26-يناير-2019

فكرة حركة فتح التي قالتها للسفير محمد العمادي، تتلخص في انتخاباتٍ عامةٍ ونوايا سفر إلى موسكو لإشغال الوقت بتفاصيل المصالحة، هذا هو الأمر في فتح، هذا هو ما في جعبتها من فكرٍ سياسيٍ للمرحلة الصعبة.

حماس ليست أفضل حالاً، فقد تموضعت في وضعٍ إقليمي صار مقبولاً في القاهرة وتل أبيب، وفي الإقليم العربي أيضًا، وهي تتطهر من التسوية على طريقة فتح، ولكن هي الأخرى ليس لديها فكرة عن مستقبلها، وعليها أن تدرك أن الاحتفاظ بنصرٍ عسكريٍ من منظور "القسام" فقط، لا يطعم خبزًا وتنمية وسياسة على المدى الطويل، ولا على المدى القصير المليء بويلات الحصار والعزل المضروب على كتلة سكانية ضخمة تحكمها حماس.

كلنا صرنا نسخًا سياسية باهتة، وغير معمقة، وبدون برامج سياسية عميقة، وبدون جمهور حقيقي

أمس كان زميلٌ لي فتحاويٌ من كتيبة "المتعلمين"، ينقل عن قائد من نفس الكتيبة دعمه لمسارٍ دبلوماسيٍ يشدد على أن النضال مشروعٌ في الأراضي المحتلة عام 1967 فقط.  طبعًا قال ذلك ردًا على مستوى أدنى من الدفاع عن العمليات النضالية في مواجهة عالمٍ يتوقع الفتحاويون أنه ضد العنف. المؤلم هنا أنه حتى "الكتائب الطاهرة" أو "المتعلمة" أو "غير المرسمنة" في فتح، صار لها سقفٌ منخفضٌ من التفكير السياسي، هذا ما يفكرون به في ظل الهدوء فكيف لو أن الانفجار حاصل.

اقرأ/ي أيضًا: حكومة جديدة: أقاويل كثيرة ولا أنباء مؤكدة

أسوق هذا الكلام وسط زحامٍ من الانتكاسات لكل الأطراف الفلسطينية. حماس متهمة بمقايضة الهدوء بالدولار، وفتح تدور حول نفسها في اجتماعاتٍ لمؤسساتها الداخلية فارغة من أية نتائج. كل الأطراف الفلسطينية متروكة على الصعيد السياسي من واشنطن، ومتروكة أيضًا من موسكو الجبانة، ومن الاتحاد الأوروبي الأشد نفاقًا، وتصويت الأمم المتحدة الأخير ضد صواريخ غزة دليل على ذلك. كلنا صرنا نسخًا سياسية باهتة، وغير معمقة، وبدون برامج سياسية عميقة، وبدون جمهور حقيقي، وتحولنا إلى طبقاتٍ وشرائح وحزمًا من المصالح، مثل حزم الانترنت التي تبيعها شركات الاتصالات.

الحكومة الحالية صارت تلقائيًا في حزمة الأزمات، قانون الضمان أزمة، مسيرات العودة أزمة، صفقة القرن وزلة لسان وزير الحكم المحلي أزمة، ويمين فنزويلا؛ ويمين العالم الجديد التابع لترامب أزمة. وفي الإقليم العربي والإسلامي ثمة اصطفافات نحن خارجها، أو نقف على مسافة واحدة من كل أطرافها. نحن فواعل هدوء وتنمية، لكن لا أحد يحتاجنا، وإن احتاجنا يفرض علينا المزيد من الهدوء هنا في الضفة أو غزة.

هذا الهدوء المغشوش، ليس بالضرورة أن نكون ضده مرة واحدة، ولكن بالإمكان أن نتسلل منه إلى مكانٍ يمكن البناء والتطوير فيه، فإذا كانت فتح والرئيس وحماس جادين في كل التصريحات، فيجب الإعلان عن حكومة تصريف أعمال تذهب لانتخاباتٍ عامة، والفائز يشكل الحكومة المقبلة.

وقد تكون أشهر تصريف الأعمال درسًا ونداءً أخيرًا لكل الأطراف، ما هي رؤيتكم الاستراتيجية؟ هاتوا شعاراتكم واصعدوا، لعلنا نصل مرحلة غير هذه التي نلوذ فيها بالإحباط والإهمال والهدوء المغشوش.

حكومة التصريف هذه قد تقفل الباب للأشهر المقبلة أمام كتائب المستوزرين والباحثين عن حصص، والمختبئين خلف بقايا فكر سياسي لا هو يومي ولا هو استراتيجي ولا مستدام. وربما تفتح علينا باب السماء لأفكارٍ سياسيةٍ مرحليةٍ أو بعيدة المدى، وتجبر كثيرين على الفاعلية السياسية، لأن الأطراف جميعها ستقف عارية أمام الجمهور، ما لم تجدد برامجها وشعاراتها وتتصالح وتتقاطع مع آخرين.

ليست حكومة تصريف الأعمال، الحل السحري، ولكن قد يكون توقيتها ومدتها الزمنية عاملاً ضاغطًا على السياسة الفلسطينية للخروج من "الهدوء المغشوش، والتنمية النائمة، والاستقرار المزيف".


اقرأ/ي أيضًا:

هل نشهد بوادر عصيان مدني؟

اقتحامات رام الله: إسرائيل تُجهز لـ"حل البلديات"

سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة المنسق