23-يوليو-2017

استاء الكثيرون من خطوة  النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي محمد بركة بتقديم العزاء لعائلتي شرطيين إسرائيليين قتلا خلال عملية باب الأسباط. وفي الوقت الذي وضّح بركة من خلال منشور عبر حسابه على موقع فيسبوك، أن "تقديم العزاء جاء كواجب إنساني اجتماعي للعائلتين أولًا، ولوأد خطر الفتنة الطائفية ثانيًا"، فإن هذا لم يغيّر من رفض الكثيرين لهذه الخطوة، بل واعتبارها مناقضة لما كتبه بركة في ذات المنشور، حيث قال: "موقفنا هو رفض الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال وفي أجهزته المختلفة هو موقف لا يتزعزع".

وفي قراءة لما حدث، ربما يكون النائب بركة قد رأى في تقديم العزاء شكلًا من أشكال المساندة للطائفة الدرزية؛ التي تتعرض للكثير من المضايقات والانتقادات، بسبب خدمة الكثير من أبنائها في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي.

 الصهيونية كلمة لا تأخذ حقها في الاستخدام فلسطينيًا، واختيار كلمة اليهود للتدليل على العدو ظلم كثيرًا من اليهود حول العالم، وتغاضى عن أعداء حقيقيين للقضية 

ولأنّ عملية باب الأسباط التي قتل خلالها الشرطيان المنتميان للطائفة الدرزيّة، نفذها شبان من أم الفحم في الداخل الفلسطيني؛ فهذا يجعل الوضع حساسًا ومعقدًا، وكأنّ "القاتل والمقتول أولاد عمومة مثلًا". وهُنا يأتي صوت المعترضين والمطالبين بحذف الجملة بين التنصيص، لأن الجندي الذي اختار أن يقاتل في جيش احتلال لا يمكن النظر إليه كأخ أو ابن عم، مهما كان شكل العلاقة التي تجمعه بالطرف الآخر الذي يعاني من الاحتلال.  

لطالما كان كل شيء يتعلق بالدروز حساسًا جدًا. الفلسطينيون في الضفة الغربية لا يعرفون عنهم الكثير، والصورة التي قد تخطر على بال الكثيرين منهم عند ذكر كلمة درزي، هي جندي الاحتلال الاسرائيلي الذي يتحدث العربية بطلاقة، والذي كما كانت تصفه الجدات والأمهات "الأكثر لؤمًا عند اقتحام البيوت وتفتيشها!" ولفهم كيف تشكلت لدى الفلسطينيين هذه الصورة عن الدروز من المفيد، أن نقرأ مقالًا كتبه الباحث عز الدين التميمي بعنوان "قصة سلخ الدروز عن الوطنية الفلسطينية".

اقرأ/ي أيضًا: يحدث تحت أنوفنا.. عن اللجوء الأفريقي إلى إسرائيل

يوضح التميمي في مقاله ظاهرة سلخ مجموعات أثنية من وطنيتها، من خلال ربطها بآراء ومواقف سياسية، فيقول: "لكن أحد الصفات الأساسيّة المكوِّنة لهذه الظاهرة، هو تكوّن أو تكوين موقف سياسي خاص، ومنفصل على أساس دينيّ أو إثنيّ، عندها تكتسب الطائفة دورًا جديدًا إضافة إلى كونها مجموعة من الناس المؤمنين بمعتقدات دينية مشتركة، إلى أن تصير أيضًا مجموعة من الناس الذي يؤمنون بمواقف سياسية مشتركة. وفي حالة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين فإنها تشكل مواقف سياسية إثنية مخالفة، فرّقت بين الفلسطينيين، ومايزت بينهم".

الصهيونية كلمة لا تأخذ حقها في الاستخدام فلسطينيًا رغم أهميتها. وبينما اختار الكثيرون كلمة اليهود للتدليل على العدو، فإنهم ظلموا بتعبيرهم هذا الكثير من اليهود حول العالم؛ الذين يؤمنون بفلسطينية الأرض، وتغاضوا أيضًا عن الكثير من الأعداء الحقيقيين للقضية، لمجرد أنهم ليسوا يهود. وفي توضيح مُبسّط، فإن الصهوينية قد تضم أفرادًا من أديان مختلفة، فهنالك صهاينة مسلمون، وصهاينة مسيحيون، وصهاينة يهود، وهؤلاء كلّهم أعداء مهما بلغت التشابهات العقائدية أو العرقية بينهم وبين الشعوب المحتلة.

من أجل ذلك فإن التعزية بقتلى جنود الاحتلال من الطائفة الدرزية لا يعتبر مساندة للطائفة الدرزية، بل يزيد من حالة التيه في تعريف العدو التي يعيشها الفلسطينيون، فالأصل أن يكون الرفض لسياسات الاحتلال واحدًا أيًا كانت الانتماءات الدينية أو العرقية لممارسها.

 التعزية بقتلى جنود الاحتلال من الطائفة الدرزية يزيد من حالة التيه في تعريف العدو التي يعيشها الفلسطينيون 

لطالما وجدت في هتافات "خيبر خيبر يا يهود جند محمد سوف يعود" تعزيزًل لحالة التيه في تعريف العدو، وانتقاصًا من حقيقة القضية الفلسطينية وحجمها، لما فيها من إقصاء للكثير من مقاتلي القضية والمدافعين عنها من غير المسلمين. كما أن فيها تجاهلًا لمعاناة الكثير من الفلسطينيين غير المسلمين من الاحتلال، بل وتهميشهم وحرمانهم من دورهم في المعركة.

صحيح أنّه لا يمكن النظر إلى الهجمات الإسرائيلية على الأماكن المقدّسة الإسلامية بمعزل عن التفكير بالدين. ويمكن تفسير ذلك بأن الاحتلال يسعى لمحاربة الإنسان الفلسطيني وإيذائه بكل ما هو مهم وحساس لديه، ومن أجل ذلك يتم استفزاز الفلسطينيين عبر أكثر الأشياء أهمية بالنسبة لهم، فيأتي الاعتداء على الأماكن الدينية لكسر روح الإنسان وكرامته الشخصية، فالمساس بمعتقدات الإنسان وبيته وأفراد أسرته هو محاولة لإخضاعه نفسيًا ومعنويًا، وهذا جزءُ مهم من المعركة.

لولا أنّه يحظر علينا التحدث بأمور السياسية والدين في العمل، لكنت توجهت لمكتب مديري وأريته فيديو لجنازة الشرطي كميل شنان، بالتأكيد كان مشهد التابوت الملفوف بالعلم الاسرائيلي والشيخ الذي يتلو آيات القرآن الكريم بجواره سيشوّش عليه الكثير من أفكاره حول القضية الفلسطينية، هو الذي سألني بكثير من اللوم وخيبة الأمل: من المؤلم أنّ المسلمين واليهود لم يستطيعوا ورغم كل هذه السنين أن يجدوا طريقة ما للعيش معًا بسلام، أليس كذلك؟!


اقرأ/ي أيضًا:

الشباب الدرزي.. لن أخدم محتلي

إسرائيل عندما تعول على الواقي الذكري

دماء الهنود الحمر من أجل غسل ذنوب إسرائيل