28-مارس-2020

بينما كانت كل شاشات الأخبار في العالم تضج بأخبار الكورونا، فجأة خان زعيم ائتلاف "أزرق أبيض" الإسرائيلي بيني غانتس، مليوني ناخب، وقرر الانضمام لخصمه بنيامين نتنياهو مرة واحدة.

فجأة خان زعيم ائتلاف "أزرق أبيض" بيني غانتس، مليوني ناخب، وقرر الانضمام لخصمه بنيامين نتنياهو

برمشة عينٍ؛ خان، بدون مقدمات، ولا حتى مؤخرات، فعلها هكذا واستحق لقب خائن "الكورونا" الوحيد في العالم الذي فعلها وقلب كل الموازين في حياة سياسية تتلاطم منذ سنة ونصف، دارت فيها ثلاث انتخابات فاشلة.

قاد معركة إسقاط نتنياهو. هكذا ظهر، وهكذا قدموه، وهكذا صوتوا له. هكذا قال، وهكذا تصرف في حزبه ومع أقطاب الوسط واليسار، وهذا ما يعرفه كل العالم، لكنه قرر مرة واحدة الخنوع لنتنياهو والدخول معه في حكومة وحدة وطنية يتولى فيها في نهاية 2021 رئاسة الحكومة.

كتاب أعمدة وسياسيون كثر سيجندون أقلامهم وألسنتهم لصالح الجنرال الخائن، سيقولون كلامًا كثيرًا عن خطة طوارئ كورونا، وعن سيناريو العشرة آلاف حالة وفاة من الفيروس، ومليون مصاب وسبعمئة ألف عاطل عن العمل، وعن استطلاع مدفوع حصل عليه غانتس أظهر تراجع شعبية ائتلافه.

لكن كل هذا لا يبرر الخيانة، وبإمكانه أن يكون "وطنيًا" كبيرًا في المعارضة، لكنه خان بكل معنى الكلمة. لقد خان شركاءه من حزب لبيد "هناك مستقبل"، وفسخ ائتلافًا سياسيًا راهن عليه نصف الجمهور الإسرائيلي للتخلص من نتنياهو وفساده وطاغوته السياسي الذي يتألم منه الجسم السياسي بلا توقف منذ عامين.

كانت أوصافه لرئيس الحكومة قبل قرار الخيانة تصل حد القرف والترفع، وصفه بانتهازي وغليظ ومقرف، وبألفاظٍ بذيئةٍ أكثر من هذه، كانت السياسة بينهم بيولوجية أحيانا، وذهب يلتقط الصور مع القائمة العربية المشتركة، ويتمسح بفلكلور حزب العمل، ويقلد أدوات اليسار الإسرائيلي.

لا تقولوا لي أنكم كنتم تتوقعون أن يخون، كل مراقب ومهتم ومتابع كان يعرف حجم الخصومة التي لا تقبل هذا الركوع الذي حصل ظهر يوم الخميس الماضي.

لا تقولوا لي أنكم كنتم تتوقعون أن يخون، كل مراقب ومهتم ومتابع كان يعرف حجم الخصومة التي لا تقبل هذا الركوع

بين الفلسطينيين، سيحدث نقاشٌ قصيرٌ عن توصية الطيبي وأيمن عودة له قبل الخيانة، سيكون الكلام قصير نفس ولن يستدعي أي لوم على أقطاب القائمة المشتركة الذين لو فحصنا كل تصريحاتهم سنجد أنها كانت أكثر من حذرة، وأنها كانت مليئة بالخوف من خلية الليكود المصغرة في ائتلافه "أزرق أبيض" التي يمثلها تسفيكا هاوزر ويوعاز هندل.

سيكون الأهم الآن للفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 48، هو أن القائمة انتصرت ثلاث مرات وخلقت معيارًا سياسيًا جديدًا في "إسرائيل"، سيظل الهاجس الأكبر لدولة تبحث عن هويتها بشكل هستيري خوفًا من عشرين في المئة من مواطنيها. ستنشغل "إسرائيل" بالهوية وليس بالديمقراطية، وهذا ما أدخلته القائمة العربية المشتركة في نتائج الانتخابات الثلاث الماضية.

بعد هذه الخيانة الواضحة من غانتس لمعسكر "يمين وسط"، ستدخل "إسرائيل" في حياة سياسية قائمة على الهوية وليس على الديمقراطية. سيكون لشعار نتنياهو: "بيبي أو الطيبي" صدى أوسع، وستصبح الكتلة السياسية الأكبر في "إسرائيل" مجندة فقط لمواجهة القائمة العربية المشتركة، وليس الكورونا التي سنتهي يومًا ما.

في المستقبل القريب، سيصير الفرز ليس بين يمين سياسي ويسار إرثي في "إسرائيل"، بل بين يهود وعرب، وهذا من محاسن الصدف بالنسبة لنا، لأنه يكشف آخر ما في جعبة "إسرائيل" من الديمقراطية.

سيصير الفرز ليس بين يمين سياسي ويسار إرثي في "إسرائيل"، بل بين يهود وعرب، وهذا من محاسن الصدف بالنسبة لنا، لأنه يكشف آخر ما في جعبة "إسرائيل" من الديمقراطية

سيكون "السيد خائن" في الأشهر المقبلة ممثل الوسط -غير الاستيطاني بوجه مليء بالاستغراب- شريكًا في ضم المستوطنات والتخطيط لفرض الاستيطان كاملاً على الأغوار الفلسطينية، وشريكًا في "صفقة القرن" التي حاول كثيرًا أن يظهر متملصًا منها في الانتخابات.

سيقابل ترامب، إذا صدق نتنياهو ومنحه حقيبة الخارجية، مقابلة مضحكة تمامًا، مقابلة بلا رصيد، فهو لم يطلق اسم ترمب على مستوطنة في الجولان، ولم يبنِ له تمثالاً، ولم يوافق على خطته، وليس من كتيبة يهود الصهر جاريد.

سيتعين على المنضم الجديد لنتنياهو الانصياع لصواريخ من غزة تطالب بأجهزة تنفس إضافية لمرضى محتملين، ولن يفهمه أحدٌ في الملف السياسي لإدارة الصراع مع الفلسطينيين، وسيكون عالة سياسية يستهلكها نتنياهو ويلقي بها إلى الماضي في أقرب فرصة.

يا إلهي: يستحق هذا الرجل لقبًا، خائن "الكورونا" ملائم لوصفه.


اقرأ/ي أيضًا: 

هل سيطيح كورونا بالنظام الاقتصادي الحر؟

تأملات في زمن الطوارئ