24-نوفمبر-2018

منذ ثلاثة أعوام ينطلق محمد حسن (32 عامًا) كل صباح على دراجته النارية للعمل لدى إحدى شركات التوصيل السريع "الديلفري" ليُحصّل رزق أطفاله الثلاثة وعائلته التي تعيش في منزل مستأجر في حي الزيتون بمدينة غزة.

      مهنة تعتمد على السرعة في إيصال الطلبات للزبائن، دون توفّر أي حقوق للعاملين فيها   

12 ساعة متواصلة يقضيها حسن يوميًا متنقلًا على دراجته النارية بين زحام السيارات وعناوين المطاعم والمنازل، لتلبية طلبات الزبائن، دون ارتداء خوذة الرأس أو أي من وسائل السلامة، فيما لا توفّر له الشركة التي يعمل معها أيًا من حقوقه حال تعرّضه لحادث سير، أو سُرقت دراجته، كما يقول. 

"للأسف ما في النا أي حقوق كسائقين"، يقول حسن الذي اضطر أمام حاجته الماسّة للتوقيع على عقد بينه وبين صاحب الشركة، يسقط بموجبه أي حقوق له إن تعرض لحادث سير أو تمت سرقة دراجته. 

اقرأ/ي أيضًا: ثغرات في قانون العمل الفلسطيني وجدت من يستغلها

ويستذكر حسن تعرّضه لحادث سير العام الماضي أدى لإصابته بكسور في قدمه اليسرى فيما تحطّمت دراجته النارية، يزيد حسن "صاحب الشركة وقف معي وقفة شخصية أول يومين فقط وبعد ذلك وجدت نفسي وحيدًا في البيت أتلقى العلاج دون مساعدة من أحد".

وتحت وطأة الحاجة الماسّة للعمل اضطر حسن بعد ثلاثة أشهر ونصف للعودة إلى عمله من جديد، رغم مطالبات زوجته ووالدته العجوز له بالبحث عن مهنة أخرى أقلّ خطورة على حياته.

حياة مهددة!
الشاب فهد الخزندار (26 عامًا) اضطر هو الآخر للعمل كسائق ديلفري بعد فقدانه الأمل في الحصول على أي وظيفة بعد تخرّجه من الجامعة، لتأمين مصدر دخل يتدبر فيه أموره، بدل أن يطلب مصروفه الشخصي من والديه. كما قال لـ "الترا فلسطين".

ولم تمض 6 أشهر على عمل فهد لدى إحدى شركات "الديلفري" حتى أصيب في حادث سير نتج عنه كسور بليغة في قدمه، اضطر على إثرها لترك العمل بالكلية في هذه المهنة إذ أن قدمه المزروع داخلها "البلاتين" لن تساعده في قيادة الدراجة بعد الآن. 

ويضيف فهد أنه لا يزال يعاني من أثر الإصابة بعد عام ونصف، ولا تزال قدمه تؤلمه وتضطره لتلقي العلاج والمسكنات خاصة في فصل الشتاء.

ويشير فهد إلى أنه كان يدرك خطورة هذه المهنة منذ البداية فهي مهنة تعتمد على السرعة في إيصال الطلبات، كما أن سرعة سائقي المركبات في الشوارع الرئيسية تهدد حياتنا في أي لحظة، لكني كنت مضطرًا للعمل في هذه المهنة. 

اقرأ/ي أيضًا: "المرخص كالمشطوب".. تفاصيل أزمة تأمين الدراجات بالضفة

وتلجأ شركات "ديلفري" تعمل بغزة إلى توقيع (عقود شراكة) بينها وبين سائقي الدرجات العاملين لديها لتفادي التزامها بصرف أي حقوق أو تغطية ماليّة حال تعرضهم لحوادث سير أو سرقة أثناء العمل، فيما تتهرّب شركات التأمين من تأمين تلك الدراجات عبر فرض رسوم مرتفعة جدًا.

لا نتحمّل مسؤولية!
سهيل الأسعد المدير التنفيذي لشركة "يمامة ديلفري" قال لـ "الترا فلسطين" إن طبيعة العقد القائم بين الشركة والسائقين هو عقد شراكة يومي وليس عقد عمل، وبموجب هذا العقد فإن الشركة لا تتحمل أي مسؤولية تجاه السائق حال إصابته أو سرقة دراجته.

ويضيف الأسعد أن الكثير من السائقين تعرضوا لحوادث سير وسرقة دراجاتهم ولم يتم صرف أي تعويضات لهم، نحن نقف إلى جانب السائق كوقفة شخصية لكننا غير ملزمين بشيء وفق العقد.

وأوضح أن الشركة لا توفّر أي إجراءات سلامة للسائقين كخوذة الرأس مثلًا، مشيرًا إلى أن سعر هذه الخوذة يبلغ قرابة 250 شيقل والشركة ليس بمقدورها توفيرها. ويؤكد في الوقت ذاته على أنّ شركته لا تجبر السائقين على شراء هذه الخوذة وغيرها من وسائل السلامة نظرًا لدخلهم المحدود والتزاماتهم تجاه عائلاتهم.

جميل اليازجي مدير شركة "حمامة ديلفري" اتفق تمامًا مع أقوال الأسعد، موضحًا أن عقد الشراكة ينتهي مساء كل يوم بتقاسم الإيرادات بين السائق وبين الشركة بحسب النسبة المتفق عليها، ويبدأ عقد جديد في اليوم التالي.

حسب العقد
شادي حلس نائب مدير عام التفتيش وحماية العمل في وزارة العمل قال لـ "الترا فلسطين" إن عملية التقاضي بين العامل وصاحب العمل حال تعرضه لأي حادثة أثناء العمل تتم حسب طبيعة العقد بينهما، وبناءً عليه يتم اتخاذ الإجراءات القانونية وفقًا لقانون العمل الفلسطيني.

وفرّق حلس بين عقد العمل وبين عقد الشراكة، فبموجب العقد الأول يمنح العامل (السائق) كافة حقوقه بموجب القانون، بينما يختلف الأمر تمامًا حال التوقيع على عقد شراكة فيصبح بذلك العامل (السائق) شريك في العمل مثله مثل صاحب العمل وليس عامل.

وأشار حلس إلى أن هناك عقد يسمى بـ (عقد العمل بالنسبة) وبموجب هذا العقد فإن العامل يتحصّل على كافة حقوقه القانونية.

ويتجاهل أصحاب شركات الديلفري هذا النوع من العقود والذي يعتبر هو العقد المطابق لحالة السائقين وليس عقد الشراكة، كونه يُلزمهم بتأدية كافة حقوق السائقين.

شروط السلامة
بدوره أكد مدير معاهد المرور في مدينة غزة مصطفى الشاعر لـ "ألترا فلسطين" على أن شرطة المرور تعمل على الحفاظ على سلامة المواطنين من خلال ضبط الحالة المرورية، مع مراعاة الحالة الاقتصادية الصعبة في الوقت ذاته.

وأشار إلى شرطة المرور تواصلت مع مكاتب الديلفري وقدمت لهم التوجيهات اللازمة وتوعدت بمعاقبة المخالفين، مقرًّا في الوقت ذاته بأن مكاتب الديلفري والسائقين بحاجة إلى مزيد من الضبط والتوجيه.

وأعرب الشاعر عن أسفه من أن نسبة كبيرة من الدراجات وسائقيها غير حاصلين على التراخيص اللازمة ولا يلتزمون بارتداء أدوات السلامة، بمن فيهم سائقي مكاتب الديلفري الأمر الذي يتسبب بحوادث خطيرة.

وأوضح أن الإجراءات القانونية غير مطبّقة بمفهومها وشكلها الموسّع الذي كان يُتعامل به في السنوات السابقة نظرًا للأوضاع الاقتصادية، مشيرًا إلى أن شرطي المرور في الميدان لديه سلطة تقديرية للتعامل مع المخالفة التي من الممكن أن تشكّل خطرًا على حياة المواطنين.


اقرأ/ي أيضًا: 

خلل فني في سيارات قد تقتنيها.. كيف تتصرف؟
"سيارات تأجير" غير صالحة للسير على الطرقات
لماذا تنكّر الفلسطينيون لـ"سفينة نوح"؟
الخليل: مراكز أشعة غير مرخصة وأجهزة متهالكة