01-فبراير-2017

"هذا التقرير غير دقيق"، "تقليد"، "سرقوا تصميم تقرير العام الماضي" ثم أصبحت هذه العبارات "ليش اسمي مش موجود"، "ليش صفحتي مش مؤثرة"، "مين هذا المؤثر ما بعرفه"، "وع أي أساس اختاروا؟". هذه التساؤلات هي الأكثر تداولاً مؤخرًا بين ناشطين فلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي، يعترضون على التقريرين الصادرين منذ أيامٍ حول "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين عام 2016".

التقرير الأول نشرته شركةٌ فلسطينيةٌ ناشئةٌ متخصصةٌ بوسائل التواصل الاجتماعي تسمى "آيبوك" بعد شهرين من العمل المتواصل، والتقرير الثاني أصدرته شركة "كونسبتس" الفلسطينية من خلال مشروع "سوشال ستوديو" للمرة الثالثة على التوالي بعد فترة عملٍ مدتها أربعة شهور، بالشراكة مع مجموعة من الشركات الفلسطينية.

تقريران عن استخدام "السوشال ميديا" في فلسطين يجدان انتقاداتٍ وتشكيكًا، وتساؤلات عن أشخاص غير معروفين صُنفوا كمؤثرين

تقرير "آيبوك" تناول أرقامًا ومعلوماتٍ عالميةٍ حول الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ عام، ثم عرض هذه الأرقام والمعلومات فلسطينيًا، كما استعرض التحديات والأسباب لاستخدام الفلسطينيين لهذه المنصات والتطبيقات. وتناول التقرير أبرز الهاشتاغات على هذه المواقع، والمعتقلين بسبب استخدامها، كما استعرض أبرز 10 صفحاتٍ وحساباتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، وأكثر المواقع الفلسطينية تصفحًا.

اقرأ/ي أيضًا: محمد أبو خليفة.. استشهد سرُّه معه

أما التقرير الثاني "سوشال ستوديو" فيتناول أبرز الإحصائيات والسلوكيات الخاصة بالفلسطينيين في كل فلسطين على أكثر مواقع التواصل الاجتماعي استخدامًا، كما استعرض أداء حساباتٍ فلسطينيةٍ متنوعةٍ ومبادراتٍ مجتمعيةٍ، وتناول قضايا شغلت الرأي العام على أكثر من منصةٍ إلكترونيةٍ، وأبرز الهاشتاغات، وحالات الاعتقال على خلفية منشوراتٍ على هذه المنصات.

انتقادات حادة

هذان التقريران على الرغم من كثرة المؤيدين لهما، إلا أنهما في الوقت نفسه لم يسلما من انتقادات المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. فمع ظهور التقرير الأول الخاص بشركة "آيبوك"؛ وقبل صدور تقرير شركة "كونسبتس" بأيام، اعتبر العديد من الأشخاص أن التوقيت مقصود، وأن تقرير "آيبوك" مجرد تقليدٍ لتقارير "سوشال ستوديو" السابقة.

واعتبر العديد من النشطاء على مواقع التواصل، أن ظهور الشركة والتقرير كان مفاجئًا لهم وأنه كان يجب إخبارهم عنه مسبقًا. وبدا لافتًا أن بعض الأشخاص علقوا بمدح محتوى التقرير، إلا أنهم وبمجرد أن علموا أن الشركة المنتجة له ليست "كونسبتس" بدأوا بذمه واتهامهم بسرقة فكرة الشركة الأولى وتصميمها.

وكانت التساؤلات الأكثر تداولاً ردًا على هذه الانتقادات، "هل إعداد هذه التقارير حكرٌ على شركةٍ دون أخرى؟"، "أليس ايجابيًا أن نرى تنوعًا في التقارير بدلاً من محاربتها؟"، "هل هذه التعليقات السلبية كانت بسبب عدم إشراككم في إعداد التقرير؟".

ترد إيمان أبو شلبك أحد مستشاري التقرير في شركة "آيبوك"، أن الارباك والتساؤلات كانت لأن الشركة عملت بناءً على آلية التحليل الرقمي وليس تأثير هذه الصفحات والشخصيات على الواقع الفلسطيني، مضيفة، أن أحد الانتقادات الموجهة إلى التقرير كانت لنقص المعلومات، "لا يمكن أن يشمل تقرير واحد كل مواقع التواصل الاجتماعي ونحن نسعى لإصدار عدة تقارير تفصيلية أكثر وهذا التقرير الأول" وفقا قولها.

وتشير أبو شلبك إلى أن الأرقام الموجودة في التقرير ليست فقط حسب ما هو معروضٌ في مواقع التواصل الاجتماعي، بل بالاعتماد أيضًا على تقييم المواقع العالمية، مضيفة، "نحن لا نزعم أن نسبة الدقة فيه بشكل عام 100%، ولكن حاولنا قدر الإمكان إخراج تقريرٍ دقته تتجاوز الـ 90%، فالبيانات والأسلوب العلمي المستخدم جعل نسبة الخطأ لا تتجاوز الـ 5%".

وبعد مرور يومين صدر التقرير الثاني الخاص بمشروع "سوشال ستوديو"، فبدأت التعليقات تتحول من انتقادات للتقرير الأول إلى تساؤلات وتعليقات حول التقرير الثاني. البعض استغرب من وجود أسماءٍ "غير معروفة" تحت توصيف "مؤثرة"، وآخرون تساءلوا عن سبب إبراز أسماءٍ دون أخرى على الرغم من أنهم ليسوا الأكثر من حيث عدد المتابعين. كما اعترض الكثير من أصحاب الصفحات والحسابات التي تحظى بعددٍ كبيرٍ من المتابعين ولم يتم ذكرها في التقرير، وطالبوا الشركة بتوضيح آلية الاختيار والتصنيف، بالإضافة لانتقدات لاذعة لاحتواء التقرير على صفحات إسرائيلية.

ويجيب حسان جدة المشرف العام على تقرير "كونسبتس" أن هناك معايير مختلفة لاختيار الأشخاص والصفحات، "بدايةً ركزنا على الأرقام، ثم اهتممنا بالمنطقة الجغرافية لأن النشطاء الموجودين في الضفة وغزة قادرون على جمع عدد أكبر من المتابعين، من نُظرائهم في القدس مثلًا. كما اهتممنا بالمحتوى، فبعض الناشطين لديهم عدد متابعين متواضع ولكن لديهم محتوىً مميز وفريد، "وحرام نظلمه ونقارنه بأصحاب الأعداد".

وحول التقرير الأول الخاص بشركة "آيبوك" يقول حسان، نحن نرحب بأي جهد، والدليل تعاوننا مع مركز حملة الذي أصدر تقريرًا أيضًا. لكن ما حدث مع آيبوك ببساطة شركة منافسة وبدل أن تخرج بشكل وألوان خاصة فيها، استعملت نفس الأشكال والألوان التي نستخدمها، وهذا غير عشوائي.

شركة "كونسبتس" تتهم "آيبوك" بأنها سرقت تصاميمها لاستخدامها في تقريرها، وتعمدت اختيار موعد نشر التقرير بما يسبب جدلاً

وتابع، "نحن فحصنا تقريرهم ورأينا الألوان والخطوط والأشكال التي استخدموها، وكان من الواضح أنّ هناك عملية "نسخ لصق" من تقريرنا عام 2015، مضيفًا أنّهم خرجوا قبل إعلان موعد نشر تقريرنا بيومين، وهو ما أحدث خلطًا ولُبسًا بيننا وبينهم، وهذا سبب اعتراضنا.

من الأفضل بين التقريرين؟

يرى المختص في السوشال ميديا مأمون مطر أن تقرير "سوشال ستوديو" أكثر عمقًا في تحليل السلوك على شبكات التواصل الاجتماعية، وأنه في بعض الجوانب أكثر دقة، "كما أنه استخدم أدواتٍ بحثيةٍ إضافيةٍ غير البحث اليدوي".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيليون يفضحون جرائم جيشهم.. ماذا خلف ذلك؟

ويبين مطر، أن معدي التقريرين اعتمدوا بشكلٍ مباشرٍ على نتائج بعض المواقع الدولية التي تقوم بهذا التحليل بشكل روتينيٍ وتلقائيٍ، ويمكن لأي شخص شراء البيانات منها وتعريبها، مثل "سوشال بيكرز"، مضيفًا، "لكن المجموعة الثانية (كونسبتس) قامت بجهدٍ إضافيِ مثل التواصل مع الجمهور والحديث معهم حول بعض المعلومات التي أدت إلى بعض النتائج المستندة لهذا البحث الميداني، وهذه محاولةٌ جيدة".

ويقول خبير السوشال ميديا أحمد بركات، إن تقرير (كونسبتس) كان أكثر شموليةً وتضمن تفاعلاً أكبر مع الجمهور، وأن اهتمام "سوشال ستوديو" بترويج التقرير من خلال مؤتمرٍ جعله أكثر مصداقيةً بالنسبة للمتابعين والمهتمين.

ويشير بركات إلى أن تقرير "آيبوك" يميل إلى السياسة أكثر، "المفروض أعلنوا عن التقرير تحت اسم كيف كانت فلسطين سياسيًا على السوشال ميديا.. كان سيأخذ صدى أكبر، لأن كل الناس لديهم فضول في معرفة كيف كنا على السوشال ميديا سياسيًا في فلسطين".

بينما تجيب إيمان أبو شلبك، بأن التقرير ليس سياسيًا وأن الفكرة السياسية التي طرحت فيه لأن أغلب الأمور والمشاركات في فلسطين سياسية، "نحن أخذنا ما يحدث على أرض الواقع وترجمناه علميًا".

اعتمدت "كونسبتس" على "جوجل" في ترتيب المواقع، فيما اعتمدت "آيبوك" على "أليكسا"، وبدا تقريرها سياسيًا أكثر

وحول آلية العمل يقول بركات، إن التقريرين اختلفا في جوانب معينةٍ مثل ترتيب المواقع، وأن تقرير "آيبوك" اعتمد في الإحصائيات على شركة "أليكسا"، بينما اعتمد تقرير "سوشال ستوديو" على إحصائيات جوجل، "وجوجل أفضل نوعًا ما"، حسب قوله.

ويضيف، "كلا التقريرين بهما مصداقية لأنه في النهاية المصادر واحدة ومعروفة، ولا يوجد مجال لعدم المصداقية، الاختلافات بين التقريرين يمكن أن تكون في المواضيع المتعلقة في الرأي أو بعض الأمور المذكورة في تقرير وغير المذكورة في الآخر مثل اختلاف الهاشتاغات".

ويعلق مأمون مطر بأنه لا يوجد مجالٌ لمناقشة المصداقية في التقريرين، "نحن نتحدث عن معلوماتٍ رقميةٍ، إلا إذا كان الموضوع يمس الأسماء والصفحات أو ترتيبها على الشبكات الاجتماعية. وعند اختلاف أي أرقامٍ في التقييم فيجب أن نعلم أن هذه الأرقام ستختلف أكثر لو أن شخصًا آخر عمل دراسةً ثالثة، لأن زاوية التحليل ستختلف".

ويرى مطر، أن "أهم ما في الموضوع هو مدى نشاط الفلسطينيين على الشبكات الاجتماعية، وأن هذه الشبكات بدأت تأخذ دورًا مؤثرًا في تشكيل نشاط الفلسطينيين في محاور مختلفة، سواء كانت ثقافية اجتماعية، سياسية".

ويؤكد أن من أهم الملاحظات الإيجابية التي ظهرت في تقرير "سوشال ستوديو" هي أن مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تؤثر على النشاط التجاري والتسويقي، ويرى أنها من النقاط الهامة لتحول السلوك وقبول الفلسطينيين فكرة الاستخدام الإلكتروني في عملية التسوق.

رعاية التقارير

أُنجز تقرير شركة "آيبوك" اعتمادًا على تمويلٍ ذاتيٍ من قبل مجموعةٍ من الشباب الموجودين في فلسطين والولايات المتحدة، بينما حصل تقرير "كونسبتس" على تمويلٍ من مجموعةٍ من الشركات الفلسطينية.

ويرى أحمد بركات أن الشركات الراعية تؤثر سلبًا بشكلٍ أو بآخر، "هذه التقارير جهودٌ رائعةٌ من شركاتٍ شبابيةٍ ممتازة، إلا أنه من المفروض أن تتم هذه التقارير برعاية الحكومة ودائرة الإحصاء الفلسطيني، وبالتالي يكون هناك شفافية، ولن يكون هناك مجالٌ للتشكيك بأي من هذه التقارير"، يقول بركات.

مولت "آيبوك" تقريرها بدعمٍ شبابي فيما اعتمدت "كونسبتس" على شركاتٍ فلسطينية، ما يثير تساؤلات حول مصداقية المحتوى

وعند تواصلنا مع مركز الإحصاء الفلسطيني لمعرفة سبب عدم إجرائهم لهذا النوع من التقارير، أجابنا لؤي شحادة مدير العلاقات العامة قائلاً إن هذا خارج اختصاص الإحصاء، مضيفًا، "لا  نستطيع أن نذهب إلى كل بيت ونسأل مين عنده حساب على السوشال ميديا".

اقرأ/ي أيضًا: طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة!

ويضيف شحادة، أن مهمة الإحصاء الفلسطيني الرسمية هي جمع الأرقام والبيانات حول أوضاع الشعب الفلسطيني، مثل الصحة والتعليم والبطالة وهذه الأمور، "يمكن في المستقبل نعمل هكذا تقارير ولكن بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المعنية".

ويعلق مأمون مطر أن الرعاية دائمًا عاملٌ مؤثرٌ على العمل، "لكن في حال أرادت الشركات أن يؤخذ برأيها مستقبلاً ويتم التعامل معها كمركزٍ للتحليل، يجب أن تكون المصداقية هي أول أولوياتها، وأن لا تأخذ بعين الاعتبار كون أي جهةٍ من الجهات تموّل أي بحث.

وتابع، "تفنيد صدق أو كذب مثل هذه التقارير سهلٌ جدًا بالنسبة لأي شخصٍ مطلع، وبالتالي قد يكون الاختلاف في ترتيب بعض الصفحات يستند إلى زاوية التحليل أكثر من شراء ذمم".

ويعلق حسان جدة، أن الشركة التي أجرت التقرير هي شركة شبابية ناشئة وتحتاج لرعايةٍ حتى تخرج بهذا العمل، وتغطي التكاليف والأدوات التي تم استخدامها، مضيفًا، ""نحن ندفع المال لبعض المواقع لتمنحنا المعلومات الموجودة عندها".

ويشدد جدة على أن الشركات الراعية لم تتدخل في المحتوى أبدًا، وأن الشركة لم تغير الأرقام بناءً على أي رعاية، "فهذا يضر بمصداقيتنا"، مؤكدًا أن الشركات الراعية لا تطلع على التقرير إلا عندما يُنشر، ويمكن حينها إرسال ملاحظاتهم مثل سواهم لتُأخذ بعين الاعتبار إن كانت صحيحة.

ويتفق الخبيران بركات ومطر أن التقارير محاولةٌ فلسطينيةٌ إيجابية، وأنه من الجيّد أن يكون هناك من يتتبع النشاط الفلسطيني على الشبكات الاجتماعية، "لما لها من أهمية وتأثير على حياة الفلسطينيين ونشاطهم الإعلامي والتواصل في ما بينهم".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة