20-سبتمبر-2021

صورة توضيحية - gettyimages

ما إن وضعت الحرب على غزة في شهر أيار/مايو أوزارها، حتى عاد الوضع الداخلي إلى الاحتقان، خاصة في الضفة الغربية التي شهدت أحداثًا ساخنة بدأت بمقتل المعارض نزار بنات، ثم قمع الاحتجاجات على مقتله واعتقال نشطاء وحقوقيين وباحثين شاركوا فيها، ما أثار انتقاداتٍ واسعة لنهج السلطة الفلسطينية داخليًا، وتساؤلاتٍ حول دوافع هذه "الانتهاكات للقانون" كما يصفها مختصون.

الجاغوب: حماس تعتقد أنها حققت مطالبها بعد كل حرب يتم الترويج بعدها للانتصار، فترفع سقف مطالبها في المصالحة

هذه الظروف جعلت المصالحة الداخلية أبعد ما يكون إلى أجل غير مسمى، بعد أن كان تحققها ممكنًا -بنظر كثيرين- من خلال الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان مقررًا عقدها في شهري أيار/مايو وتموز/يوليو، قبل أن يُقرر الرئيس محمود عباس تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

اقرأ/ي أيضًا: المشاريع الوطنية الفلسطينية

يقول رئيس المكتب الإعلامي في مفوضية التعبئة والتنظيم لحركة فتح منير الجاغوب، إن "حركة حماس قبل الحرب غير حماس بعدها، فهي تعتقد أن الشارع الفلسطيني بأكمله معها، ويمكن أن يحققوا شيء على صعيد المحاصصة" بحسب قوله.

وتساءل عن إمكانية دخول حركة حماس إلى منظمة التحرير الملتزمة باتفاقيات مع الاحتلال ترفضها الحركة، "فرغم أن الاحتلال لا يعترف بأي اتفاقية بتاتا وخاصة اتفاق أوسلو التي لم تلتزم به، إلا أننا متمسكون باتفاقية أوسلو لأنها أول مدخل لوجود كيان فلسطين وحقوقنا الفلسطيني، ونحن لا نلتقي مع حماس في هذه القضية".

وتابع، "حماس تعتقد أنها حققت مطالبها بعد كل حرب يتم الترويج بعدها للانتصار، فترفع سقف مطالبها في المصالحة".

وأكد الجاغوب، أن العملية السياسية بين حماس وفتح "معقدةٌ جدًا"، معتبرًا أن كل محاولات المصالحة بين الحركتين كانت تصطدم "بمعيقات أغلبها من طرف حماس"، مضيفًا، "نحن ندور في حلقة مفرغة وصعبة، فحتى لو قبلت حماس الدخول بحكومة وحدة وطنية، لن يتم الأمر بسبب عدم اعترافها بالتزامات منظمة التحرير".

الجاغوب: حتى لو قبلت حماس الدخول بحكومة وحدة وطنية، لن يتم الأمر بسبب عدم اعترافها بالتزامات منظمة التحرير

ورأى، أن حكومة إسماعيل هنية فشلت إداريًا عام 2007، "فالعالم ينظر إليها على أنها منتصرة، ولكن واقعيًا هناك فشل في إدارة الحالة المجتمعية في غزة، وهذه التجربة الفاشلة لا يمكن أن تأتي بها إلى منظمة التحرير".

اقرأ/ي أيضًا: محاولة لتفسير ما يجري من قمع غير مسبوق‎‎

واعتبر الجاغوب، أن حركة حماس "لم تنجح في فرض قوة المقاومة في قطاع غزة، ولم تنجح في استرداد شبر واحد من الأرض المحتلة"، بل خاضت أربعة حروب بدون أي نتيجة لا داخليًا ولا على مستوى التحرير، "باستثناء ارتفاع المعنويات التي تحققها".

وأضاف، "يجب التفكير كيف نزاوج بين القوة حتى لو كانت بدائية وبين العمل السياسي وهو أمر مفقود وسبب لفشل الحوار النتاج عن عدم ثقة بين فتح وحماس".

في المقابل، يقول الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، إن السلطة الفلسطينية ليست مستعدة للتصالح حتى مع مكونات حركة فتح نفسها، "وبالتالي فهي أبعد من أن تتصالح مع الآخر الفلسطيني سواءً حماس أو غيرها من القوى".

يشير قاسم إلى القمع الذي نفذته أجهزة أمن السلطة في الضفة خلال الشهور الأخيرة، معتبرًا أنه منفصلٌ عن ملف المصالحة، لكن له تأثيرٌ سلبيٌ واضحٌ وكبيرٌ على مسارها، ليس فقط بين فتح وحماس، بل بين السلطة وكل "الآخر الفلسطيني" سواءً النشطاء او الأحزاب أو قوى المجتمع المدني.

قاسم:  القمع الذي نفذته أجهزة أمن السلطة خلال الشهور الأخيرة منفصلٌ عن ملف المصالحة، لكن له تأثيرٌ سلبيٌ واضحٌ وكبيرٌ على مسارها

واعتبر، أن السلطة "تعجز عن فتح المجال أمام القوى السياسية والنشطاء، وتعجز عن تحقيق أي إنجاز ملموس للشعب الفلسطيني، فتلجأ إلى القمع (..) وهو سياسة ثابتة ومنهجية معتمدة لديها" كما يقول.

اقرأ/ي أيضًا: الاعتراف بالتمثيل.. قلب معادلة السياسة الفلسطينية

وينفي قاسم أن تكون حركة حماس قد رفعت سقف مطالبها في اجتماع القاهرة الذي أعقب "معركة سيف القدس"، واستدرك بأن الحركة أرادت مدخلاً سليمًا لإنجاز ترتيب حقيقي للبيت الفلسطيني على كل مستوياته السياسية والإدارية".

وأضاف، "رأت حماس ومعها قوى فلسطينية كبيرة أن مدخل حكومة وحدة قد جُرّب سابقًا وحماس سلمت الحكومة في غزة وجربت موضوع الانتخابات البلدية التي عطلتها السلطة في آخر مراحلها، وكذلك الانتخابات التشريعية التي عطلتها السلطة كما حصل مؤخرًا".

وأوضح، أن حركة حماس أرادت أن تطرح نهجًا جديدًا جادًا للمصالحة، وهو أن تبدأ بمنظمة التحرير التي تعتبر المظلة الشاملة لأن تكون مدخلاً لترتيب الحالة الفلسطينية، لأنها تمثل الفلسطيني في الداخل والخارج، مضيفًا، "لا يجب أن تقتصر الحالة الفلسطينية على إقليم قطاع غزة وإقليم الضفة الغربية، بل يجب أن يشمل ترتيب الحالة الفلسطينية أينما وجدت، ولا يوجد مظلة تقوم بهذا الدور سوى منظمة التحرير، وهذا ما طرحته حماس".

ينفي قاسم أن تكون حركة حماس قد رفعت سقف مطالبها في اجتماع القاهرة، بل أرادت مدخلاً سليمًا لإنجاز ترتيب حقيقي للبيت الفلسطيني

وتابع، "ثم إن المنظمة يجب أن تكون مُخوّل بها القرار السياسي، وقرار المواجهة وشكل المواجهة وأدوات المواجهة وساحات المواجهة. هذا كله يتطلب ترتيب المظلة الكبرى وليس فقط موضوع الحكومة التي يتعلق بها الشق الخدماتي والإداري".

اقرأ/ي أيضًا: عن السلطة الفلسطينية والقتل بالوكالة

وأكد قاسم، أن حركة حماس لم تطلب حصة أو نسبة من التمثيل في منظمة التحرير، بل أن يتم ترتيب مؤسسات المنظمة، واختيار مجلس وطني جديد يُفرز مجلسًا مركزيًا ولجنة تنفيذية جديدة ورئاسة لجنة تنفيذية، وأن تكون طريقة الاختيار قائمة على الانتخابات".

وبينما يرى الجاغوب أن "المشكلة الأساسية مع حماس هي عدم الوضوح، ولذلك كان الرئيس واضحًا في الرسالة الأخيرة التي بعثها مع منيب المصري، وطلب من حماس الموافقة على مطالب الشرعية الدولية، وهو ما لا يروق لحماس". فإن قاسم يرى، أن السلطة ترى في المصالحة "فرصة لإخراج الآخر الفلسطيني من المشهد السياسي"، معتبرًا رسالة عباس إلى المصري "دليلاً على غياب أي جهد حقيقي من السلطة للمصالحة، وأنها تضع شروطًا على أي جهد، رغم أن عباس التقى بيني غانتس دون أن يشترط عليه الالتزام بالقرارات الدولية".

من جانبه، يقول المحلل السياسي خليل شاهين، إن "الخوف الداخلي من حركة حماس وتحركات الشارع، وعدم وجود يقين سياسي تجاه مستقبل السلطة، ووصول المشروع السياسي إلى طريق مسدود، كلها تدفع السلطة باتجاه التمسك بسياسة البقاء والحفاظ على الوضع الراهن بالسياسة البوليسية التي تتبناها، والتي تؤدي لإعادة تعزيز الارتباط بدولة الاحتلال كأنها خشبة خلاص بدلاً من تطبيق قرارات منظمة التحرير بفك الارتباط".

توقع شاهين، أن تشهد الساحة الفلسطينية مزيدًا من التسلط والقمع تجاه أي حراكات

وتوقع شاهين، أن تشهد الساحة الفلسطينية مزيدًا من التسلط والقمع تجاه أي حراكات خاصة إذا انتقلت من قضية نزار بنات إلى الاعتراض على السلام الاقتصادي وإجراءات بناء الثقة أو أي توجه سياسي يدعو إلى عودة المفاوضات.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطين والبحث عن لحظة ربيع عربي جديدة

ورأى، أنه منذ توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة في أيار/مايو 2011، ما زالت الأمور ترواح مكانها. "فهناك ضرورة بأن تقر حركة حماس بالفعل وليس بالقول استعدادها لإنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، مقابل أن يقر الرئيس وحركة فتح إنهاء الهيمنة الأحادية على مؤسسات العمل الوطني (السلطة ومنظمة التحرير الفلسطيني)، لأن تمسك كل طرف بهيمنته تؤدي إلى الحصول على نفس النتيجة وفشل المصالحة".

ويرى شاهين، أن الوصول إلى هذه المعادلة التي تعني الشراكة الكاملة، ينبغي معالجة كافة ملفات الانقسام بطريقة تُفضي إلى إعادة دمج وتوحيد المؤسسات الأمنية والمدنية والقضاء، وغير ذلك من الملفات العالقة، إلا أنه "يمكن القول أن حماس رفعت سقف مطالبها في الاجتماع الأخير والسلطة اتخذت من ذلك ذريعة لعدم إتمام المصالحة".

وأضاف: "المشكلة الأساسية أن تفاهمات اسطنبول كانت تعني في جوهرها الذهاب لانتخابات مضمونة النتائج بشكل مسبق، والاتفاق على دخولها بقائمة مشتركة كان يعتقد الرئيس محمود عباس، أنها ستحقق أغلبية لحركة فتح في عضوية المجلس التشريعي، وإقرار من قبل حركة حماس بعدم ترشيح ودعم أي منافس للرئيس الذي كان المرشح المتوافق عليه، والاتفاق على إعادة تشكيل المجلس الوطني، وهي مقاربة دفعت الرئيس للموافقة، لأنها قادرة على احتواء حركة حماس التي ستحصل على مقاعد في المجلس التشريعي لا تؤهلها لتكون معرقلاً لسياسته، وبالتالي الذهاب لانتخابات تعزز شرعيته من جديد".

شاهين: ينبغي معالجة كافة ملفات الانقسام بطريقة تُفضي إلى إعادة دمج وتوحيد المؤسسات الأمنية والمدنية والقضاء

أما بالنسبة لحركة حماس، بحسب شاهين، فإن هذه التفاهمات تعني أنها لن تخسر ما هو موجود بيدها، ولم يطلب منها أحدٌ إنهاء سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، لا قبل ولا بعد الانتخابات، وبالتالي أخذت بالنصائح الإقليمية وذهبت للانتخابات التي ألغيت لخشية الرئيس من فشل فتح تبعًا للمؤشرات واستطلاعات الرأي.

ويعتقد شاهين، أن حركة حماس "بالغت في رؤية الإنجاز الذي تحقق بعد الحرب، إلى الحد الذي اعتقدت فيه أن المجتمع الدولي سيقر بوجودها باعتبارها رقمًا صعبًا يصعب تجاوزه، وربما تضغط هذه النتائج على إسرائيل لتخفيف الحصار وهدنة طويلة المدى".

وتابع، "اعتقدت حماس أنه ربما يكون لها اليد في فرض شروطها بالانتخابات. في المقابل كان الرئيس يشعر أنه انتصر أيضًا خاصة مع زيارة سبعة وزراء خارجية خلال الحرب، وشعر أن العزلة التي كانت مفروضة عليه قد انكسرت، واعتقد أن مصادر الشرعية الخارجية قد تغنيه عن الداخلية في هذه المرحلة، وهو الأمر الذي أدى إلى تجاهل المصالحة الداخلية".

وأوضح شاهين، أن هذه الأحداث "دفعت عباس إلى البدء من نقطة الصفر بعيدًا عن الانتخابات، بتشكيل حكومة وحدة وطنية بمعايريه وشروطه، ثم إعلان أنه يريد من حماس أن تعترف خطيًا بقرارات الشرعية الدولية كشرط للحوار معها وليس كشرط لتحقيق المصالحة". وأضاف، "في المقابل قفزت الأخيرة إلى ما تريده، من الإبقاء على قطاع غزة تحت سيطرتها وطرحت موضوع المجلس الوطني ومشاركتها بمنظمة التحرير".


اقرأ/ي أيضًا: 

حوار فلسطيني برعاية "فرع فلسطين ومخابرات السيسي"

الحركات الاجتماعية والفساد السياسي