20-مايو-2018

وسط معسكرات لجيش الاحتلال ومستوطنيه، تعيش الخمسينيّة زليخة المحتسب في بيت عتيق يطل على شارع الشهداء المغلق منذ مجزرة المسجد الإبراهيمي، بمدينة الخليل القديمة، جنوب الضفة الغربية. أمام بيتها معسكرٌ ومستوطنة، وعلى الجهة الأخرى مدرسة أسامة بن المنقذ التي تحوّلت لمستوطنة "بيت رومانو". وفي الجهة المقابلة "الحسبة" التي أصبحت مستوطنة "أبراهام أفينو".

  زجّت الخمسينية زليخة نفسها في سجن من صنع يديها، لعلّها تتقي شر جنود الاحتلال ومستوطنيه في شارع الشهداء بالخليل!   

قصدنا في "الترا فلسطين" منزل زليخة من بابه الخلفيّ، وهو بالأصل بابٌ خاص لجيرانها، غير أنهم أذنوا لها باستخدامه بعد إغلاق بوابتها. وعلى مسافة عشرة أمتار أو أقل، أقام جيش الاحتلال جدارًا يعزله بشكل كامل عن شارع الشهداء، والسبب لخّصته المحتسب بقولها: "أنا من سكان شارع الشهداء، حصلت علينا تضييقات كثيرة بعد مجزرة الحرم عام 94، لكن منذ عام 2003 أغلق بشكل كامل، وباب بيتي الرئيس مغلق "ملحوم"، فأضطر للمرور من خان شاهين/ سوق الدجاج قديمًا، لأصل منزلي".

[[{"fid":"72054","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"5":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"5"}}]]

اقرأ/ي أيضًا: بين الزواج وشباب الخليل العتيقة.. "إسرائيل"

19 عشر درجة تصعدها زليخة التي قطعت نصف عقدها الخامس، تأخذها لمساحة صغيرة سقفها السماء، وجدرانها ورود، لتكون بمثابة قطعة من الجنة تستقبل زوّارها فيها لا سيّما الأجانب والمدافعين عن القضية الفلسطينية، ثم تتدرج العين مع الحجارة العتيقة لثلاث غرف واسعة بطراز معماري قديم وسقف قببي، ثم نافذتين وبينهما باب يأخذ لـ "البلكونة" المطلّة على شارع الشهداء.

[[{"fid":"72055","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"6":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"6"}}]]

الاعتداءات على زليخة لم تتوقف عند إغلاق مدخل بيتها الرئيس وشارع الشهداء، بل مستمرة بشكل يوميّ من المستوطنين. تقول زليخة إنّ المستوطنين يلقون الحجارة والأوساخ على نوافذ منزلها، والتي تسمّيها (الهدايا السئية/Bad Gifts ) خاصة في احتفالاتهم ومناسباتهم.

طرقات المستوطنين العنيفة على الأبواب لا تتوقف ليلًا، فتشعر زليخة بالخوف والرهبة، وتفتقد الأمان. تقول إنّ هذه الاعتداءات تضاعفت في السنوات الثلاث الأخيرة، فصارت لا تعرف النوم.

اقرأ/ي أيضًا: هل تقبل الخليل القسمة على أربع؟

تلك الاعتداءات دفعت زليخة لما تكره؛ تزجّ نفسها بنفسها في سجن من صنع يديها كما تقول "أنا أضع الشبك على نوافذي والبلكونة، فأشعر وكأنّي في السجن، صحيح أن "الشبك" يشعرني ببعض الأمان، لكن أنا شاركت في صناعة سجني، لم يكن أمامي خيار". ثم استأنفت " أكثر ما يزعجني إطفاء النور من بيتي ليلًا، حتى لا يهاجمنا المستوطنون ليلًا، بإطلاق النار علينا، فيما لو أبقينا النور مشتعلًا.

[[{"fid":"72056","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"7":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"7"}}]]

اصطحبتنا زليخة لسطح منزلها الذي يطل مباشرة على شارع الشهداء المغلق، فأخذت تشرح الواقع حتى تنهدت "ليس سهلًا أن ترى الشارع الذي كنت تمر منه يوميًا، وتستقبل زوارك من خلاله مغلق، فجأة تجده ميّتا، كل يوم ألم، أتحاشى الجلوس على بلكونة منزلي، حتى لا أبقى أتألم على الوضع المأساوي".

عندما أقف على نافذتي يُقبض صدري، وأبكي كثيرًا وأنا أنظر لشارع الشهداء، أتذكر نفسي وأنا ذاهبة للمدرسة في القدس، أو للجامعة عبر الحافلة، انطلاقًا من هذا "الكراج" الذي تحوّل لمعسكر إسرائيلي، تقل زليخة.

اقرأ/ي أيضًا: صور | شوقية.. مرأة في وجه الاحتلال

لا تتذكّر زليخة عدد المرات التي تعرّضت فيها لاعتداء المستوطنين، فهي أكبر من حصرها بعدد. إضافة إلى أنّ الجلوس على سطح منزلها يعتبر خرقّا لـ "قانون" الاحتلال العسكريّ، فالجنود قد يأتون في أيّ لحظة لإجبارها على النزول.

لا يفصل منزل زليخة عن المقبرة إلّا شارع الشهداء، بمعنى أن المسافة لا تُذكر، غير أن معادلة الوصول إليها تختلف "عندما أذهب للمقبرة لقراءة الفاتحة على روح الأحبة، أضطر للف المنطقة بواقع 45 دقيقة، مع أن المسافة التي تفصلني عنها دقيقة واحدة فقط".

أن تمشي زليخة في شارع الشهداء دون أن يعترض طريقها أحد "مثل زمان"، هي الأمنية الوحيدة التي تحلُم بها.

[[{"fid":"72057","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"8":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":380,"width":507,"class":"media-element file-default","data-delta":"8"}}]]


اقرأ/ي أيضًا:

خيمة للزواج.. حُلمٌ مستحيل في سوسيا

الزبيب الفلسطيني.. ما تبقّى لكم من حلوى

"المعلاق" وجبة الخليل السحرية كل صباح