09-فبراير-2021

SAID KHATIB/Getty/ أرشيفيّة

مقال رأيّ | 

الفصائل الفلسطينية المشاركة في حوار القاهرة، بنسخته المصرية التاسعة أو العاشرة، هي امتداد لحوارات في مدن عربية مثل بيروت والدوحة ومكة، وإقليمية مثل تركيا وطهران وموسكو، وبعضها خلص لاتفاقات بأسماء الأماكن، كل الحوارات واللقاءات تحمل ثابت أمني للتعامل معها، فلا يمكن إدارة الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، سواء المتعلق منها بترتيب الوضع الداخلي، أو المعني برؤية سياسية بشأن ملف قضية فلسطين، دون تدخل الأجهزة الأمنية المختلفة الإسرائيلية والعربية، عدا عن رسائل مختلفة يحملها الراعي لهذه الحوارات للطرف الفلسطيني.

من الصعب أن يتصوّر المرء حوارًا فلسطينيًا - فلسطينيًا دون حضور العنصر الأمني فيه، خصوصًا في دمشق ورام الله وبيروت والقاهرة   

وكما هو معروف بات جهاز المخابرات المصرية، هو المعني بملف غزة كمعبرٍ يخضع للمراقبة الشديدة والحصار المطبق، ومعنيٌ أيضًا بجمع كل معلومة صغيرة وكبيرة، لنقل الرسائل للإسرائيلي والعربي والأمريكي، من ثم يأتي الحديث بالسياسة المتعلقة بالوضع الفلسطيني، شأنه شأن النظرة الأمنية للوضع الفلسطيني برمته من كل الأطراف الدولية والاقليمية، التي ترغب بالحصول على المعلومات المفيدة بإدارة الضغط على المتحاورين.

اقرأ/ي أيضًا: ممالك الطوائف الفلسطينية

هناك فصائل فلسطينية تتخذ من دمشق مقرًا لها، معنيّة بتقديم محاضر اجتماعاتها واتصالاتها كل مرّة لفرع فلسطين الذي يرعى بدوره ملف فلسطين في نظام الأسد، وبعضها يحمل أجندة الفرع وخطابه بما يتعلق بسياسته نحو الفلسطينيين في سوريا، والفصائل الفلسطينية بدمشق درجت بشكل اعتيادي مروض، من خلال "المندوب" الأمني الذي يوافق عليه فرع فلسطين  بتقديم المعلومات حول مقرّاتها وأعضائها، وما يدور في مكاتبها منذ عقود، مثلما يحضر مندوبي الأجهزة الأمنية لنظام الأسد كل "الاحتفالات" والفعاليات والاجتماعات التي كانت تقيمها في المخيمات الفلسطينية وخارجها، وهذا أمر "شائع" أن يقدم  رجل الأمن جردة بأبرز الأحاديث وتسجيل الحضور والأفكار التي تجول في العقل الفلسطيني، عدا عن الدراسة الأمنية حول كل "عضو" منتسب للفصائل.

لنتخيّل "وزير العمل الفلسطيني" وأمين عام تنظيم فلسطيني مشارك في حوار القاهرة اليوم، في العام 2014 ذهب لدمشق في ذروة العدوان والحصار على مخيم اليرموك، كان يتواصل مع فرع فلسطين كي يجري تسوية لوضع "خدمته العسكرية" ودفع بدل نقدي 8000 دولار، واجتمع مع رئيس فرع فلسطين ليخرج برواية حول وضع اليرموك بأن المخيّم تعرض للدمار بفعل العصابات. إذن الثمن معروف عند البقية، التصريح الأمني الموزّع بين فرع فلسطين ومخابرات السيسي وجهاز الموساد واحد، وأهم من أي حوار، وتسهيل العبور ليس مطلب وطني وإنساني كما رفع الحصار، فهي وسائل مقايضة وقائمتها طويلة.

من الصعب أن يتصوّر المرء حوارًا فلسطينيًا - فلسطينيًا دون حضور العنصر الأمني فيه، خصوصًا في دمشق ورام الله وبيروت والقاهرة، ومن الصعب أيضًا استبعاد تقديم "العصارة" الأمنية لهذه المعلومات للأطراف اللاعبة في هذا الملف، فلا يمكن لأحد أن يمنع تسريب النوايا والتوجهات على سبيل الحصر لا المثال لأجهزة السي اي ايه والموساد لوجود تنسيق عالٍ بين جهاز المخابرات المصري وبين الموساد، وبين الأخير وأجهزة مخابرات موسكو التي تأخذ بدورها المعلومات من فرع فلسطين بما يخص فصائل دمشق، الجهات الأمنية التي ترعى اجتماعات فلسطينية لا تهدف لبناء منظومة أمنية تدعم تحقيق المطالب الفلسطينية، والمادة الأمنية المسخرة لجمع المعلومات كانت وسائل ضغط على الطرف الفلسطيني واستخدامها للتلاعب بهم. 

   ألا يستطيع الفلسطينيون إجراء حوار داخلي عبر وسائل عدة بعيدة عن أعين أجهزة المخابرات؟ 

الجغرافية التي يتذرع بها بعض المتحاورين من الفصائل والمنظمة، التي تحكم تقديم أو تسريب بعض "الإيضاحات للجهات الأمنية" حول عملها وأفكارها، تُبقيها في حالة ضعف وعجز مستمر في تكوين رؤية سياسية بعيدة عن الأجندات المرتبط بها بعض الفصائل والسلطة الفلسطينية، ويبقى السؤال الساذج ألا يستطيع الفلسطينيون إجراء حوار داخلي عبر وسائل عدة بعيدة عن أعين أجهزة المخابرات؟ ومن ثم الإعلان عن اتمام الاتفاق أو التوافق على شيء ما دون الحاجة لتغلغل الملفات الأمنية في عملها.

اقرأ/ي أيضًا: فتح التي ترقص على حبل العشيرة

في العام 2003 نشرت صحيفة "الحياة اللندنية" مانشيت على صفحتها الأولى "القاعدة توعز لأعضائها بعدم السفر إلى سورية، لأن النظام السوري سلم السي اي ايه، 80 ألف وثيقة تتعلق بنشاط منظمات وأفراد وجمعيات سياسية وحزبية لثلاثين سنة ماضية" هذا خبر من مئات الوثائق والحقائق التي بينت فيما بعد التعاون الوثيق الذي يجمع المخابرات العربية مع "السي اي إيه" والموساد، ومثلها آلاف الشواهد المؤكدة ارتباط رعاة الملف الفلسطيني بتزويد المعلومات لأعدائهم.

ضبط الحالة الفلسطينية وترويضها، مهمة أخذها على عاتقه العقل الأمني الفلسطيني والعربي للأسف، تحت شعار واحد متفق عليه "محاربة الارهاب" أما سقف السياسة المتصل بمصالحة فلسطينية - فلسطينية وبعملية سلمية أو أية قضايا أخرى فستبقى خاضعة للمراقبة الأمنية التي ارتضى البعض الفلسطيني منح الحضور لمندوبي "فرع فلسطين والمخابرات المصرية" بشعارات وطنية، وبتبرع البعض أن يكون ناطقًا باسم الفروع الأمنية أو صامتًا أمام جرائمها بحق شعبه، فكيف ينجح الطرف الأمني المنسق مع الموساد في المخابرات المصرية في لم شمل الفصائل، بينما تعجز الأخيرة في لم شتاتها السياسي على برنامج محدد؟

   هل العبارة الدارجة لشعار النظام العربي عن "قبول ما يختاره الفلسطينيون" كانت صحيحة وصادقة مائة بالمئة؟ 

وهل العبارة الدارجة لشعار النظام العربي عن "قبول ما يختاره الفلسطينيون" كانت صحيحة وصادقة مائة بالمئة، أجوبة السؤال أثقلتها حقائق العقد الأخير من الأحداث والثورات، القصّة لا تتعلق فقط بترتيب انتخابات وإنهاء الانقسام وما إلى ذلك من دراما الإعلام الرسمي، النظرة فقط لحوار الفصائل واستخدام الجغرافيا والمعابر والتنسيق الأمني هو مثل التنسيق الأمني الذي يجريه البعض مع مخابرات السيسي والأسد، ليقول لنا أن الحوارات تجري دون تدخل أي طرف لصالح ترتيب البيت الفلسطيني، لكنّها تعمل على توجيهه نحو الترويض المستمر، ويمكن أن تكون صحيحة لكن "ترتيب عن ترتيب" يفرق كثيرًا، خصوصًا عندما تجد ولاء بعض المتحاورين لفرع فلسطين ولفروع السيسي أكبر بكثير من حرصه على بيت فلسطيني عمل الفرع الأول على تحطيمه والثاني على حصاره بتصفيق بعض الباحثين عن حصة من الانتخابات وبقاء بعض الامتيازات. المصالحة وما يتبعها، بحاجة لمواقف وأثمان، الجميع غير مستعدّ لتسجيل مواقف، ومفلس من دفع الثمن.


اقرأ/ي أيضًا: 

سلطتان من ورق وحطب على عامود خيمة "المنسق"

السلطة والفصائل سقطت في معركة الدبلوماسية الرقمية