16-أكتوبر-2018

بعد سنين من التّفكير المتواصل في قضية "صراع الشرق الأوسط" المستعصية على الحل، يتوصّل الروائي الأمريكي بول أوستر إلى الحل السحري المثالي: إخلاء إسرائيل من جميع السكان الإسرائيليين ومنحهم ولاية وايومنج الأمريكيّة. ووايومنج ولاية هائلة الحجم ونادرة السكان وهي فوق ذلك داعمة للسلام العالمي، ومن ثمّ، فبوسع الحكومة الأمريكية ببساطة أن تشتري المزارع والمراعي وتعيد توطين سكان وايومنج في ولايات أخرى.

لم لا؟ يسأل أوستر صديقه في المراسلة الروائي الجنوب أفريقي جيه إم. كوتزي. فبهذا الحل تنتهي أعظم الأخطار التي تهدّد الإنسانية، وفي وقت قصير يستطيع الإسرائيليون تأسيس دولة مزدهرة. "حل عملي مثالي، هكذا يبدو لي، ولكنه مع ذلك لن يتحقق مطلقًا. لماذا؟ لأنّنا بتعبيرك نفضّل أن نعيش الشقاء الذي خلقناه".

القضية الفلسطينية حضرت في مراسلات الروائي الأمريكي الشهير أوستر، والروائي الجنوب أفريقي كوتزي الحاصل على جائزة نوبل

في عام عام 2008، وفي شهر فبراير، التقى كل من بول أوستر الروائي الأمريكي الشهير، مع جيه إم. كوتزي الروائي الجنوب أفريقي الحاصل على جائزة نوبل لعام 2003 في مهرجان أدبي بفرنسا. ورغم أنّهما كانا يقرآن لبعضهما منذ سنواتٍ طويلة، إلّا أنّ ذلك اللقاء كان لقاءهما الأوّل. وبعد عودتهما كلّ إلى بلده، أبرق كوتزي إلى أوستر قائلاً: "لنقدح، بإذن الله، شرر بعضنا" مقترحًا بدء المراسلة بين الاثنين التي تمخّض عنها كتاب "هنا والآن" وهو مجموع الرسائل بينهما على مدى سنوات ثلاث، والذي يتضمّن بعض آرائهما حول مسألة فلسطين.

[[{"fid":"75083","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"link_text":null,"attributes":{"height":594,"width":480,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"}}]]

يعتقد أوستر أنّه لا يهمّ إن كان المرء يؤيد الصهيونية أو لا يؤيدها، سواء يؤمن أو لا يؤمن بمنطق دولة علمانية يؤسسها أتباع دين واحد هي إسرائيل بواقع الأمر، فالأكيد أنّ دمار إسرائيل سوف يتسبب في ألم لا براء منه لكلّ شخص على وجه الأرض. ستكون حرب عالمية ثالثة وأعداد لا حصر لها من الموتى، وستكون كارثة لا يمكن لا تصوّرها.

قبول الهزيمة وفي الآن ذاته الاعتراف بالمظلوميّة

في المقابل يقترح كوتزي حلاً أكثر اتصالاً بالواقع من اقتراح أوستر بإزالة إسرائيل من قلب المتوسط وزرعها في ولاية وايومنج الأمريكيّة. فقد تعرّض الفلسطينيون لظلمٍ هائلٍ يدركه الجميع. دُفعوا دفعًا إلى تحمّل عواقب أحداث في أوروبا (الهولوكست) لم يكن لهم أيّ مسؤولية من أيّ نوع عنها، وكان ممكنًا حلّها عبر فانتازيا تشبه فانتازيا أوستر الخاصّة بوايومنج لليهود، وعبر عدد آخر من الحلول التي ليس من بينها تهجير الفلسيطينيين من أرضهم. إلّا أنّ ما حدث قد حدث ولا يمكن إبطاله. إسرائيل موجودة وستظل موجودة إلى وقت طويل. ومع إدراك كوتزي للدعاية الإسرائيلية التي تصوّر احتشادًا دائمًا للجيوش العربيّة على حدود إسرائيل واستعدادها لمحو إسرائيل صباح اليوم التالي، إلّا أنّه يدرك الحقيقة التي مفادها أنّ نصف قرن بذل فيه العرب أقصى ما في وسعهم "لم يثمر عن استرداد متر مربع من الأراضي الفلسطينية"، ولن يكون أداءهم في المستقبل أفضل.

لم يبق أمام الفلسطينيين من شيء إلّا الاعتراف بالهزيمة، والفلسطينيون مهزومون. ورغم مرارة الهزيمة، إلّا أنّ كوتزي يصرّ أن قبولها وتسميتها باسمها الحقيقيّ وابتلاعها هو الطريق الأوحد أمام الفلسطينيين. وبديل رفض الهزيمة هو مواصلة "تغذية أحلام الانتقام بغدٍ تحدث فيه معجزةٌ فيستقيم كل معوجٍ ويصح كل خطأ". ومدركًا لما قد يقوله الفلسطينيون بأنّ ما يسمّيه أحلام الانتقام هو أحلام العدالة المطلقة، يقول كوتزي إنّ الهزيمة لا علاقة لها بالعدالة، بل بالقوة في مقابل قوة أكبر منها. وطالما أنّ الإسرائيليين قادرون على إدراك أحلام الفلسطينيين بإبادة إسرائيل، فلن يكونوا مستعدّين أبدًا لصنع السلام.

لذلك فإنّ ما يحتاجه الفلسطينيون في نظره هو ظهور شخص على قدر كاف من الأهميّة يستطيع أن يقول: "لقد خسرنا، وهم كسبوا، فلنضع السلاح ولنتفاوض على أفضل شروط الاستسلام، واضعين في أذهاننا، لو أنّ لنا في هذا عزا، أن العالم كلّه يرى". إلّا أنّ كل من تصدّر المشهد الفلسطيني حتى الآن - وفق كوتزي - هم "زعماء أقزام لا أكثر"، ولا يملكون الشجاعة الكافية ليقولوا ما يعتقد أنّه يجب أن يُقال ليبدأ الطريق نحو الحل النهائي.

قبح إسرائيل ولعبة كرة قدم لتعلّم الخسارة

زار أوستر إسرائيل مرّتين، الأولى عام 1997 والثانية عام 2010، ولسوء حظّه كان نتنياهو هو رئيس الوزراء في كلا المرّتين. فعند عودته من القدس عام 2010 أثناء مراسلته لكوتزي، سمّى البلاد بـ"أرض العذاب" ووصف القدس بأنّها وباء ومرض.

يتّفق كلا الرجلين على أنّ اليمين المتشدد في إسرائيل يقودها نحو الهاوية، هذا إضافة إلى أنّ هذا رأي أصدقاء أوستر نفسه ممن يصفهم "الإسرائيليين الأخيار" الذين التقاهم في إسرائيل عندما زارها في عام 2010. فالديمقراطية الإسرائيليّة تعمل وفقًا لقوانين سيئة ورديئة، والقبح الموجود في إسرائيل يوشك أن يقلب معدة المرء. ومن جهة أخرى هناك التوسّع الاستيطاني الذي يجعل من حلّ الدولتين مستحيلاً، وكذلك الأمر مع حل الدولة الواحدة الذي لا يعتقد أوستر أنّه ممكن في حالة إسرائيل.

لم يبق إلّا كرة القدم. فإسرائيل تعيش تهديدًا وجوديًا حقيقيًا مع أنّها القوة العسكرية العظمى الوحيدة في المنطقة، والفلسطينيون يرفضون الاعتراف بهزيمتهم. فيقترح كوتزي: "أودّ لو أرى الإسرائيليين والفلسطينيين يلعبون كرة القدم مرّة في الشهر مع وجود حكام محايدين. فيتعلم الفلسطينيون أنّهم قد يخسرون دون أن يفقدوا كل شيء (فهناك دائمًا مباراة الشهر القادم) ويتعلم الإسرائيليون أنّهم يمكن أن يخسروا من الفلسطينيين، وماذا في هذا؟".


اقرأ/ي أيضًا:

في الإصرار على اعتدال العدو

عن حل الدولتين وحتمية النضال ضد الاحتلال والعنصرية

عن الخلاص الصهيوني: القدس شرطًا لعودة المسيح