30-يونيو-2018

عبر البكاء والموت كانت تنبعث ألوان البلاد. الرجال مصممون على أن تدافع ألوانهم الداكنة عن اللون الوردي الذي يًغطي البلاد. البلاد وردية اللون هكذا يراها الرجال، يرونها محبوبتهم التي يجب عليهم الدفاع عنها، امرأةٌ حسناء عليهم أن يحموها من الاغتصاب " الاحتلال". ومثل علاقتهم بالنساء وبنفس لغة الحب والحماية والتملك والشرف يخوضون معاركهم السياسية تمامًا كما يقعون في الحب، أو يمارسون الجنس، أو ينظمون شؤون بيوتهم.

الرجال مصممون على أن تدافع ألوانهم الداكنة عن اللون الوردي الذي يًغطي البلاد. البلاد وردية اللون هكذا يراها الرجال

"عليك أن لا تنسَ أنها امرأة" الجملة التي قد يعني صاحبها وجوب تقديم مزيد من الاحترام عندما يتعلق الأمر بالتنازل عن مقعد في الحافلة، أو عدم الاخذ على محمل الجد إذا ما تعلق الأمر بإبداء الرأي أو اتخاذ موقف أو مواجهة مشكلة.

***

في لبنان والأردن لا يستطيع المواطنون التعبير عن حبهم كما نفعل في فلسطين، أو كما يفعل المصريون والسوريون، فتذكير الأسماء يحرمها الكثير من الحب المضاعف والتشبيهات التي كانت ستحظى بها هذه البلدان لو كانت أسماؤها مؤنثة. هكذا كنت أفكر كطفلة  في دروس الجغرافيا واللغة العربية. الأسماء المؤنثة أجمل، ويسهل على الحب أن يتدفق بها . الجذور الأولى للحب أنثوية واللعنة كذلك.

***

لم يعارض والد سعاد مشاركتها في المواجهات خوفًا على حياتها فقط، بل كان هناك صوت في داخله يوبخه كلما همّ بالموافقة "ماذا سيقول الناس عنها؟ وماذا سيقولون عنك!".

***

لم يكن السير نحو الإجابات يسيرًا لولا أن النساء هنّ كل الإجابات، ففي الحرب يمكن استخدام النساء كدروع بشرية لإخفاء خسائرنا الحقيقية، وأجساد النساء قنابل يستخدمها الطرفان، يلوي بها الإحتلال يد الرجل المقاوم،  ويفعل أبناء البلاد ذلك ببعضهم أيضًا. أجساد النساء معيارٌ دقيق لرصد مستوى الحريات أو القمع، وفي الحرب  أيضًا بإمكان هذه الأجساد أن تؤجل النصر؛ وبإمكانها أن تقدمه، هكذا تقول الأساطير. ورغم كل هذه القوى الخارقة التي تتمتع بها هذه الأجساد الناعمة، إلا أنها يسهل أن تغادرها الطهارة وتصاب بالقصور في كل شهر، عندها يسهل لعنتها.

***

كان أخي البكر يعمل في ميناء حيفا، فهبت عاصفة اقتلعت الونش الذي كان يقوده وألقته معه في البحر فوق الصخور، فلمّوه وأعادوه إلينا إربًا إربًا، لا رأس ولا أحشاء. وكان عروسًا ابن شهره. فقعدت عروسه تولول وتندب حظها. وقعدت والدتي تبكي معها صمتًا. ثم إذا بوالدتي تستشيط وتضرب كفًا بكف وتبح قائلة "مليح إن صار هكذا وما صار غير شكل" فما ذُهل أحدٌ سوى العروس، التي لم تكن من العائلة فلا تعي الحكم. ففقدت رشدها، وأخذت تُعوِل في وجه والدتي: أي غير شكل يا عجوز النحس (هذا اسم والدي، رحمه الله) أي شكل بعد هذا الشكل يمكن أن يكون أسوأ منه؟

ولم يَرُق والدتي نزق الشباب. فأجابتها بدوء، وكأنها تقرأ في المندل: أن "تخطفي" في حياته يا بنية، أي أن تهربي مع رجل آخر. (رواية المتشائل - إميل حبيبي).

***

المرأة موقفٌ عاطفي من العالم. المرأة أقل حظاً لكن عليها أن تتجاهل حظها لا أن تندبه.

***

أتذكر وأعيش أيامًا يُعبر فيها الرجال عن شجاعتهم بتشبيه الخصم بامرأة. أتذكر وأعيش أيامًا يُعبر فيها الرجال عن حبهم للبلاد بوصفها امرأة، أتذكر وأعيش أيامًا يعتبر فيها اسم الأم سرًا، ويعتبر شتمها قمة الغضب، ويعتبر الدفاع عنها قمة الشرف.

***

ميديا بنيامين شاركت بتأسيس منظمة (Code Pink) نساء من أجل السلام ومناهضة الحرب، بنيامبن الاسرئيلية وغيرها من ناشطات الحراك النسوي الإسرائيليات لا يمكنهن التنصل من شتم الاحتلال أولاً قبل شتم السلطة الذكورية، عليهن أيضًا توضيح أن المعركة واحدة وأن القضايا الحقوقية لا تتجزأ، فإن هي تجزأت لا قيمة لأي نضال حقوقي يمارس في ظل دولة احتلال. فإن هنّ فعلن يأتي دور الرجل الفلسطيني في توضيح أن المعركة واحدة، وأن القضايا الحقوقية لا تتجزأ وأن أي نضال حقوقي يمارس في ظل سلطته الذكورية لا يؤول عليه.


اقرأ/ي أيضًا:

شمس تُخطئ اختيار إخوتها

في بلادنا الرجال يأكلون أولاً

معانٍ جديدة لأرض قديمة