16-يونيو-2017

الشهر الفائت، قام النظام في مصر، بحجب غالبيّة مواقع المعارضة، وأكثرها تأثيرًا وزيارة (بحسب موقع إليكسا). استمر الحظر شهرًا كاملًا مليئًا بالنقاشات عن تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، خلال حظر المواقع تم عرض الاتفاقية على البرلمان وإقرارها، دون أيّ تأثير إعلاميّ معارض، وبالتالي غياب شعبي رافض قد يقلب موازين التصويت.

هناك جريمة تختمر في عقل أحدهم، ومدة الحجب هي الزمن اللازم لتحويل الخيالات والأفكار إلى واقع

وتمت الصفقة، ثم بدأ فك الحظر بعد يومين فقط -صباح اليوم- من إقرار الاتفاقية! وهو ما ينفي صفة الديكتاتورية عن النظام، بقدر ما يثبّت عليه صفة التآمر لحجب الحقيقة عن الشارع، وكتم صوت المعارضة لتمرير التنازل الذي أصاب وحدة وكرامة الأرض المصرية بمقتل.

حتى أن المواطن المصري ولشدة ذهوله وهو يرى جزءًا من أرضه يُباع، كانت ردة فعله أشبه بردة فعل الفتاة الجميلة "نور" في فلم "هي فوضى؟"، عندما تَصارع على قلبها رجل الأمن "حاتم" مع رجل القانون "شريف"، ولم يترك لها رجل الأمن فرصة لتختار، بل استطاع بسلطته المحتكمة للقوة خطفها، وتحميلها في قارب، ومن ثم اغتصبها على ضفة نهر النيل.

وتبدو المفارقة بين الفيلم والواقع في أنّ الصراع السينمائي كان على الاستحواذ، أو بين من تبادله "نور" ذات المشاعر، وبين من يريد أن يفرضها عليها، حتى نفّذ "الأمني" جريمته بالقرب من ضفة النهر الأكثر تاريخية من بين أنهار العالم، والذي كان المصريون القدماء يقدّمون له الفتيات العذراوات قربانًا لمنع الفيضان، ولكنّ نور قطعت النهر عائدة للمدينة وعلى فستانها الأبيض بقعة دم من أثر البكارة التي فُضّت!

وفي ردّة فعل تناقض تقاليد المجتمع والمكان، مشت نور في الشارع (بفضيحتها) مسيّرة بالصدمة، من دون أن تصرخ أو تحتج أو تُداري، فلم يعد هناك ما يمكن إنقاذه في مجتمع من النادر أن يتخطى النتيجة للحظة، لكي يتفرغ لمناقشة السبب.

وفي منظر هو الأكثر رمزيّة في الفيلم، وإذا كانت مصر هي المعادل الموضوعي لنور، والصراع عليها هو بين القوة والقانون، وقبل ليلة واحدة من عملية الاغتصاب، نظر حاتم لصورة لنور المعلّقة في غرفته، ليمارس عليها كل خيالاته الجسدية، وفي لحظة تبلور خطة الاغتصاب في ذهنه، سحب مسدسه وأطلق رصاصتين على عينيها في الصورة، وأطفأ نورهما. وكأنّه شعر بها تراقب أفكاره، فحجب برصاصتين أكثر الحواس ارتباطًا بالمكان.

أمّا العقل، فقد تعطّل تلقائياً من هول الصدمة، وهو ما جعل مصر بعد تسليم جزء من أرضها، تعود للضفة الغربية من البحر الأحمر وهي مليئة بدمها ودموعها، وإلى الآن صامتة..

اليوم صباحًا أزيل الحجب عن صحف المعارضة المصرية، بعد إتمام صفقة إقليمية بدأت مشاهدها الأولى تتكرر في فلسطين، وأوّل تلك المَشاهد بحسب عقيدة رجل السلطة والأمن، هو ألّا يشعر سيادته بأن البلد تراقب أفكاره، فيقوم بإصدار القرار بحجب المواقع المعارضة، أو بإطلاق الرصاص على الأعين، فقضية الحجب ليست شخصية أو تنافس بين أحزاب، بقدر ما تمس المكان والسيادة والتاريخ، وأنّ هناك جريمة تختمر في عقل أحدهم، ومدة الحجب هي الزمن اللازم لتحويل الخيالات والأفكار إلى واقع.

ولنتعلّم من الفوضى المصرية!


اقرأ/ي أيضًا: 

بين المقدس الفلسطيني والمدنس العربي.. عدمية سياسية

بينما نلهو.. "إسرائيل" تصنع مجدًا!

كيف أصبحت أيّامنا بعد حزيران كُلّها حزيران؟