحية "الزمن المتوازي"، التي تستند إلى نصّ كتبه عن تجربته في الأسر، وقد تم تمثيلها على مسرح الميدان في حيفا.

يقول في إحدى رسائله من داخل السجن: "إن مسيرة النضال هي ذاتها مسيرة المعرفة، فهي مسيرة باردة يعتريها الشعور بالوحدة والخوف من المجهول. في حالة السجن كما في حالة الحصار، قمة النضال هو أن تبقى قادرًا على السؤال، وأن تكون مستعدًا حتى للنوم في فراش أسرك".

جسّد دقة مسيرة المعرفة هذه بحصوله على درجة الماجستير في العلوم السياسية من خلف القضبان. كما أنجز دراسات كان من أهمها "صهر الوعي: أو في إعادة تعريف التعذيب"، وهي الدراسة التي صدرت عام 2010.

وفي رسالة له، يشرح دقة حرب الاحتلال على الأسرى، حتى بعد إصدار أحكام بحقّهم. يقول في ذلك: 

استخدمت إدارة السجون للتشويش على وعي وثقافة الأسرى، منع إدخال الصحف العربية بما فيها الصحف الصادرة في الداخل 48، وخصوصًا الصحف الحزبية والسياسية مثل "فصل المقال"، و"الإتحاد"، و"صوت الحق"، باستثناء صحيفة القدس التي تصل الأسرى بعد صدورها بأسابيع.

وفي المقابل يُتاح للأسرى قراءة الصحف العبرية التي تصل يوميًا. أمّا محطات الراديو فيُسمح بالتقاط المحطات الإسرائيلية فقط، بعد أن حددت أيضًا التقاط الفضائيات العربية، فشطبت قناة الجزيرة، وأبقت المحطات التي تعتبرها ملتزمة بخط "الاعتدال العربي".

"صهر الوعي" دراسة نشرها وليد دقة من داخل السجن تحكي تعذيب الأسرى نفسيًا وآثار ذلك عليهم

 وبعث دقة رسالة من سجن جلبوع، في أواخر شهر تموز/يوليو 2009، وصف فيها أساليب التعذيب والقمع في سجون الاحتلال مؤكدًا أنها لا تُشبه القمع في أي سجن في العالم. يقول:

"لا يشبه القمع والتعذيب في السجون الإسرائيلية حالات القمع والتعذيب التي تصفها أدبيات السجون في العالم. ليس هناك حرمان فعلي من الطعام أو الدواء، ولن تجدوا من هم محرومون من الشمس ومدفونون تحت الأرض. لا يكبل الأسرى كما في الروايات بسلاسل مشدودة لكتل حديدية طوال النهار. فلم يعد الجسد الأسير في عصر ما بعد الحداثة هو المستهدف مباشرة، وإنما المستهدف هو الروح والعقل.

لا نواجه هنا ما واجهه ووصفه فوتشيك في ظلّ الفاشية في كتابه "تحت أعواد المشانق"، وليس الحديث هنا عن ما يشبه سجن "طوزمارت" في رواية "تلك العتمة الباهرة" للطاهر بن جلون. ولن تجدوا وصفًا يشبه ما وصفته مليكة أفقير للسجون المغربية.

نحن هنا لا في سجن "أبو زعبل" ولا حتى "أبو غريب" أو "غوانتنامو" من حيث شروط الحياة. ففي كل هذه السجون تعرف معذِّبك وشكل التعذيب وأدواته المستخدمة. وأنت تملك يقينًا على شكل تعذيب حسّي مباشر. لكنّك في السجون الإسرائيلية تواجه تعذيبًا أشد وطأة بـ "حضاريته" يحوّل حواسك وعقلك لأدوات تعذيب يومي. فيأتيك هادئًا متسللًا لا يستخدم في الغالب هراوة ولا يقيم ضجّة. إنه يعيش معك رفيق الزنزانة والزمن والباحة الشمسية والوفرة المادية النسبية.

لم يغب اسم وليد دقة عن الأخبار كثيرًا، لكنّه عاد بقوة بعد قضية إدخال هواتف إلى الأسرى التي انتهت اليوم بالحكم عليه بالسجن سنتين إضافيتين، ما يعني تأجيل الإفراج عنه حتى عام 2022، وفق ما أفادت زوجته سناء سلامة لموقع "عرب 48".

وأضافت سناء، "لا توجد لدينا نيّة للاستئناف على القرار الصادر بسبب عدم ثقتنا بجهاز القضاء الإسرائيلي. وليد أقوى وأصلب منهم بدون شك، وهو يستمد ذلك من صمود شعبه وقضيّته العادلة".  

يشار إلى أن سلطات الاحتلال تواصل عزل دقة منذ سنتين في سجن رامون الصحراوي، رغم أنه يعاني صحيًا نتيجة إصابته بمرض في الدم، يحتاج بسببه أن يكون بين الأسرى بشكل مستمرّ ليحصل على الرعاية اللازمة.


اقرأ/ي أيضًا: