02-مارس-2018

مشهد عام لقرية بيتين شرق رام الله | صورة: سامر حامد

في عام 1965 وصلت رسالة مكتوبة بخطّ اليد من السيّدة "إيبا" المكسيكية، إلى جابر ناصر في قرية بيتين شرق رام الله، تقول له فيها إن والدنا ترك لنا مزارع أبقار وأموال كثيرة، وأترُكُ لك هذا العنوان لنتواصل..

 نحو 3 آلاف مغترب من قرية بيتين شرق رام الله، ابتدأ اغترابهم منتصف خمسينات القرن الماضي 

والد جابر ناصر كان قد سافر إلى المكسيك عام  1920 وترك زوجته الحامل، وأرسل رسالتين فقط في 1953 و1955، وفي إحداها قال إن هذا البلد (المكسيك) انفتحت على شعوب العالم وأتاها الناس من بقاع الأرض، لم يعد لنا خبز معهم، وأنا غريب فيها من يوم أتيت، وأنا الآن على فراش الموت ولا يمكنني العودة.

يتذكر محمد جابر حفيد ناصر الذي يبلغ الآن 60 عامًا، أنّ رسالة "إيبا" وصلت بعد وفاة جدّه بـ10 سنوات، وكانت باللغة الإسبانية، ولم يكن في القرية سوى سيّدة قادمة من هناك وهي التي قرأت الرسالتين.

رسالة بعث بها والد جابر ناصر، من مكان غربته في المكسيك إلى ابنه في قرية بيتين، في سنوات الخمسينات
رسالة بعث بها والد جابر ناصر، من مكان غربته في المكسيك إلى ابنه في قرية بيتين، في سنوات الخمسينات

اقرأ/ي أيضًا: الفلسطينيون في تشيلي.. البداية من اللا شيء!

إنّه عام 1967 سنة النكسة، ولمّا اكتمل احتلال فلسطين هاجر فوجٌ جديد، والسيّدة المكسيكية الساكنة في بيتين رحلت مع زوجها إلى الأردن، "انقطع حبل تواصلنا مع عمتي في المكسيك"، يقول جابر.

قبل سنوات قليلة، عثر محمد جابر على الرسائل ووصل إلى عنوان عمّته، بحث من خلال محركات البحث على الانترنت على مكان يمكن أن يوصله بها، لكنّ المحاولات العديدة التي قام بها جميعها باءت بالفشل، ويتحسّر الآن على الثروة التي تركها جدّه قبل نصف قرن.

في قرية بيتين القريبة من رام الله، نحو 3 آلاف مغترب يتركّز تواجدهم في ولايات سانت لويس، وملواكي، وكاليفورنيا، وأوهايو، هؤلاء ابتدأ اغترابهم منتصف خمسينات القرن الماضي.

"ابتدأت الهجرة في القرية ما بين عام 1900 إلى 1910 أي قبل الحرب العالمية الأولى، كان الوضع المعيشي صعب، والفقر ينخر بأجساد أهالي القرية الذين لم يتجاوز عددهم في تلك الفترة 700 نسمة، وخلال عشرين عامًا هاجر 100 شاب"، يقول رئيس مجلس بيتين ذياب ياسين.

اقرأ/ي أيضًا: مكالمة فائتة من البلاد!

خطّ الهجرة الأول قبل سنوات الخمسينات كان من بيروت، يستقل المهاجرون باخرة حتى سواحل العاصمة السنغالية داكار، ثم ينتقلون إلى باخرة ثانية لتكمل المسيرة نحو البرازيل، في رحلة تستغرق شهرًا كاملًا، والبعض كان يستقلّ طائرة من القدس إلى بيروت ثم المسار ذاته، يضيف رئيس مجلس قروي بيتين.

اضطر بعض الشبان لرهن أراضيهم مقابل الحصول على المال من أجل تأمين تكاليف السفر، ومعظم أرضي بيتين كانت مرهونة لأصحاب الدين، لكن معظمها عاد إلى أصحابها بعد أن تحسن حال المهاجرين ووقفوا على أقدامهم.

من عام 1900 حتى 1950 كان المهاجرين من بيتين يتجهون نحو البرازيل، والمكسيك، والارجنتين، وفنزويلا، وفي الخمسينيات انتقل جزء كبير منهم إلى الولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ/ي أيضًا: محترفون فلسطينيون في الخارج.. تجارب ناجحة؟

يفخر ذياب ياسين بالدعم المنقطع النظير الذي يقدّمه أهالي القرية المغتربين لكافة المشاريع، ففي العام الفائت افتتحت مدرسة بنات بيتين والتي كلّف بناؤها مليون و200 ألف دولار، وفي عام 2007 بُني مجمّع من خمسة طوابق ويضم قاعات أفراح والمجلس البلدي والنادي الرياضي بتكلفة وصلت مليون و100 ألف دولار، حيث أن أكثر من 80% من هذه المبالغ تبرع بها مغتربون، "الجميع يتسابق على عمل الخير، في بناء المدرسة أحدهم تبرع بـ300 ألف دولار دفعة واحدة، الخير موجود في هذه القرية".

حين تم إعلان اتفاق أوسلو عام 1994، عادت عشرات العائلات من أجل الاستقرار، لكن سرعان ما تبدد الأمل، ففي العام التالي وحتى عام 2000 أي قبل أشهر قليلة من اندلاع انتفاضة الأقصى، غادرت هذه العائلات إلى الغربة من جديد، تاركين منازلهم وأراضيهم وقريتهم مرة أخرى.

اندلعت انتفاضة الأقصى، وفقد أصحاب المحلات التجارية والعقارات جزءًا كبيرًا من نشاطهم الاقتصادي، حيث رحلت أكثر من 400 عائلة من محافظات مختلفة كانت مستأجرة في منازل بيتين لما أغلق الاحتلال حاجز بيت إيل شمال البيرة، وأصبح الوصول إلى رام الله يحتاج إلى وقت أطول بكثير، ما جعل هذه العائلات تنتقل للعيش في رام الله.

يشير أبو إبراهيم (رئيس المجلس) إلى فلل وقصور فارغة، عددها يبلغ أكثر من 100، في معظم أيام السنة تكون خاوية، ولما يحلّ فصل الصيف تأتي معظم العائلات، ويعيشوا فترة شهرين إلى ثلاثة أشهر يتمتعوا فيها بجمال القرية بأشجارها وثمارها، وطقسها المعتدل، فالشوارع تعجّ بالحركة، وأصحاب المحال التجارية ينتعش بيعهم.

تجربة العودة

ذياب ياسين كان له نصيب في الغربة، وسافر إلى أمريكا عام 1978 وعاد عام 1990، وفتح مشروعًا مع زوجته في القرية ينتفع منه، "أدركت أنّ سنوات الغربة الطويلة لن أحصل منها إلا على أموال وشوق وحنين، فمهما طالت لن يكون لها أي قيمة أمام تناول لقمة خبز طابون تحت ظل شجرة لوز في بيتن".

يحاول أبو إبراهيم دعوة المغتربين للعودة، فكثيرًا ما يخاطبهم بحلاوة العيش على أرض أجدادهم، وبين طيبة أهل البلد، وأنّ هروبهم من هناك سيكون صيدًا ثمينًا لهم، فالمكسب كبير بالعودة، والاستثمار مفتوح في هذه البلد.

"المهاجرون القدامى لا ينسوا بلدهم، وهؤلاء يعلّمون أولادهم بحتمية العودة، حتى الأطفال هناك ينتظروا حلول فصل الصيف من أجل المجيء"، يضيف أبو ابراهيم

الزواج من أجل الجنسية

يذكر ذياب ياسين أنّ الكثير من الشبان عقدوا صفقة من نساء أمريكيات من أجل ضمان الإقامة، حيث يتزوجون منهن لفترة مقابل حصولهن على مبلغ من المال، لكن هذه الفترة غابت مثل تلك الاتفاقيات بفعل تشديد الحكومة الأميركية على إجراءات الزواج من الأجانب.

لا يغفل رئيس المجلس أنّ هناك ظاهرة من قبل بعض الشبان خارج القرية، بالتقدّم لفتيات من بيتين من أجل الحصول على الجنسية الأميركية للسفر والعمل هناك، الأمر الذي سبب الكثير من المشاكل بعد الزواج، حيث شهدت القرية العديد من حالات الطلاق بسبب ذلك.


اقرأ/ي أيضًا:

قصص لطلاب يُجيدون الحديث عن فلسطين

ع البسكليت.. رياضة وسياحة في فلسطين

كاتب نبيل في رجل نذل