05-يوليو-2018

على أنغام فدائي تفجرت ثوراتنا، وشددنا العزم على أرض الجدود، وغدت مدننا فوهة بركان من النار والدم وآيات الصمود، وبرغم كل العواصف خاض شعبنا نضالاً وحطم كل القيود، وأقسم من تحت ظل العلم بأن يحيا فدائيًا؛ ويمضي فدائيًا؛ إلى أن تعود أرض الجدود.

تلك هى معالم 70 عامًا مضت على كفاح شعبنا، ولخصها نشيدنا الوطني الفلسطيني؛ الذي قُدّر له أن يكتب قبل الاستقلال، إلى أن جاء ياسر عرفات عام 1994، واعتدنا على سماع نشيدنا الوطني في كل الاحتفالات الرسمية والوطنية.

 النشيد الاستعماري الإسرائيلي له علاقة قوية بما يحدث لنا اليوم من تقلبات ومواقف غير ثابتة، وبضياع القضية وقيادتها معًا

وحين قامت انتفاضة الاقصى عام 2000، بدأ جيش الاحتلال بتدمير مؤسسات السلطة في الضفة وغزة، واكتملت المأساة بما يسمى أحداث "الحسم العسكري"، أو "الانقلاب ضد السلطة"، ثم تفشت في غزة أزمات لا طاقة لها بها (بطالة، تلوث مياه، حصار، وانقطاع الكهرباء) وأصبحنا حائرين بينها وبين الأزمات الأكثر ضررًا على قضيتنا الفلسطينية، ومثال ذلك العقوبات الحالية المفروضة على غزة، وفشل المصالحة و"صفقة القرن"، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتراف ترامب بأن القدس عاصمة إسرائيل، وهجرة أبناء غزة، ومسيرة العودة وأبعادها، فجميع ما سبق ما هو إلا زوابع دائمة لا تمل ولا تكل أحداثها وتحليلاتها في عقلك، ومن ثم تدور وتدور و ترجع إلى حيث بدأت؛ دون الوصول إلى أفق أو رؤية استراتيجية، فما هو الحل؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ ومن هو المحاصر الحقيقي لنا في غزة؟ ومن الذي خطط وبرمج إلى أن أوصلنا إلى حالة التيه الحالية؟ أسئلة كثيرة تدور في العقل الفلسطيني، ربما تكون إجاباتها بين السطور التالية:

أولاً: النشيد الاستعماري الإسرائيلي له علاقة قوية بما يحدث لنا اليوم من تقلبات ومواقف غير ثابتة، وبضياع القضية وقيادتها معًا، فنشيد "الهتكفاه" - الأمل، تفسير يرمي الى تحرير الأرض من المحتلين الفلسطينيين حسب اعتقادهم، وهم يعيشون على أملٍ - منذ ألفي عام - بالعودة إلى فلسطين والقدس، مما يدلل على الأطماع الصهيونية منذ زمن بعيد بفلسطين والقدس.

كاتب هذا النشيد "هتكفاه" هو نفتالي هيرتس ايمبر، وقد نُشر لأول مرة عام 1886 حين زار نفتالي القدس! وتم اعتماد "الهتكفاه" في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، فيما تبنته الحركة الصهيونية عام1933، واعتُبر نشيدًا وطنىًا لإسرائيل غير رسمي سنة 1948، ثم أعلن الكنيست الهتكفاه النشيد الوطنى لإسرائيل عام 2004.

اقرأ/ي أيضًا: يهود الشرق: أسئلة وفصام الهوية

ولو فكرنا مليًا في هذه التواريخ، وتأملنا أكثر في أبيات "الهتكفاه" ومنها (أملنا لم يضع بعد، أمل عمره ألفي عام، أن نكون أمةُ حرة فى بلادنا صهيون *القدس*) كما أن لحن "الهتكفاه" عبارة عن صلاة يهودية قديمة، وينتهي بكلمة القدس، الهدف النفيس بالنسبة لهم. إذن؛ ماذا نستنتج من ذلك؟ إنهم يعيشون على أملٍ كاذبٍ بُنيَ على أسطورة أرض الميعاد المزعومة! للأسف كانت آمالاً ثم تحولت إلى أحلام قابلة للتحقيق، ونُفِّذت بالفعل بقتل وتهجير شعبنا الفلسطيني، فمنذ 70 سنة احتُلت فلسطين، وبعد السبعين نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، واعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بأن القدس عاصمة للكيان. فهم قوم يخططون، وعامل الزمن من أهم العوامل التي تعتمد عليها الصهيونية فى تحقيق مآربها. فما بين "الهتكفاه" ونقل السفارة عقود، وما بين نشيدهم واحتلالهم فلسطين عشرات السنين.

ثانيًا: بروتوكولات حكماء صهيون، والتى مضى عليها أكثر من قرن، وما هي إلا أفكار الصهيونية، وهى عبارة عن خطة لسيطرة اليهود على العالم سياسيًا وفكريًا واقتصاديًا، وعلى فلسطين جغرافيًا.

ومن بنود البروتوكولات إشعال نار الفتنة بين القوى لتتصارع وتصبح السلطة هدفًا مقدسًا، وافتعال الأزمات الاقتصادية حتى يخضع لهم الجميع، وكذلك الاستعانة بالانقلابات والثورات كلما يحلو لهم. فيما يوضح البروتوكول حسب نصوصه: "يعطى الشعب الحكم الذاتي فترة وجيزة لكى يصير هذا الشعب رعايا بلا تمييز، ومن تلك اللحظة تبدأ المنازعات والاختلافات، وىسرعان ماتتحول إلى معارك اجتماعية"، وهذا بند واضح لا يحتاج إلى تفسير، وقد طُبَّق علينا، وما كان المسؤولون الفلسطينيون في الضفة وغزة إلا وسائل تنفيدية.

تم كشف سر البروتوكولات مع أول مؤتمر صهيوني 1897، وهو ذات المؤتمر الذي اعتمد "الهتكفاه". ويُمكن القول، إنه بين حروف "الهتكفاه" و"بروتوكولات حكماء صهيون" عذابات شعبنا وأرضه السليبة، بينما عاشوا هم على أمل الاحتلال، ونحن الآن  نعيش على حلم الاستقلال، وأصبح نشيد الأمل يعزف فى بلاد اليأس يوميًا.

 الأحزاب الإسرائيلية جميعًا تنادي بإعادة بناء كيان أسطوري لمملكة اليهود في أرض فلسطين

ثالثًا: من خصائص الأحزاب الإسرائيلية، ورغم الاختلاف فيما بينها، إلا أن جميعًا تنادي بإعادة بناء كيان أسطوري لمملكة اليهود في أرض فلسطين. والأحزاب الإسرائيلية تتجه إجمالاً نحو اليمين، وتدعو لترحيل الفلسطينيين، كما أن الأحزاب اليسارية ومنها "مباموشنيوي" تنادى بضرورة تركيز يهود العالم بفلسطين. أما الأحزاب الجديدة الإسرائيلية، فهي تؤكد أيضًا على أن القدس عاصمة إسرائيل، أمثال حزب ييش عتيد (هناك مستقبل) الذي يعتبر القدس واللاجئين خارج نطاق المفاوضات، والأدهى والأمر حزب البيت اليهودى (لاحظ أسماء الأحزاب) الذى أُسس عام 2008، ويرفض المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ويدعو لإبقاء فصل غزة عن الضفة، ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين، فيما تعود جذور الحزب إلى حزب "المفدال"، وهو حزب دينى متطرف.

ويركز البيت اليهودى على التعليم، ويعتبره الوسيلة لفرض قيم الشعب والأرض والدين اليهودى، فيما يعلن نفتالي بينت زعيم الحزب بأن هذه الأرض لهم منذ ثلاثة آلاف سنة. ويدعو البيت اليهودي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وزيادة المستوطنات، وضم المناطق المحتلة إلى "السيادة  الإسرائيلية".

رابعًا: الدستور الصغير، أو ما يسمى بالقانون الانتقالى لسنة 1949، ومن بين أحكامه أن يكون الكيان دولة للأفراد فى جميع أنحاء العالم، وبالتالي إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتبرير الاستيطان، وكذلك القوانين الأساسية التى وضعت بدلاً من الدستور، ومنها قانون القدس عاصمة إسرائيل 1980، وينص على أن القدس عاصمة إسرائيل، وعلى وحدة شطريها الشرقي والغربي المحتلين سنة 1948، و1967.

فى النهاية، ربما صدفة الاشتراك بذات الاسم بين مؤلف النشيد الاستعماري الإسرائي، نفتالي هيرتس ايمبر، وزعيم البيت اليهودي، نفتالي بينت، فإن الأول كانت له آمال، والثاني عمل على تحقيقها وتنفيذها، ففي ذات الوقت، يعانى شعبنا الأمرين من الاحتلال ومشاريعه التهويدية ومحاولاته لتفتيت الأحزاب الفلسطينية ودعم الانشقاقات بداخلها، وحصار غزة، إلى أن أصبحت أسمى أمانينا كفلسطينيين تقتصر على رفع الحصار وحل أزمات غزة، فيما أصبح تحرير فلسطين كاملة أو حتى حدود 67 أوهامًا فى عالم الأحلام والأمنيات.

وبينما يعترى اليأس شوارع غزة وأزقتها، وتراه فى عيون الأطفال قبل الكبار، مايزل الإسرائيليون ينشدون "الهتكفاه" - الأمل فى بلادنا، بينما الفلسطينيون مدمرون بسبب آمال نفتالي السابق، وأفعال نفتالى الحالي.


اقرأ/ي أيضًا:

عن الخلاص الصهيوني: القدس شرطًا لعودة القدس

يهود الروح: الاستعمار الأمريكي والأسطورة التوراتية

مئة عام من عزلة اللغة في مواجهة وعد اللغة البيضاء