28-مارس-2017

أطفال من قرية سوسيا - صورة أرشيفية (Getty)

تحتدم معركة "الترحيل القسري والصمود" بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وسكان قرية سوسيا أقصى جنوب الخليل في الضفة الغربية، لتصل ذروتها بتحول الحصول على خيامٍ جديدةٍ للإقامة في القرية إلى حلمٍ كبيرٍ، بعد أن ارتبط بناء مساكن جديدة من الخيام بهدم القرية بأكملها وتهجير سكانها.

فمنذ العام 2012 لم يستطع أهالي القرية إقامة أي خيمةٍ جديدةٍ للسكن فيها، حسب ما أكده الناطق الإعلامي باسم القرية نصر نواجعه لـ"ألترا فلسطين"، الأمر الذي يشكل تحديًا لشبان القرية الذين يفكرون بالزواج وتكوين أسرٍ جديدة، مما دفع البعض منهم للبحث عن حلولٍ كانت نتائجها معاناة جديدة.

يربط الاحتلال الإسرائيلي إقامة أي بناءٍ جديدٍ للسكان أو للحيوانات في قرية سوسيا قضاء الخليل بهدم القرية وترحيل سكانها

الشاب عبد نواجعة وجد الحل في مطبخ خيمة عائلته، فتزوج واتخذ من المطبخ مكانًا للمبيت، يُخْليه في كل نهارٍ واضعًا أمتعته في بقية زوايا الخيمة، لاستعماله في إعداد الطعام وبقية الاحتياجات، قبل أن يعود إليه مرة أخرى في الليل.

اقرأ/ي أيضًا: نفايات "ديمونا".. قاتل صامت في الخليل

يقول عبد لـ"ألترا فلسطين"، إن "تحمل ضيق المكان أهون من تحمل ضيق الغربة والبعد عن الأهل والأقارب"، من خلال السكن خارج القرية، كما فعل بعض الشباب الذين فشلوا في إيجاد أي مساحة صغيرة يسكنون فيها داخل قريتهم.

الشاب أحمد نواجعة أتم زواجه قبل أسابيع، وحاول مرارًا البحث عن أي مساحةٍ صغيرةٍ تؤويه داخل خيام القرية لكن دون جدوى، فاضطر لتركها متوجهًا إلى مدينة يطا، تاركًا خلفه والديه وأشقاءه وأهله.

يقول أحمد لـ"ألترا فلسطين": "عقدت نية الزواج بالرغم من الظروف التي تعيشها القرية وعدم القدرة على توفير مسكن للعيش فيه، ولم يعد انتظار حلٍ لهذه المشكلة ممكنًا، فلم يكن أمامي سوى استئجار بيت خارج القرية، وها أنا اليوم أعيش حالة من الشتات متنقلاً بين المدينة والقرية لا أعرف فيها طعمًا للاستقرار، وبت وحيدًا وبعيدًا عن عائلتي".

وتعيش أكثر من 45 عائلة مكونة من 350 شخصًا في 35 خيمةٍ سكنيةٍ، إضافة لبعض المنشآت الخاصة بالحيوانات والمرافق الصحية، وهي منشآتٌ غير قابلةٍ للزيادة مهما بلغت الزيادة في عدد سكان القرية مع الأيام.

ويعود تاريخ قرية سوسيا إلى الثلاثين من القرن التاسع عشر، لكن معاناتها بدأت منذ عام 1983، عندما أقام الاحتلال الإسرائيلي إلى جوارها مستوطنة منحها الاسم ذاته، وأعلن الأراضي التي أقام عليها المستوطنة "أراضي دولة".

وفي عام 1986، هدمت سلطات الاحتلال القرية ورحّلت سكانها منها قسريًا، زاعمة أن القرية مقامةٌ على مناطق أثرية، لكن الأهالي بنوا قريتهم مرة أخرى على بعد 300 مترٍ من موقعها السابق، وذلك من خلال حفر آبارٍ وكهوفٍ للسكن فيها، قبل أن تعيد سلطات الاحتلال هدم القرية عام 1993، وتنفذ الإجراء ذاته سبع مراتٍ حتى عام 2012، فيما كان الأهالي يعيدون بناء قريتهم في كل مرة.

وسعت جمعية "رغافيم" الاستيطانية، عام 2012، إلى نقل محاولات تهجير أهالي سوسيا قسريًا إلى القضاء، فرفعت دعوى طالبت فيها بهدم القرية، وقد رد الأهالي بتقديم اعتراضٍ لمحكمة الاحتلال العليا، حصلوا على إثره بقرارٍ يوقف هدم القرية، مقابل تجميد أي بناءٍ جديدٍ فيها، سواءً من الخيام أو حظائر الحيوانات، أو حتى المرافق الصحية.

ويبين نصر نواجعة، أن القرار أخضع القرية وأهلها لرقابة يومية مشددة من المستوطنين وجمعية "رغافيم" الاستيطانية، في محاولةٍ للبحث عن أي بناءٍ جديدٍ يمكن استغلاله في العودة إلى القضاء مجددًا لإلغاء قرار وقف الهدم.

ويوضح نواجعة، بأن جمعية "رغافيم" حصلت على ما تريد، إثر عاصفةٍ في شتاء عام 2014 ألحقت خرابًا كبيرًا في بعض خيام سوسيا. ورغم أن سكان القرية لم يقيموا خيامًا جديدةً بل رمموا الموجودة، إلا أن الجمعية الاستيطانية توجهت إلى المحكمة العليا، وحصلت منها على قرارٍ بإلغاء وقف الهدم.

ورد سكان سوسيا من جانبهم بمنح المعركة طابعًا دوليًا، وتعاون معهم في ذلك نشطاء حقوقيون أجانب، ونجحوا بتشيكل ضغطٍ على حكومة الاحتلال الإسرائيلي دفعها إلى تجميد قرار الهدم، أو تأجيله كما يعتقد كثيرٌ من سكان القرية الذين يتوقعون الهدم في أي لحظة.

أكثر من 20 شابًا وشابةً من سوسيا يقفون الآن على أبواب الزواج حائرين في أمرهم، هل يبدأون حياتهم الجديدة بعيدًا عن قريتهم، أو يأجلون ذلك لأجلٍ غير مسمى. يقول جهاد نواجعة رئيس المجلس المحلي في سوسيا: "إننا نتوق للفرح بأبنائنا وتزويجهم والاحتفال بأفراحهم، ولكن الاحتلال حرمنا هذه الفرحة، في حين يتحدث العالم عن الحرية والديمقراطية وتقرير الشعوب لمصيرها".


اقرأ/ي أيضًا: 

مجاري المستوطنات تهلك الحرث والنسل في دورا

إسرائيليون يفضحون جرائم جيشهم.. ماذا خلف ذلك؟

كلية العروب في مهب الاستيطان