07-ديسمبر-2019

"الأسير من دون رياضة يدفع ثمنًا غاليًا، خاصة إذا اعتاد على زيارة العيادة وأخذ الدواء" قال الأسير المحرر فخري البرغوثي، متحدثًا عن الرياضة التي تُمارس بطقوسٍ وأوقاتٍ خاصة داخل سجون الاحتلال، بعد أن ظلَّت ممنوعة على الأسرى حتى ثمانينات القرن الماضي، قبل أن تسمح إدارة سجون الاحتلال بممارسة عدة رياضات، مع التشديد على منع رياضات أخرى.

سمحت إدارة سجون الاحتلال في ثمانينات القرن الماضي بعدة رياضات، وشددت على منع رياضات أخرى

أفادنا البرغوثي الذي أمضى 33 سنة في سجون الاحتلال بأن الأسرى يمارسون داخل السجن رياضات الركض واللياقة البدنية والتمارين السويدية وبناء الأجسام وتنس الطاولة وكرة الطائرة وكرة السلة.

اقرأ/ي أيضًا: موعد أول مع حيفا

وأضاف أن الأسير الذي يريد ممارسة الرياضة يستيطع فعل ذلك بأقل الأدوات المتاحة، أما من لا يريد الرياضة فيبقى نائمًا على السرير حتى لو وفرت له كل شيء.

طقوس خاصة للرياضة في السجن

يرى الأسير السابق عصمت منصور، أن رياضة الجري هي أهم رياضة في السجن، حيث تفتح إدارة السجون للأسرى غرفهم من الساعة السادسة وحتى السابعة صباحًا وتسمى هذه الفترة بـ"فورة" الرياضة.

في هذه الساعة، يقسم الأسرى وقتهم، على سبيل المثال نصف ساعة للجري بشكل دائري حول الساحة، ونصف ساعة لممارسة تمارين اللياقة البدنية في منتصف الساحة، مثل "نط الحبل" وتمارين شد المعدة والضغط والعقلة (حديدة مثبتة في الحائط لممارسة التمارين)، إذ يقود أسرى من ذوي الخبرة المجموعة في ممارسة تمارين اللياقة البدنية.

تفتح سلطات الاحتلال غرف الأسرى من الساعة السادسة وحتى السابعة صباحًا وتسمي الفترة "فورة الرياضة"

يقول البرغوثي: "كنت أمارس رياضة الركض يوميًا مدة ساعة، وفي الفورة الثانية كنت أمارس التمارين الأخرى، حيث أصبحت الرياضة إدمانًا"، مضيفًا أن للركض الصباحي "لذّة" عند هطول الأمطار في سجن عسقلان وغيره من السجون ذات الرطوبة المرتفعة.

اقرأ/ي أيضًا: مقالب الأسرى: نعبر عن إنسانيتنا

أما منصور فيشير إلى تدخل إدارة السجون لمنع ممارسة التمارين العسكرية أو تمارين الكاراتيه، حيث لا يسمح بكل الرياضات.

من اللاشيء يمارس الأسرى في السجون رياضة كمال الأجسام. وهنا يقول منصور -الذي أمضى أكثر من 20 سنة في الأسر- إن هناك آلية خاصة لصنع الأثقال، حيث يتم تعبئة زجاجات المياه الفارغة بالملح، بسبب عدم وجود باطون وتراب لتعبئتها، ويتم استخدام هذه الزجاجات في ممارسة تمارين رفع الأثقال وبناء الأجسام.

لكن إدارة السجون عند الاقتحامات تصادر هذه الزجاجات، لذلك يمارس الأسرى رياضة بناء الأجسام خفية داخل الغرف.

تمنع إدارة سجون الاحتلال التمارين العسكرية والكاراتيه، وتُصادر الزجاجات المستخدمة كأثقال في بناء الأجسام

هذه التمارين تعطي نتائج جيدة، وتبرز العضلات على الأسير، ويتم زيادة الوزن المستخدم بشكل تدريجي، كما هو الحال في الأندية المتخصصة خارج السجن، وفق البرغوثي، ولكن ما ينقص الأسرى هو التغذية الخاصة.

بقية الرياضات مثل كرة السلة وكرة الطائرة وتنس الطاولة يمارسها الأسرى في مختلف أوقات النهار.

مسابقات رياضية وجوائز

يقول منصور، إن اللجان الرياضية المنبثقة عن اللجان الوطنية في السجون تنظم مسابقاتٍ رياضيةٍ بين الأسرى، وتُقام بين الغرف أو بين مجموعات من الأسرى، أو حتى بين التنظيمات.

وتكون المسابقات في الرياضات المعروفة مثل تنس الطاولة والسلة والطائرة، إضافة لمسابقاتٍ خاصة بهم، مثلاً: الأسير الذي يركض أطول فترة ممكنة، الأسير الذي يمارس الضغط أكثر وهكذا.

ينظم الأسرى مسابقات في تنس الطاولة والسلة والطائرة، ومسابقات خاصة مثل الأسير الذي يركض أطول فترة ممكنة

ومن يفوز في المسابقة، يأخذ حبة "بفلة" وهو نوع من البسكويت، أو حبة شوكولاته، أويتم إعفاؤه من الجلي، وهي "جوائز رمزية، فقيمة الفوز المعنوي هي الأهم للأسير (التباهي بين الأسرى)" حسب وصف منصور.

اقرأ/ي أيضًا: صور | هدايا الأسيرات: فيض حُب وأمل حرية

ومن المناسبات الرياضية الفريدة في السجون أن يتم تنظيم ماراثون ركض خاص في المناسبات الوطنية، مثل تخصيص ركض ساعة كاملة تسمى "ماراثون" على شرف الشهيد عمر القاسم في ذكرى استشهاده، أو ذكرى انطلاق حركة فتح وغيرها.

أهمية الرياضة في السجون

تحرر البرغوثي من السجن في صفقة "وفاء الأحرار" عام 2011 وهو بكامل صحته. يقول: "في السجن من دون رياضة وحركة من المستحيل أن يحافظ الأسير على جسمه من الأمراض، والرياضة مهمة للحفاظ على نفسية الأسير، لأن البقاء على السرير يؤدي على استفحال الأمراض".

وتابع، "من فوائد الرياضة في السجن، نسج العلاقات الاجتماعية بين الأسرى".

بينما يقول منصور، إن الرياضة في السجن "مهمة ليس من باب الاستعراض وفرد العضلات، ولكنها عامل من عوامل الصمود في السجن، فكلما حافظ الأسير على جسمه يصمد أكثر".

الأسرى الرياضيون أكثر قدرة على الصمود في الإضرابات عن الطعام من سواهم

وأشار إلى أن الرياضة وبناء الأجسام لها أهميتها في الصدامات مع الإدارة والتصدي لحالات القمع والدفاع عن النفس من اعتداءات السجانين.

ورأى منصور، أن في الإضرابات عن الطعام يصمد الأسرى الرياضيون أكثر من غيرهم "لأن صحتهم جيدة"، مؤكدًا أن هناك عقيدة لدى الأسير الفلسطيني في أن يهتم بصحته وجسمه ولباسه ومظهره".

اعتقاد منصور أكده لنا وفسّره عمليًا محاضر التربية الرياضية في جامعة بيرزيت رافي عصفور، إذ بيّن أن الشخص الذي لا يلعب رياضة لديه نسبةٌ أعلى من الدهون عن الشخص الرياضي ذو البنية العضلية، مبينًا أن في الإضراب عن الطعام يفقد الأسير غير الرياضي وزنه بصورة أسرع من الأسير الرياضي، لأن الجسم يفقد في البداية الدهون ثم العضل.

وأشار عصفور إلى أن الدهون تكون متراكمة تحت الجلد مثل الاسفنج، ولذلك نفقدها بسرعة عند استهلاك الطاقة، ثم يفقد الجسم من بروتين العضلات، لأن البروتين لا يدخل في الطاقة بشكل عالٍ، "فعلى سبيل المثال وُجِد أن لاعبي الماراثون بعد ساعة من التمرين يبدأ جسدهم يأخذ من البروتين".


اقرأ/ي أيضًا: 

السجن وعالم الكلمات (1)

السجن وعالم الكلمات (2)