09-مارس-2017

تاريخ السينما الثورية الفلسطينية يظهر لنا أنها لعبت دورًا كبيرًا في نشر الرواية الفلسطينية من مرحلة النكبة الى النكسة حتى مرحلة اليقضة، وساهمت في تشكيل الهوية الفلسطينية الجامعة "شعب واحد.. وهوية واحدة" عبر وصل الماضي الذي لا يمكن نسيانه بالمستقبل المحلوم به، وخلقت الشعور الجمعي الفلسطيني الذي تمحور حول "النضال ضد الاحتلال والتمسك بالوطن من دون أي مساومة عليه".

 خارج الإطار، ببلوغرافيا لسينما الثورة في فلسطين، ومحاولة لتقديمها مختصرة ومكثّفة، لنرى حجم التراجع الكارثي في المشروع الوطني

وحدة أفلام فلسطين التابعة لمنظمة التحرير أنتجت أكثر من 60 فيلمًا سينمائيًا، وأسست أرشيف الفيلم الفلسطيني عام 1967، الذي كان أرشيفًا للسينما السياسية التي وثقت سنوات الكفاح الفلسطيني ليكون نواة ما عرف أنذاك بـ "سينما الشعب" لكن ذلك كلّه كان نصيبه الضياع والتلف بفعل الاجتياج الإسرائيلي لبيروت عام 1982.

اقرأ/ي أيضًا: مسار إبراهيم.. كل ما تحتاجه لعطلة مميزة!

تقول روايات غير مؤكدة إن الجيش الإسرائيلي أخذ معه كل الأرشيف السينمائي، عندما احتلّ بيروت، فيما هناك روايات تؤكد ضياعه بفعل تخزينة في أماكن غير مناسبة ومن دون حماية.

يمكن القول هنا إنّ فيلم المخرج الفلسطيني مهند اليعقوبي "خارج الإطار" أو "ثورة حتى النصر" 2016 والمُهدى لعميد السينمائيين الفلسطينين مصطفى أبو علي، مرتبط بالإحساس العالي بهذه الخسارة التي لا تُقدّر بثمن، فغياب هذا الأرشيف أو تغيبه كتب لهذا الفيلم الحياة على أمل أن يكون وثيقة بصرية بديلة ترينا كيف صنعنا صورتنا وقدّمنا أنفسنا لأنفسنا وللعالم أيضًا في عزِّ لحظات استهداف الشعب الفلسطيني بعد عملية اقتلاعه عام 1948. ليتكوّن السؤال: على ماذا اعتمد المخرج اليعقوبي في فيلمه الوثائقي الطويل (62 دقيقة) الذي استغرق العمل عليه أكثر من سبع سنوات؟

اقرأ/ي أيضًا: الظاهرية.. غنيّة بالآثار فقيرة بالزوّار

لجأ المخرج في رحلة تحقيقه لهذا الفيلم إلى كل مكان يمكن أن يكون فيه فيلمًا فلسطينيًا أو مادة من فيلم فلسطيني، فبعض المواد التي استخدمها هي أجزاء من أفلام اشتركت في مهرجانات سينمائية وحُفظت ضمن أرشيف تلك المهرجانات، والبعض الآخر كان من توقيع مخرجين من جنسيات عربية وأجنبية.

عبر تجميع الضائع والمهمل والمؤرشف والبعيد، حاول المخرج بناء تاريخ السينما النضالية الفلسطينية التي قامت على اكتاف فلسطينيين وعرب وأجانب، ورصد رحلة تطوّرها، وعرض كيفية تناولها للقضية الفلسطينية، كما بحث في العوامل الفنيّة والسياسيّة التي دفعت بهذه الأفلام للاستمرار في السبعينات، وكما سأل عن أسباب انتهائها في بيروت عام 1982، وحاول أن يعرض النتيجة التي وصلنا إليها بوصول السلطة الفلسطينية إلى فلسطين المحتلة ضمن اتفاق أوسلو.

 فيلم يروى قصة فلسطين من وجهة نظر من ناضل لأجلها ، وكيفيّة التصدي للدعاية الصهيونية، وتأكيد الوعي بالأرض والإنسان

إنّه فيلم يروى قصة فلسطين من وجهة نظر من ناضل لأجلها وتحديدًا في مرحلتين من عمر السينما الفلسطينية الأولى (1968 – 1974) التي وصفت بالثورية، وتركزت الأعمال الفنيّة بالحديث عن الثورة الفلسطينية، ورفض حلول التسوية. والمرحلة الثانية: بعد عام (1974 وحتى عام 1982) أي بفترة القبول بالحلّ السلمي.

يُظهر الفيلم أنّ السينما حاولت التعبير عن "سينما شعب" حاضره متمسّك بالماضي، فيما سردها البصري كان قائمًا على بعد واحد وهو سرد الجرح والنكبة، مع تحدي السرد البصري الصهيوني المضاد الذي أقصى الفلسطيني واستثناه.

يكشف الفيلم أن السينما في تلك الفترة حاولت التصدي للدعاية الصهيونية أيضًا، وتأكيد الوعي الوطني بالأرض والانسان الفلسطيني. كما يستعرض مراحل كثيرة من القضية الفلسطينية من خلال ما صُوّر من أفلام أو مواد مثل: عالمية القضية الفلسطينية والتضامن الدولي معها، وأحداث أيلول الأسود وتفجير الطائرات، وعرفات كقيادة حوّلت اللاجئين إلى مقاتلين من أجل الحرية، ووحدة أفلام فلسطين، ومراحل العدوان الصهيوني، وتعليم المرأة ومحو الأمية، وعرض لأسباب حملنا السلاح، والتصريحات العسكرية الرنّانة، وموقفنا الفكري من الصراع، ورؤيتنا له، والأغاني الفلسطينية والأعراس، والشعارات الحماسية، وصولًا إلى حلم الدولة غير المتحققة بعد عام 1993.

اقرأ/ي أيضًا: الاستقبالات النابلسية.. رحلة في عالم النساء المنسي

يخلص الفيلم للمواد التي حصل عليها المخرج، حيث هي أفلام دعائية مباشرة وخطابية عاطفية، وبالتالي جاء فيلم اليعقوبي تعبيرًا عن ذلك من دون أي محاولات لإضفاء أي جماليات أو لمسات فنيّة أو حتى لغة سينمائية، ليكون عمل المخرج مرتكزًا على البناء التوثيقي الزمني للأحداث التاريخية، وما أنتج بصريًا في تتابع رتيب، سيشعر المشاهد بقلة الجهد الإبداعي الذي قام به المخرج في تعامله مع المادة الأرشيفية.

غير أنّ القضية الأهم التي يثيرها الفيلم مرتبطة بتضمين دقائق الفيلم الأولى بعض المشاهد التي لا تبدو من مادته الأصلية ونسيجه الفنّي، مثل تلك الإحالات لهتلر والنازية والهولوكست، وسيحار المدقق بأسباب ورودها في فيلم فلسطيني يعرض لنا السينما التي شكلت هويتنا، وعند سؤال المخرج جاء رده أنها "لضمان عرضه في مهرجانات دولية مثل تورنتو!" (يقصد مهرجان تورنتو السينمائي الدولي/ كندا)، ليكون السؤال: أيستحق الأمر ذلك (أي ربط/ حشر نضالنا بالنازية والهولكست)؟ ولماذا أصلًا يهتم المخرج وفريق عمله بالمهرجانات الغربية طالما نحن نتحدث عن فيلم ذاكرة للشعب الفلسطيني الذي أريد له أن يتنصل من ماضيه ويقطع معه؟

وبمقدار ما يطرح الفيلم صورتنا التي قدمناها للعالم وخطابنا البصري في تلك اللحظة الحماسية يرى المشاهد تراجع هذه الصورة والحلم الذي تحمله، ويجعله يطرح السؤال الإشكالي الأكبر وهو المرتبط بأسباب تغييب هذا الأرشيف؟ ولماذا لم يُعمل بجد في سبيل استعادة ما يمكن استعادته من السلطة الفلسطينية بمؤسساتها المختلفة؟ كما يطرح السؤال الفارق حول دلالة الرغبة المحمومة للعودة للماضي ممثلة بالأرشيف والاهتمام بالمتاحف وصولًا لتنامي ظاهرة محلات بيع الأدوات القديمة في السنوات الخمس الأخيرة؟

"خارج الإطار" هو ببلوغرافيا لسينما الثورة في فلسطين، وهو محاولة لتقديمها مختصرة ومكثّفة في شريط يعود للماضي القريب، ليجعلنا نرى حجم التراجع الكارثي في المشروع الوطني الفلسطيني برمته.


المخرج مهند يعقوبي: شارك مؤسسًا لـ"إيديومز فيلم"، في رام الله، وتجمّع "سبفيرسيف فيلمز"، للتنسيق والبحث الذي يركّز على الأفلام الثورية، أنتج "متسللون" للمخرج خالد جرار، و"رصاصة وردية" (2013)، و"حبيبي" (2010)، و"مع أني أعرف أن النهر قد جفّ" (2012)، عُرض فيلما "زمن معلق" (2014) و"لا مفر" (2015) في "مهرجان دبي السينمائي الدولي".


اقرأ/ي أيضًا:

صور | كلابٌ مدللة في غزة

"ببغاء" فيلم يحكي الوجع الفلسطيني

"أصداف" بيت لحم تتشبّث بالحياة