28-أكتوبر-2019

مقال رأي 

فند من أهل المدينة المنورة أرسلته سيدته ليقتبس من الجيران نارًا، فوجد في طريقه قافلة متجهة لمصر، فركب معها وعاد بعد عام وأخذ من أحد البيوت قبسًا من النار ولكنه تعثر قبل أن يصل به إلى مولاته وقال كلمته المشهورة: "بئست العجلة "، فظهر المثل العربي المعروف "أبطأ من فند". والعرب في السباق نحو أفريقيا أبطأ من فند، فسبقنا الغرب و"إسرائيل" إليها .

العرب في السباق نحو أفريقيا أبطأ من فند، فسبقنا الغرب وإسرائيل إليه

في إحدى المقابلات تساءل الأديب العربي علي الهويريني: "هل فكر المفكرون المصريون والعرب في أفريقيا قبل أن يأتي الاستعمار إليها؟ هل فكّروا أن يجروا جنوبًا عكس النيل ليصلوا إلى تلك المجتمعات ويتبادلوا معها الثقافات؟". ويقول: "لو بدأوا بذلك قبل 200 سنة لكنا كسبنا أفريقيا قبل الغرب" .

اقرأ/ي أيضًا: "إسرائيل" وعضوية الاتحاد الأفريقي: احتمالات وتداعيات

ثاني أكبر قارات العالم لم تكن مجهولة لدينا فقط، حتى الغرب كان ينظر إليها فقط كمصنع لـ "العبيد"، ينقلهم عبر المحيط إلى العالم الجديد بالأمريكيتين. فعلى الرغم من أن أفريقيا كانت من أولى المناطق التي تم اكتشافها من جانب الأوروبيين فإنها من الناحية الواقعية كانت آخر المناطق اكتشافًا من حيث تقدير ثرواتها الطبيعية، وذلك بعد الاستعمار الأوروبي لأفريقيا، فاكتشاف الذهب والماس والموارد الزراعية والمعدنية ونعم الله الوافرة على الأفارقة انقلبت نقمة لجذبها المستعمرين.

رحل الاستعمار شكليًا عنا وعنهم وتركهم دولًا فقيرة حتى لو تملّكوا موارد زراعية أو معدنية، فلم يتعلّموا كيف يتم استغلال هذه الموارد، فأعادوا الاستعمار على هيئة اتفاقياتٍ ومعاهداتٍ مع الدول المستعمرة لإدارة الموارد، فترك لهم الجهل وترك لنا "إسرائيل" التي لم تغفل من جانبها عن أهمية أفريقيا للحظة، وعملت منذ قيامها على بناء وتقوية العلاقات مع الدول الأفريقية .

في مؤتمر صحفي لتنياهو في كينيا عام 2016، قال: "إسرائيل تعود لأفريقيا وأفريقيا تعود لإسرائيل". فالعلاقات الإسرائيلية الأفريقية اتسمت بمدٍ وجزر، ففي خمسينيات القرن الماضي أي بعد تأسيس دولة الاحتلال بقليل، جمعتها علاقاتٌ دبلوماسيةٌ مع أغلب الدول الأفريقية ما عدا العرب منها، واستقبل الاحتلال عشرات الآلاف من يهود الفلاشا من أثيوبيا. لكن مع حرب عام 1967 وإحكام إسرائيل سيطرتها على فلسطين ومساحة شاسعة من البلاد العربية، ثم حرب أكتوبر 1973 وقرار منظمة الوحدة الإفريقية مقاطعة "إسرائيل"، تجمّدت العلاقات الدبلوماسية مع أغلب دول أفريقيا، لكن لم يُعق ذلك حركة التبادل التجاري.

لاحقًا، هيّأت اتفاقية كامب ديفيد وانسحاب الاحتلال من سيناء، المناخ المناسب لعودة "إسرائيل" إلى أفريقيا واستؤنفت العلاقات الدبلوماسية مع 39 دولة أفريقية جنوب الصحراء، ثم توجت في عام 2016 بزيارات نتنياهو التاريخية لرواندا وكينيا وأوغندا وأثيوبيا .

كسب الغرب و"إسرائيل" أفريقيا رغم أنهم كانوا لا يرونهم إلا "عبيدًا" قبل ظهور الموارد الطبيعية

والسبب في اهتمام دولة الاحتلال بالقارة السمراء أن هناك مصالح استراتيجية ودبلوماسية واقتصادية، فمن ناحية استيراتيجية يولي الاحتلال، منطقة قرن النيل أهمية خاصة لأنها تحتضن منابع النيل وموانئ ومعابر بحرية مهمة جدًا. ودبلوماسيًا فإنها تستميل الأفارقة لدعم موقفها بالمحافل الدولية، وتدعم ما يضر بالدول العربية في أفريقيا كمشروع النهضة حاليًا. واقتصاديًا فالقارة السمراء سوقٌ كبيرٌ للبضائع والخبرات الإسرائيلية، ومصدرٌ كبيرٌ للماس، إحدى أكبر الصناعات في دولة الاحتلال .

كسب الغرب و"إسرائيل" أفريقيا رغم أنهم تعاملوا معها حسب ما تقودهم مصالحهم فقط. كسبوها وهم كانوا لا يرونهم إلا "عبيدًا" قبل ظهور الموارد الطبيعية. كسبوهم بعد أن قاموا بقتل 142 أفريقيًا على متن سفينة سونغ لتقليل استهلاك المواد الغذائية على ظهر السفينة، ثم بكل وقاحة طالبوا بتعويضٍ من شركات التأمين، كما أنهم لم يحاكموا كون القانون حينها كان يشرع القتل المتعّمد لـ "العبيد" في بعض الأحيان. فكيف لو توجه العرب قديمًا إلى أفريقيا بغرض تبادل الثقافات والخبرات والمصالح الإنسانية؟ ألسنا نعضُّ الآن أصابعنا ندمًا على تجاهلنا لها؟ أم ما زال في الوقت متسعٌ  و"بئست العجلة"؟


اقرأ/ي أيضًا: 

نتنياهو يفتح أفريقيا.. سر الزائر والزيارة

كيف عاقب اليهود من أصل أثيوبي، نتنياهو؟

كيف حصلت الصهيونية على إعلان بلفور؟ رواية إسرائيلية