21-يونيو-2017

تستعين ابتهال القوقا بالسردين "البذرة" كعنصر أساسي في أطباق الطعام المختلفة التي تعدها لعائلتها، فتصنع منه "الكفتة"، و"السردين مع الأرز"، وتعرب عن ارتياحها لتوفره بأسعار تناسب دخلها الشهري المتواضع، إذ لا يتجاوز الكيلو الواحد 10 شواقل، فتضمن بذلك وجبةَ غداءٍ هامةٍ لأطفالها مع إحساسهم التام بالشبع.

لا تخفي ابتهال بأن هذا النوع من الأسماك يُرهقها أثناء عملية التنظيف، ورغم ذلك يكون خيارها الأول عند الشراء، غير آبهة بالطعم الناتج في بعض الأحيان، الذي وصفته مازحة بأنه "يشبه السمك". تشير ابتهال إلى توفّر السردين طوال أيام السنة، ما يجعله "وجبة نهاية الأسبوع" بدلاً عن اللحوم الأخرى، التي يكلّف شراؤها ميزانية أكبر.

ويطلق على سمك السردين هذا الاسم لأنّ اصطياده تمّ لأول مرّة بالقرب من جزيرة سردينيا غربي البحر الأبيض المتوسط.

يشكل السردين عنصرًا أساسيًا في وجبات الطعام المختلفة على موائد الغزيين، بسبب توفره طوال العام ورخص ثمنه

ويعيش السردين بالقرب من سواحل كلّ القارات تقريبًا، ويبلغ متوسط طول سمكة السردين من 23 إلى 30 سم، وتزن 113 غرامًا تقريبًا. ولون الجزء الأعلى من جسمها رمادي ضارب إلى الزرقة، أمّا الجزء الأسفل منها ففضِّي اللّون.

اقرأ/ي أيضًا: الصيادون في غزة.. عزلة وحرب في الظلمات

للاطلاع على تفاصيل أكثر عن عملية اصطياد السردين، كبيره وصغيره، توّجه "ألترا فلسطين" لحسبة السمك "الميناء" غرب قطاع غزة، فتحدث لنا الصيّاد الأربعيني يوسف زعرب قائلًا: "مع ساعات الإمساك الأولى في نهار رمضان، أبدأ بالخروج من عرض البحر برفقة شباكي إلى اليابسة، بعدَ رحلةٍ تزيد عن عشرِ ساعات، ومعي ما يُقدر في أفضل الأيام بثلاثةِ صناديق من سمك السردين الصغير".

يّوضح زعرب خلال حديثه أنّ شهري نيسان/أبريل، وأيّار/مايو، يصادفان موسم صيد ما يقارب الـ15 نوعًا مختلفًا من الأسماك مثل "السردين"، و"المليطة"، و"الغزلان".

ويضيف زعرب، أن الناس يفضلون سردين "البذرة" لتوفرّه بكثرة، وبالتالي رخص ثمنه، ويشترونه بكميات كبيرة، "خاصة العائلات الممتدة".

يشير زعرب بحسرة إلى شباكه قائلًا: "في السابق كان صيد السردين، بعشرات الفروش حتى تمتلأ القوارب بها، أما اليوم فصيدها شحيح جدًا، لأنها تحتاج لمسافات طويلة في عرض البحر، ولا يُسمح بتجاوز الـ6 ميل بحري".

يُذكر أن سلطات الاحتلال قررت توسيع مساحة الصيد من وادي غزة وسط القطاع حتى رفح أقصى الجنوب فقط، بدءًا من أيار/مايو الماضي، حتى مطلع تموز/يوليو المقبل، إلا أنها رغم ذلك تلاحق الصيادين في عرض البحر، وتطلق الرصاص عليهم وتعتقلهم وتصادر قواربهم، وقد أدى ذلك لاستشهاد عددٍ من الصيادين، آخرهم الصياد محمد ماجد بكر، الذي استُشهد منتصف شهر أيار/مايو.

قاطعنا خلال حديثنا، الصياد الخمسيني علي عودة، معبرًا عن رفضه لاصطياد هذا النوع من الأسماك، "لأن نموها لم يكتمل". قال عودة منفعلًا: "عدم قدرة الصيادين على الإبحار لمسافات طويلة وصيد أسماك متنوعة، دفعهم لصيد هذا النوع من الأسماك، دون التفكير بالعواقب المترتبة عليه مستقبلاً".

وشدّد عودة على ضرورة توعيّة الصيادين بعدم اصطياد السردين الصغير، لأنها ستنمو بعد أشهر.

رد زعرب قائلاً: "نتيجة للفقر وقلة الدخل العائد علينا بسبب عدم توفر الأسماك الوافية حجمًا وجودةً، مثل الجمبري الطازج على سبيل المثال، الذي يتعدى سعر الكيلو منه 80 شيكلاً (22$)، لجأنا لاصطياد أسماك البذرة للتعويض عن المخاسر التي نتعرض لها أيضًا من إحراق كميات كبيرة من الوقود أثناء الإبحار".

يكثر صيادو غزة من صيد السردين الصغير "البذرة" بسبب قيود سلطات الاحتلال على تحرّكهم وبالتالي عجزهم عن صيد أنواع أخرى

وبحسب زعرب، فإن صندوق السردين صغير الحجم لا يتجاوز الـ20 شيكلاً (6$)، "لذا يلجأ عدد كبير من الصيادين للتوقف عن الصيد نتيجة لذلك، فكل ما يحصلون عليه لا يسد نصف ثمن الوقود اللازم للمركبة" وفق قوله.

بائع السمك خليل قنوع الذي يفترش بسطتهُ بالقرب من أحد المساجد المجاورة للميناء، قال لـ"ألترا فلسطين"، إن الطلب هو من يحدد سوق البيع، "فالناس تفضل السردين رغم وجود أسماك أجوَد بكثير من السردين كالغزال والدنيس، لكن ثمنها مرتفع مقارنة بالسردين".

وأشار إلى أن القليل من الناس من يستطيع شراء الغزال والدنيس، بالإضافة لأن البعض لا يُفرق بين أنواع السردين، التي تُعد "المبرومة" أجودها، وهي مليئة بالدهون، حسب قوله.

إصرار الصياد عودة وآخرين على توصيف صيد السردين الصغير بأنه صيد جائر، دفعنا للتوجه إلى وزارة الزراعة في غزة، حيث التقينا بمدير عام الثروة السمكية عادل عطا الله، الذي بيّن لنا أن الوزارة أصدرت "قرارات صارمة" بحق الصيادين الذين يستخدمون الشباك التي تقل فتحاتها عن 10 ملم.

ووفقًا لنتائج المسح البحثي الذي أجرته وزارة الزراعة مؤخرًا، فإن اصطياد "البذور" من الأسماك التي لم تبلغ حجمها القانوني، يؤدي إلى ندرتها. وتشكل الأسماك التي بلغت الحجم القانوني 65% من مجمل الأسماك التي يتم اصطيادها.

يبين عطا الله، أن هذا يتنافى مع توصيّة منظمة الغذاء العالميّة "الفاو"، التي تقول "إنه إذا بلغ معدل الأسماك غير القانونيّة من مجموع الصيد لأي نوع 30%، فيجب إيقافه لعدة سنوات كي يتعافى".

معدل الأسماك التي بلغت الحجم القانوني من مجمل الأسماك التي يتم اصطيادها في غزة لا يتجاوز 65% وهذا مخالف للقانون

وينص قانون "مصائد الأسماك" لسنة 1946 في المادة 73 على "تنظيم مهنة الصيد والتراخيص والرسوم اللازمة لذلك"، وذلك في فقرة (1)، فيما تنص فقرة (5) من المادة ذاتها على "تحديد أوقات ومواسم الصيد". كما منعت المادة (75) "استخدام الجرافات الشاطئيّة أو نصب الشباك على مسافة أقل من مائة متر من الشاطئ".

ويبلغ حجم الاكتفاء السكّاني في قطاع غزة من الأسماك 17 ألف طنّ سنويًا، ولكنّ العوائق والصعوبات التي تواجه الصيّادين بسبب قيود الاحتلال، وأبرزها عدم السماح لهم بالصيد أكثر من مسافة ستّة أميال بحريّة، تجعلهم غير قادرين على اصطياد أكثر من 1700 طنّ سنويًا، حسب ما أفادنا به عطا الله.

 وحول مدى خطورة الصيد الجائر على البيئة البحريّة، يشرح عبد الفتاح عبد ربه أستاذ العلوم البيئّية في الجامعة الإسلاميّة بغزة، أن الضرر يتراكم عند اعتماد الأسماك الكبيرة كغذاء بحري، وعند عدم وجودها يحدث ما يُوصف بـ"المجاعة" داخل "البيئة المائيّة".

وشدّد عبد ربه على أن الفائدة الغذائيّة المرجوّة من الفسفور والمعادن، ليست كافية في الأسماك "البذور"، لأنها لا تنمو بالشكل المطلوب، ولكن سوء الأحوال الاقتصاديّة هو ما يدفع لشرائِها، مشيرًا إلى أن ذلك سيستنزف مستقبل المخزون السمكي ليس في منطقة قطاع غزة، بل في كافة الدول المُطلة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، الذي تدور فيه سمكة السردين على مدار العام.


اقرأ/ي أيضًا:

كيف اجتمعت مصر وإسرائيل ضد بطيخ جنين

طلاب أجانب في غزة: هنا ما يستحق الحياة

نكهات عربية فواحة داخل "حصون" غزة