13-أكتوبر-2019

فلكيًا، يبدأ فصل الخريف في نصف الكرة الشمالي بالانقلاب الخريفي بتاريخ 21 أو 22 أيلول، وينتهي بالانقلاب الشتوي 21 أو 22 كانون أول. لكن هذا الفصل كانت له حسبة أخرى في فلسطين قبل عقود، فالخريف له "تباشير" تؤكد دخوله، وهي 11 علامة.

فصل الخريف له "تباشير" تؤكد دخوله، وهي 11 علامة يعرفها الفلاحون

والخريف، فصلٌ متقلب المزاج يجمع الفصول كلها في أيامه ولياليه، فيأتيك حينًا بالحرَّ الشديد، حتى أنهم قالوا "بين تشرين أول وتشرين ثاني صيفٌ ثاني"، غير أن شمسه مقبولة ومطلوبة، وفيه يداهمك البرد القارس، فقيل "برد تشرين أحد من السكاكين"، وتزهز فيه بعض النباتات كالطيون، وتُنضِجُ أيامه ثمر الزيتون و"بدور الزيت في الزيتون"، وتهل فيه السُحب حاملة معها الغيث، فأشهر الخريف الثلاثة من أشهر المطر السبعة في مناخ بلاد الشام.

اقرأ/ي أيضًا: شقائق النعمان.. أسطورة الدم والحب

والخريف، فصل الفلاحة والأرض، وللفلاحين معه حكايات وميقات وتقويم، وأهم ما فيه موسم قطاف الزيتون، ففي الثلث الأخير من أيلول يلملم الفلاحون آخر ما تبقى من ثمارهم الصيفية، مُودعين موسم القيظ وخيراته وغلاته، ويعلنون ترقب علامات الخريف، استعدادًا للبدء بدورة فِلاحة جديدة تُبنى عليها كُل حياتهم ومواسمهم ومحاصيلهم.

 ونسمع جملة من النصائح يرددها الكبار في فصل الخريف منها: "في الخريف أدارى في الصريف"، و"الخريف بخلي القوي ضعيف".

وعلامات الخريف كان الفلاحون والبدو يعرفون من خلالها فصل الخريف وأيامه وأمطاره دون أن يكون أحدهم على علم بتاريخ الأيام والشهور، حتى أنهم كانوا يعدون هذه العلامات واحدة تلو الأخرى، فإذا اكتملت أعلنوا بداية عام الفِلاحة الجديد، وصار سهلاً عليهم تحديد مواقيت قطف الزيتون وحراثة الأرض وبذار الحبوب وترقب الأمطار، ووصف وقت كل شتوة باسمها ومقدارها تقريبًا.

والتباشير هي أوائل كل شيء، كقولنا: تباشير الصباح، أي العلامات التي تحمل بشرى الخير. لكن ما هي هذه العلامات؟ وكيف لنا أن نعرفها؟

1. بواكير السُّحب والغيوم: "البشاير"

يقول المثل: "الخريف اللين من بشايره ببين"، ذلك أن أول هذه البشاير هي الغيوم التي تُولد في الجو قبل الخريف، فقد قيل بأن شهر آب "يفتح للشتا الباب"، وذلك لأن الغيوم كما يُعتقد تخلق في نهاية آب: "في آب تخلق السحاب"، لكن الأمر يُصبح واضحًا مع آخر أيلول، فنرى السحب تمر في الجو وتحجب عنا الشمس أحيانًا، وتسمى بالبشاير، أي بشاير الخريف. وفي المثل الشعبي: "إن غيم سماها أبشر بماها"، بمعنى إذا ظهرت الغيوم في السماء فأبشر بقرب المطر.

2. زهرة البُصيل أو العنصل: "كبريت الخريف"

يُسميها الفلاحون "البصل البري"، لأنها تشبه البصل البلدي لكن رأسها أكبر بكثير، وطول ساقها قد يصل لحدود المترين، وساقها رفيع وعليه أزهار بيضاء بنواة صفراء، وهي لا تعيش طويلاً، إذ يقتلها أول برد الخريف، ولها أسماء كثيرة في حوض البحر الأبيض، وتظهر في النصف الثاني من أيلول وتعتبر أيضًا كالغيوم من أوائل بشاير الخريف.

زهرة العنصل تُسمى "كبريت الخريف"، وفي الاعتقاد الشعبي كلما كان ساقها أطول كان المطر أكثر

وفي الاعتقاد الشعبي فإن طولها علامة على مقدار المطر، فكلما كان ساقها أطول كان المطر أكثر، ولذا يقوم الفلاحون يقياسها سنويًا.

العنصل - كبريت الشتاء

3. الطيون: "زهرة الخريف الصفراء"

الطيون شُجيرة مُعمرة لها زهر أصفر، يُعتبر تفتح زهرها بشارةً بحلول الخريف. ولهذه الشُجيرة رائحةٌ كافوريةٌ قويةٌ جدًا، وهي تنمو بكثرة في الأودية وعلى جنبات الطرق وفي المناطق الباردة والمناطق الرطبة وفي الظل. 

ويُقال إن اسمها كان في الأصل طيوبًا، لطيب رائحتها، ثم سُميت طيونًا لأن النساء استخدمنها في تطيين البيوت أواخر أيلول، ذلك أن الطيون يُزهر في أيلول / تشرين أول، ويكون أخضر على عكس غيره من الأزهار التي تكون قد يبست في هذه الفترة.

الطيون

4. هجرة الطيور

مع بدايات الخريف الأولى تزدحم سماء بلادنا بأسراب الطيور المهاجرة، هاربة من البرد مارّة ببلاد الشام نحو الشرق والجنوب طلبًا للدفء والغذاء. ومن أشهر أنواع الطيور المُهاجرة التي تعبر فلسطين: أبو سعد "اللقلق"، الوز، والقطا، والزرزور.

اقرأ/ي أيضًا: اللقلق.. بشير المطر والسعد وبطل الأساطير

وهناك جملة من الأمثال مرتبطةٌ بهذه الطيور وتبشر بموسم مطير: "أبو سعد دق الرعد"، "أجا وز العراق أبشروا بالخصاب"، "سنة الزرزور أحرث في البور".

5. شجرة الصبار: "شجرة الخريف"

شجرة الصبر "الصبار" يُسميها الفلاحون باسم "الخريف"، وهي من الأشجار التي تزرع في القرى الفلسطينية وكانت تستخدم كسياج حول الأراضي، ولا تزال في ذاكرة الفلسطينين رمزًا لقراهم المهجرة، والغريب أن هذه الشجرة التي تنضج ثمارها صيفًا في موسم القيظ، تنمو أوراقها في الخريف.

وتمتاز هذه الشجرة بأوراقها الخضراء السميكة الطويلة الخازنة للماء، ومن حجم ورقها يمكن تحديد كمية هطول المطر. فإذا نمت أوراق شجرة الخريف "الصبر" بشكل سريع، وبرز على جذوعها سيقانٌ صغيرةٌ بداية الخريف، فهذا يدل على أن نسبة البخار العالق في الجو كبيرة، وبالتالي فإن موسم المطر سيكون جيدًا، وستكون سنة خير وخصاب، ولذا قيل في المثل الشعبي: "إن تِخن الخريف أبشر بالرغيف"، بمعنى إذا كانت أوراق شجرة الخريف سميكة فأبشر بموسم قمح مميز.

6. سراج الغولة

سراج الغولة أو اللحلاح أو الزعفرانه، نباتٌ بريٌ شائع النمو في بلادنا، ينبت في أول الخريف بعد هطول أول شتوة. وتعتبر هذه النبته الرقيقة الليلكية اللون من أمارات الخريف الأولى وعلاماته، فظهورها وانتشارها في أوائل تشرين دلالة على الاستبشار بالمطر.

سراج الغولة

7. شتوة المساطيح

"شتوة" صغيرة تكون على شكل نُقط أحيانًا ولذا يقولون عنها "شتوة النقطة"، أو "شتوة الصليب"، لأنها تأتي بعد عيد الصليب 14 أيلول حسب التقويم الغربي، أو 27 أيلول حسب التقويم الشرقي، وفي المثل: "إن أجا الصليب روّح يا غريب" لقرب المطر.

وهناك من يدعوها "شتوة منبهات الرعنة"، لأنها تنبه المرأة الكسولة التي تأخرت عن إصلاح البيت وتطيينه ودهنه بالشيد وصبغه بنبات الطيون ذو الرائحة العطرية.

 وهُناك من يدعوها "شتوة الذبانة" - الذبابة، لكثرة انتشار الذباب على مساطيح التين التي لم تُجمع بعد من الكروم.

شتوة المساطيح يراها الفلاحون أول "شتوة" في العام الزراعي الجديد حسب تقويم بلاد الشام القديم

وهذه "الشتوة" من أمارات الخريف الأولى، وهي بحسب الفلاحين أول "شتوة" في العام الزراعي الجديد، حسب تقويم بلاد الشام القديم.

8. ارتيله "عنكوت المطر"

ارتيلاء، يُقال بأنها جنسٌ من العناكب الذئبية، وهي فئةٌ من العناكب الصيادة الأرضية التي لا تصطاد بالشباك كالعادة، وإنما تجلس مترقبة لتنقض على فريستها. وهذا النوع من العناكب يرعى صغاره بنقلهم على ظهره، لكن الاعتقاد الشعبي يقول بأن هذا النوع من العناكب لا يُسارع لنقل صغاره نهاية أيلول بداية تشرين أول، إلا خوفًا من مُهللات المطر القادمة مع أول الخريف.

عنكبوت ارتيلة

 9. تساقط أوراق الشجر

من العلامات الفارقة في فصل الخريف، تساقط أوراق الشجر، حيث تبدأ الأوراق بالذبول والاصفرار، وكأن الأشجار بذلك تدخل موسم الراحة الذي يُهيئها للبدء من جديد في الموسم القادم بشكل مُتجدد.

10. قصر النّهار وطول الليل

"أيام الزيت أصبحت أمسيت"، مثلٌ شعبيٌ يُقال للدلالة على قصر النهار لصالح طول الليل في الخريف، ويستطيع الفلاحون تمييز هذا التبدل بالوقت بين الليل والنهار قبل بدء الخريف رسميًا، حيثُ يظهر ذلك من أوقات شروق الشمس وغروبها.

11. هبوب الرياح

ومن علامات الخريف المُبكرة، هبوب الرياح الباردة، حيث تكون درجات الحرارة في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية منخفضة، وبالتالي تزداد البرودة ليلاً وفي ساعات الصباح المُبكرة، مما يُشكل زيادة في شدّة هبوب الرياح، وهنا يأتي التحذير من البرد: "الخريف بخلي القوي ضعيف".

هذه هي إذن نُذر الخريف الأولى، وأول تباشيره التي يَعُدها الفلاحون ويترقبونها، وبعض هذه العلامات تبقى لوقت متأخر في الخريف إذ لا تزول ببدء الخريف، وإنما يُمكن متابعتها ورصدها طوال الفصل المتقلب الأجواء.


اقرأ/ي أيضًا: 

رحلة شتوية في تراث فلسطين

قيظ فلسطين.. موسم السمر والحب ونضج الثمار

الفلاحات مطينات البيوت