09-يناير-2017

في منطقة مُحاطة بغابة من أشجار الصنوبر، وعلى سفح الجبل الغربيّ لمدينة بيت جالا، المطل تمامًا على قرية المالحة المُهجّرة، يقع مصنع للنبيذ، يعود تاريخه إلى 132 عامًا، حين أراد كهنة الساليزيان الطليان القاطنين في دير كريمزان، تحفيز أهالي المنطقة من المسيحيين للعمل وفلاحة أراضيهم، وزراعتها. 

البداية كانت من إنتاج "نبيذ الصلاة"، وتوسّع إنتاج المصنع من النبيذ الذي كان يُعدُّ لمعظم الأديرة في فلسطين

كان ذلك في عام 1885، وبدأ إنتاج "نبيذ الصلاة" والذي تكمن فكرته في تمثيله لدم المسيح المصلوب وفق الديانة المسيحية، حيث يصب في كأس كبيرة وتغمس قطع الخبز الرقيقة الجافة فيه، والتي تمثّل جسد المسيح، وتقدّم لرواد الكنيسة بعد إتمامهم الصلاة، وهي ما تعرف بعملية "المناولة".   

النبيذ الذي يُنتجه هذا المصنع، كان يُعدُّ لمعظم الأديرة في فلسطين كما يقول المدير التنفيذي زياد البيطار، مشيرًا إلى أنّ المصنع يُنتج إلى جانب النبيذ، زيت الزيتون، والخلّ الطبيعي، معتمدًا بذلك على كروم العنب والزيتون الخاصة به، والمزروعة بجواره، كما يتم جلب المزيد من العنب من دير بيت جمال غربيّ القدس المحتلة.

 ويعود المصنع بمكاسب مالية على أصحاب كروم العنب المعرضة للمصادرة في منطقة عصيون وبيت جالا والقدس. ويقول البيطار إنّه يعمل على حماية تلك الأراضي، من الاستيطان الإسرائيليّ.

الأجواء العائلية هي التي تحكم عمل المصنع تقريبًا، فأصبح المزارعون على دراية تامة بمواصفات العنب الصالح لصنع النبيذ، ومواعيد وطرق قطافه، للحفاظ على جودته.

 ويجري المصنع دراسات وأبحاث شبه دورية على عينات من العنب في مختبرات تتبع جامعة الخليل، حيث يستخلص من هذه الدراسات أنواع العنب التي تصلح لهذه الصناعة، والتي أبرزها: الدبوكي، والحمداني والجندلي، والعنب البلدي الأسود أو ما يعرف بـ "البيتوني"، وهو النوع الأكثر تفضيلًا لصنع النبيذ الأحمر، المعد خصيصًا للتصدير إلى الخارج.

وتحدث البيطار لـ "ألترا فلسطين" عن التغيّرات التي طرأت على عمل المصنع على مر السنوات، حيث حلت التكنولوجيا الحديثة مكان الآلات اليدوية التي استخدمت لعقود طويلة في المصنع، إلا أنها اليوم تجثم في فناء المصنع، كدليل على قِدمه وعراقته، ولكنّ مبدأ العمل لم يتغيًر حفاظًا على جودة النبيذ المنتج.

ويمر العنب بمراحل عديدة قبل خروجه من المصنع كنبيذ، بداية من القطف حيث يتم القطف يدويًا لبعض الأنواع للحفاظ عليها، وآليًا لأنواع أخرى، ويجب أن تكون الفترة الزمنية قصيرة قدر الإمكان بين القطاف والعصر، ثم يطرح العنب بواسطة الشاحنات في محقن كبير ليتم تنظيفه من الشوائب وعصره. ثم يخزن العصير في خزانات ضخمة. فالعنب الأبيض يحوّل مباشرة لمرحلة الضغط، من خلال آلة تحوي مصفاة كبيرة في وسطها، ليخرج العصير صافيًا تمامًا من الشوائب، وينقل بعدها لمرحلة التخمير التي تستمر 14 يومًا.

بعدها ينقل النبيذ لمرحلة التعتيق عبر حفظه في براميل خشبية كبيرة مصنوعة من خشب البلوط، ويبلغ عمر هذه البراميل في المصنع ما يقارب الـ 80 عامًا، فيمكث في قبو معتم ما يقرب من 14 شهرًا، ثم يتم تعبئته في زجاجات خاصة.

أمّا العنب الأسود فيمر بمرحلة إضافية هي خلط المزيج الأولي لمدة 14 ساعة متواصلة بواسطة مضخة مثبتة في الخزان لإكسابه مزيدًا من اللون الأحمر المستخلص من قشور العنب.

اقرأ/ي أيضًا: "أصداف" بيت لحم تتشبّث بالحياة

ويعمل في المصنع، كما أكد البيطار، 11 عاملاً. يزداد هذا العدد في موسم قطف العنب، ويعملون على تسويق منتجاته محليًا، وتصدير جزء منها لعدة دول أجنبية أبرزها: الولايات المتحدة، إيطاليا، النرويج، ألمانيا، وبريطانيا.

وحاز نبيذ مصنع كريمزان على العديد من المراكز المتقدمة على مستوى العالم، وشارك في العديد من المهرجانات، كهمرجان تذوق النبيذ في الأراضي المحتلة عام 48، ويقيم المصنع مهرجانه الخاص سنويًا في كروم العنب بمشاركة العشرات.

ويحظى النبيذ الذي ينتجه المصنع بشهرة واسعة، ويحمل علامة تجارية تدعى "نجمة بيت لحم" حيث أصبحت علامة تجارية عالمية، ويزداد الطلب عليها بشكل مستمر كما يؤكد البيطار.

ويشكل مصنع نبيذ كريمزان اليوم درعا حاميا لأراضي دير كريمزان التي باتت محط أطماع جدار الفصل العنصري الساعي لفصل المصنع عن الدير، ولا زالت قضية تغيير مسار الجدار قائمة بين الدير وسلطات الاحتلال في المحاكم الإسرائيلية.


اقرأ/ي أيضًا: 

عنب الخليل في مهرجانه السادس.. ندرة وتنوع

الكنافة حين تعطي للمدينة شيئًا من مذاقها

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى