16-أكتوبر-2017

هدمت جرافاتٌ أجزاءً من سجن الفارعة شمال شرقي نابلس، بهدف إقامة مبنى جديد، ما أثار حفيظة الكثيرين وأطلق موجة من الانتقادات الفصائلية والشعبية، على مواقع التواصل الاجتماعي، رفضًا للهدم الذي طال الموقع الذي تحوّل إلى مركز شبابي خلال السنوات الأخيرة، بعد أن كان لنصف قرن مقرًا لعذابات آلاف الفلسطينيين.

وكان سجن الفارعة، واحدًا من عشرات السجون التي أوجدها الاحتلال البريطاني في فلسطين، إذ بناه في ثلاثينات القرن العشرين، قبل أن يتحول بعد النكبة عام 1948 إلى موقع تابع للجيش الأردني، إبان سيطرة الأردن على الضفة الغربية، حتى نكسة حزيران عام 1967، عندما سقطت الضفة الغربية في يد الاحتلال الإسرائيلي.

نشطاء يحذرون من أعمال هدم تجري في سجن الفارعة الذي شيّده الإنجليز واستخدمته إسرائيل مركز تحقيق وتعذيب

وفي مطلع ثمانينيات القرن العشرين، حوّل الاحتلال الإسرائيلي الموقع إلى مركزٍ للتحقيق والاعتقال، ومنذ ذلك الحين مرّ عبر بوابة هذا السجن آلاف الفلسطينيين الذين ذاقوا مرارة الاعتقال والتعذيب، وحفروا أسماءهم على جدران السجن، وعدّوا أيامًا طويلة داخل زنازينه، قبل أن ينتقل إلى السلطة الفلسطينية بعد إنشائها، فتقرر وزارة الشباب والرياضة تحويله إلى مركز لإعداد القادة الشباب، وتطلق عليه اسم الشهيد صلاح خلف "أبو إياد".

اقرأ/ي أيضًا: دور السينما الفلسطينية.. لم يبق إلا الأسماء

وشهد الموقع منذ ذلك الحين أعمال بناء وترميم عديدة، وقد حرص القائمون عليه على الموازنة بين تطوير المكان وتوسعته؛ والاستفادة منه إلى أقصى مدى، مع المحافظة على بقايا السجن والأماكن التي شهدت تعذيب الأسرى ومعاناتهم، كأحد الشواهد التاريخية التي توثق حقبة نضالية هامة من عمر الشعب الفلسطيني.

وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وثّق نشطاء أعمال هدم طالت أجزاء من المبنى، وتداولوا صورًا لها على موقع التواصل الاجتماعي، موجهين انتقادات شديدة للقائمين على المركز، وللسلطة الفلسطينية، بسبب ما اعتبروه هدمًا للذاكرة الفلسطينية بشكل متواصل، إذ قارن بعضهم بين أعمال الهدم هذه وما حدث لدور سينما عريقة في نابلس وجنين مؤخرًا، وكذلك لمنازل ومباني قديمة في رام الله ونابلس، قالوا إنها كانت إرثًا جميلاً في هذه المدن.

"ألترا فلسطين" تابع هذه القضية مع الجهات المعنيّة، بحثًا عن إجابات للتساؤلات والاتهامات المتداولة، فتواصلنا مع يوسف الزعبي مدير مركز الشهيد صلاح خلف، لينفي الأنباء التي قالت إن أعمال الهدم طالت قسم الزنازين الذي يحتوي على كتابات الأسرى على الجدران، مؤكدًا أن الهدم اقتصر على غرف التحقيق، والساحة القريبة منها، وجزء من سور السجن القديم.

وقال الزعبي، وهو مدير المجلس الأعلى للشباب والرياضة في شمال الضفة، إن عملية الهدم كانت بهدف بناء قسم خاص بنوم الزوار الذين يشاركون في النشاطات التي يقيمها مركز صلاح خلف، أو أي جهة أخرى، "وهذا القسم الجديد هو جزء من عدة مشاريع نسعى من خلالها لدعم فئة الشباب، وهذا يتماشى مع سياسية المركز ورسالته الأولى" وفق قوله.

وأضاف، أن أحدًا لم يمس بالزنازين القريبة من موقع البناء، ولا بالأشجار القديمة، مبينًا أن هناك خططًا لإعادة ترميم هذه الزنازين مع الإبقاء على آثار الأسرى، والحفاظ على المكان بجميع تفاصيله القديمة، ستُنفذ مستقبلاً بالتعاون مع مهندسين وفنانين.

وأشار الزعبي إلى أن غالبية السجون القديمة في الأراضي الفلسطينية، سواء تلك التي شيّدها الاحتلال الإنجليزي، أو الاحتلال الإسرائيلي من بعده، تم هدمها وأُقيمت بدلًا منها أبنية جديدة، "دون أن تحصل هذه الضجة التي أثيرت حول هدم جزء من بسيط من سجن الفارعة"، وفق قوله.

مدير مركز صلاح خلف الذي أُقيم بدلاً من سجن الفارعة يؤكد أن الهدم لن يطال زنازين الاعتقال، بل سيتم ترميمها لاحقًا

حزب الشعب كان أحد الجهات التي علّقت منتقدة بشدة الخطوة، وقد أكد خالد منصور القيادي في الحزب على رفضها، رغم تصريحات الزعبي، قائلًا إن هدم أي قسم من سجن الفارعة يعد تدميرًا لجزء من الذاكرة الفلسطينية، وهو مرفوض ومُدان.

وقال منصور لـ"ألترا فلسطين"، إنه يخشى أن يكون الهدم الأخير جزءًا من خطط عمرانية مستقبلية تشمل هدم الزنازين، خاصة أنه جرى  في السابق هدم بعض غرف الأسرى وأقسام السجن .

وأضاف، "المطلوب المحافظة على هذا المكان وتحويله لمتحف تزوره الأجيال القادمة، لمعرفة بشاعة الاحتلال وساديّته، (...) في جميع دول العالم تحول السجون السابقة لمعارض ثابتة، كسجن الخيام في جنوب لبنان، وسجون التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا".

واستغرب منصور من الموقع الذي خصص لبناء المنامات، منوهًا إلى أن مساحة المركز تزيد عن 50 دونمًا ويوجد فيه أماكن أخرى فارغة.

وتعقيبًا على ذلك، قال الزعبي: "هناك خطط لإقامة منشآت أخرى في المساحات الفارغة، مثل مسبح دولي، ومسرح مكشوف، ومشاريع أخرى تنتظر توفر التمويل"، مشددًا على أن المهندسين والمختصين هم الذين يضعون هذه الخطط، ويختارون أماكن البناء، وليس وفق رغبة إدارة المركز.

فؤاد الخفّش ناشط في قضايا الأسرى، وكان أحد من اقتيدوا إلى سجن الفارعة وذاقوا مراراته، يقول إن ذلك حدث عام 1992، عندما كان عمره (17 عامًا)، مبينًا أنه تعرض للتحقيق في مكاتب السجن، وبقي في زنازينه حوالي 60 يومًا.

ويضيف الخفش لـ"ألترا فلسطين"، "كل ما أمر بالقرب من السجن أقف عنده، وتعود بي الذاكرة 25 عامًا إلى الوراء، وأتذكر تلك الأيام العصيبة. وفي إحدى المرات أخذت أطفالي إلى المكان وقصصت لهم المواقف التي مررت بها".

وأكد الخفش رفضه القاطع لهدم أي أجزاء من السجن تحت أي ظرف، وقال: "لم تنجح السلطة للأسف بتحويل المكان لمزار أو متحف تقصده الوفود العربية والأجنبية للتدليل على ممارسات الاحتلال بحق الفلسطينيين، وذلك بصرف النظر عن استغلاله لأهداف أخرى لا نقلل من أهميتها".

ولا يزال متابعون يبدون اعتراضهم على أعمال الهدم في السجن، ويتداولون صورًا له قبل الهدم وبعده، متسائلين باستنكار: "متى سيتم  تغيير اسم الشهيد صلاح خلف؟".

 

 


 

اقرأ/ي أيضًا:

"سوق الرابش".. ليست ذاكرتنا وحدنا

"السيباط".. عندما تُحذف حكاية عمرها آلاف السنين

منهاج فلسطيني مخنوق بسبب أوسلو وأموال المانحين