08-يناير-2019

في معظم الحالات التي تقع فيها أحداث فلسطينية داخلية ذات علاقة بالانقسام تبقى الحقيقية غائبة، ويقدّم كل طرف روايته، وعلى باقي الأطراف الفلسطينية الواقعة خارج معادلة الانقسام أن تناصر طرفًا على حساب طرف آخر من أطراف الانقسام، وإلا حُسبت على الطرف الآخر.

  طرفا الانقسام يتفقان على العداء للحقيقة  

أحداث عدة وقعت وما زالت تقع على خلفية الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة، والروايات التي تُنقل لا تقنع أحدًا سوى أطراف الانقسام، ونادرًا ما نرى وسائل إعلام محايدة تنقل لنا الحقيقة وتخبرنا بما جرى، وتعوض عن ذلك بنقلها للروايتين على قدم المساواة، وهي تبدو بذلك على مسافة واحدة من الطرفين.

هذه الصورة تكررت في الضفة والقطاع، ولم يتمكن الجمهور من معرفة حقيقة ما جرى، لا في الأحداث التي وقعت في الخليل على خلفية احتفال حركة حماس بانطلاقتها وتعرض امرأة للتعنيف، ولا تلك التي وقعت في غزة على خلفية احتفالات انطلاقة فتح، وتبعها خبر اقتحام مقر تلفزيون فلسطين وتدمير محتوياته. هُنا يقدّم كل طرف روايته، وعلينا قبول إحدى الروايتين حتى دون إتاحة الفرصة للتحقق من مصداقية المعلومات.

 أحداث عدة وقعت وما زالت تقع على خلفية الانقسام في الضفة الغربية وقطاع غزة، والروايات التي تُنقل لا تقنع أحدًا سوى أطراف الانقسام  

هذه الديباجة مستمرة ويتواصل طرحها بقوة منذ بداية الانقسام عام 2007. حتى مؤسسات حقوق الإنسان متهمة بالتحيّز وعدم الموضوعية، رغم أنها تصدر مواقف في مختلف الأحداث التي تقع، وتتسم مواقفها بدرجة مقبولة من المهنية والموضوعية.

الأجواء في غزة والضفة بدت هذه الأيام شبيهة بما كانت عليه قبيل وأبان الأحداث المشؤومة، وماكنة التعبئة والتحريض عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على أوجها، وكأنها تنذر بأحداث أشد خطورة من تلك التي وقعت عام 2007.

الخطيئة التي وقعنا بها فلسطينيًا منذ الانقسام ولغاية اليوم، هي أن الحقائق ما زالت مخفية، ولم يجر أي تحقيق رسمي أو وطني. وهرب الطرفان في حوارتهما باتجاه الوصول إلى اتفاق مصالحة دون تحقيق مهنيّ جاد يوضح الأسباب والوقائع والنتائج المتعلقة بالانقسام، ودون أخذ العبر أو محاسبة من ارتكب جريمة، وكانت مصلحة الطرفين إخفاء الحقيقة عن الجمهور.

  نادرًا ما نرى وسائل إعلام محايدة تنقل لنا الحقيقة وتخبرنا بما جرى  

أعتقد أن على مؤسسات المجتمع المدني، والأحزاب السياسية التي لم تتورط في جريمة الانقسام، إضافة إلى القوى المجتمعية الفاعلة أن تبادر لتشكيل لجنة تقصي حقائق وطنية، تتولى التحقيق في جريمة الانقسام السياسي والجغرافي المزدوج الذي حطم وحدة الوطن وما زالت تبعاته مستمرة حتى اليوم، وأن تتكون هذه اللجنة من شخصيات مهنية مستقلة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة، لتعمل على إعداد تقرير شامل يكشف كافة المعلومات المتعلقة بالانقسام، وتحدد المسؤوليات بوضوح، وتضع الحقيقة الغائبة أمام الجمهور، وترسم لنا خارطة طريق تمكننا من إزالة كافة آثار هذه المرحلة البغيضة، وتحررنا من أوهام المصالح المتجذرة لدى الطرفين، والتي غلبت مصالحهما الفئوية الشخصية الضيقة، على مصالح العامة.


اقرأ/ي أيضًا: 

"العراقيب" نموذج في رفض المشروع الصهيوني

سالب رابين

في المواطن اللاسياسي