30-نوفمبر-2018

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (getty)

مفارقات عدّة حول ما يُعرف بـ "صفقة القرن" أو صفقة ترامب من حيث المضمون والاسم، إذ إنها ليست صفقة بالمعنى اللغوي الذي يكثر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استخدامه، كونه قادم من عالم الصفقات التجارية، والتي بحاجة لموافقة أطرافها، بعكس الصفقة المذكورة التي تتبنّى رؤية المستوطنين، وتشطب الحقوق الفلسطينية.

هي صفقة يراد فرضها على الفلسطينيين بالقوة، من خلال مجموعة من الأفكار التي تعكس رؤى طاقم ترامب وثلاثتهم من أكثر اليهود تطرّفًا، سواء السفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان، أو كبير مستشاري ترامب وصهره جاريد كوشنير، إضافة لمستشاره لما يسمى "عملية السلام"، جيسون غرينبلات، وبدعم مباشر من الملياردير اليهودي اليميني شيلدون اديلسون  المعروف بدعمه  لترامب وبنيامين نتنياهو في حملاتهم الانتخابية.

   فلسطينيًا، يجب عدم  تقليل أهمية رفض صفقة القرن، وعدم المبالغة أيضًا لأن ذلك لا يكفي لإفشالها   

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أول من أضاف لهذا الصفقة كلمة "القرن"، حين قال بعد لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نيسان 2017، إنّ الأخير أخبره أنّه بصدد طرح "صفقة" لحلّ الصراع العربي الإسرائيلي، فاستخدم السيسي مصطلحات مثل "صفقة القرن" و"الصفقة النهائية"، محاولًا إشاعة أجواء إيجابية في المنطقة حول سياسات ترامب الخارجيّة وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. 

كشفت الأحداث جهل طاقم ترامب وقلّة خبرته السياسية، وتهوّر بعض القادة العرب كما وصفهم "يوسي بيلين" في صحيفة "هآرتس" قبل أسبوع، حين شجّعوا طاقم ترامب على إعداد الخطة؛ معتقدين أن لديهم القدرة على تمرير الصفقة رغم أنها تُلغي حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين وتسعى لتوطينهم في البلدان التي يقيمون فيها، وتعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتُشرعن الاحتلال والاستيطان، وصولًا للتطبيع بين إسرائيل وأنظمة عربية. لقدر راهن طاقم ترامب على أنّ الفلسطينيين سيقبلون الخطة/ الصفقة رغمًا عنهم بعد الضغط العربي والابتزاز الماليّ وسياسات العصا والجزرة، سواء مع السلطة في الضفة أو حماس في غزة.

   ما يُعوَّل عليه أنّ الأجيال القادمة ستواصل المسيرة، وموازين القوة لن تظلّ كما هي إلى الأبد   

لقد باشر ترامب قبل عام بتنفيذ الصفقة، حين أخرج القدس من المعادلة، باعتبارها عاصمة إسرائيل، ونقل سفارة بلاد إليها، وأوقف الالتزامات الماليّة الأمريكية تجاه وكالة "اونروا" ملغيًا بذلك حقّ عودة اللاجئين، وعمل على إضعاف منظمة التحرير عبر إغلاق مكتبها في واشنطن، بالتزامن مع رسائل إيجابية من بعض الأنظمة العربية تجاه إسرائيل والتعامل معها كجزء من  المنطقة، والتحالف معها لمواجهة ما أسموه "التهديد الإيراني"، والذي تم ترجمته بمشاركة عربية لجانب إسرائيل في مؤتمرات دولية. 

التحالف بين إسرائيل وأنظمة عربية تُرجم أيضًا، بحصول هذا الدول (السعودية مثلًا) على أجهزة تنصت وتجسس إسرائيلية، إضافة إلى استقبال وفود رسمية وشبابية في عواصم عربية عدّة، وفتح الأجواء السعودية أمام الطيران القادم لإسرائيل. وجرى تتويج هذه الإجراءات بزيارات لمسؤولين إسرائيليين رفيعين لدول عربية وفي مقدمتها زيارة بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان برفقة زوجته وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في إشارة للعلاقات العائلية كما العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين الطرفين. وأدت هذه الزيارات إلى إثارة غضب الفلسطينيين، ما دفعهم لتصليب مواقفهم  وحتى الرفض المبدئي لمناقشتها، وقد أدت تلك التفاعلات إلى زيادة الحساسية الفلسطينية تجاه الصفقة، وظهر ذلك من خلال الاتهامات المتبادلة بين حماس وفتح بالتواطؤ مع الصفقة، ما دفع الطرفين إلى الإصرار على رفضها، ومحاولة إظهار كل طرف منهم على أنّه الأكثر تشددًا إزاء الصفقة.

   نتنياهو طالب بتأجيل إعلان الصفقة أو إلغائه، طالما أنّ تنفيذها يجري بهدوء!  

ساهمت  قرارات ترامب وتطور علاقة إسرائيل بأنظمة عربية في دفع بعض المسؤولين الإسرائيليين للمطالبة بتأجيل الإعلان عن الصفقة الأمريكية وحتى إلغائها، طالما أنّ تنفيذها يجري بهدوء. وقد ظهر ذلك في حديث نتنياهو قبل ثلاث أشهر حين قال إنّ الإعلان عن الصفقة لم يعد بالأمر المفيد، طالما أنّ إسرائيل تحصل على ما تريد دون دفع أي ثمن، ووعد بالعمل على تأجيل الإعلان، وذلك بعد تحذير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ومجموعة من الخبراء الإسرائيليين من أنّ أي تعاون عربي رسمي ظاهري مع الصفقة سيضعف هذه الأنظمة في الرأي العام العربي، وسيصُب في مصلحة إيران وحلفائها وخاصة حزب الله وحماس، الأمر الذي سيُظهرهم أمام الشعوب العربية أنهم الطرف الوحيد المدافع عن القضية الفلسطينية وقضايا الأمة العربية في ظلّ السياسات الأمريكية والإسرائيلية، ما سيؤدي إلى إضعاف ما وصفوه بـ "ثقافة السلام" لدى الشعوب العربية، وبالتالي فإنّ ثقافة المقاومة والرفض ستتصاعد. 

قبل أيّام، أقرّ السفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان بتأجيل الإعلان عن الصفقة، مبررًا ذلك بعدم موافقة الأطراف عليها. أمّا تلك الأطراف التي قصدها فريدمان، فتتمثّل بنتنياهو الذي يرى أنّ التأجيل يصب في مصلحته الانتخابية، كما أنّ شركاء إسرائيل من العرب، يرون أنّ التأجيل من مصلحتهم في مواجهة إيران وحلفائها، كما أنّ الرفض الرفض الفلسطيني، والذي دفع بعض الأنظمة العربية للتراجع عن وعود سابقة بقبول الصفقة، وتراجع مكانة السعودية والأمير محمد بن سلمان بعد فضيحة مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، إضافة لقرب الانتخابات الإسرائيلية، كلها عوامل أسهمت وتساهم في تأجيل إعلان الصفقة. 

فلسطينيًا، يجب عدم  تقليل أهمية رفض تلك الصفقة، وعدم المبالغة أيضًا لأن ذلك لا يكفي لإفشالها، في ظلّ اختلال موازين القوى. والذي يُعوَّل عليه أنّ الأجيال القادمة ستواصل المسيرة، وموازين القوة لن تظلّ كما هي إلى الأبد، ولن يضيع حقٌّ وراءه مطالِب.


اقرأ/ي أيضًا: 

رحلة لم تكتمل: نافذة أولى على تأريخ لم يدون بعد!

قناة CNN تفصل أحد صحفييها لدعمه فلسطين

سيارات فارهة في غزة مكسوة بالغبار لـ"ردّ العيْن"!