13-مايو-2018

صورة توضيحية من معرض الكتاب - المصدر: صفحة المعرض "فيسبوك"

حسب رأي الكاتب الاجتماعي من القرن السابع عشر تالمان دي ريو، "لم تكن سرقة الكتب جريمة يُعاقب عليها إن لم يقم السارق ببيع الكتب".

كتاب "تاريخ القراءة" لآلبرتو مانغويل.


يحفل تاريخ القراءة بأنواع من السرقات؛ بعضها فردي، وبعضها الآخر جماعي، بعضها عبر القوة والنهب، وبعضها جرى بصوت خفيض. كما يحفل عالم السارقين بالتبريرات الأخلاقية والنظرية والفلسفية والعملية التي تشرّع هذا العمل.

قمنا أثناء تواجدنا في معرض فلسطين الدولي للكتاب والعمل على هذا التقرير، بالعديد من تجارب السرقة الافتراضية، ومن اللافت أن جميعها قد نجح. وقد كانت هذه التجربة فرصة للاستفسار من مدراء بعض دور النشر عن هذه القضية.

المكتبات تضع بندًا خاصًا في المعارض اسمه "المفقودات" يشكل 5% من عدد الكتب الأصلي.

يقول مدير "دار البيرق العربي" للنشر والتوزيع أكرم البرغوثي، إن المكتبات تضع بندًا خاصًا في المعارض اسمه "المفقودات" يشكل 5% من عدد الكتب الأصلي.

هناك كثير من الأسباب التي قد تدفع قارئًا للسرقة. من الحالات التي التقيناها أثناء إعداد التقرير، ظهر أن الفقر أو العوز المالي، هما أقل الأسباب التي تدفع بعض القرّاء للسرقة. لذا فهؤلاء القرّاء يملكون وجهات نظر تبرر هذا الفعل.

وجهات نظر  اللصوص

يقول أحد السارقين - رفض الكشف عن اسمه - إنه يؤيد سرقة الكتب "لأن الكتاب يحتوي على قيمة ومعرفة، ولا يمكن مقارنته بأي بضاعة استهلاكية أخرى، وفي هذه الحالة تختلف غاية السارق عن أي غاية أخرى، بمعنى أن احتياجه يسمو على باقي الاحتياجات" على حد قوله.

ويضيف أن "الناس توجهت لسرقة الكتب نتيجة لارتفاع أسعارها. هناك منطق تجاري، تكون السرقة في مقابله مقاومة لتسليع المعرفة والهدف الربحي" وفق تعبيره.

ومن الغريب أن تجد بين لصوص الكتب من هو ضد السرقة، بل ويعارضها. يقول أحدهم: "هناك نظرة مبالغ في رومانسيتها تعتبر سرقة الكتب مباحة مقارنة بالسرقات الأخرى. صحيح أنني لا أملك أي موقف أخلاقي واضح من السرقة، ولكن أي موقف يجب أن يؤخذ دون تجزئة. يمكن أن أشعر بكثير من القلق إزاء فقر المكتبة العربية، ودور هذا النوع من الممارسات في تعزيزه. المعرفة قائمة على نوع من الإنتاج الممأسس، والسرقة هي ممارسة في الوقوف ضد المؤسسة، ومثل كل وقوف يبدو من الخارج جميلاً، ولكنه في الحقيقة بشع وغير منطقيّ".

وحين سؤاله هل سرقت شخصيا؟ قال: نعم. وبرر ذلك قائلا: "لأن الممارسة مختلفة تمامًا عن القناعات". 

رصد الترا فلسطين في معرض الكتاب أظهر أن الفقر ليس أول أسباب سرقة الكتب ولا أبرزها

يقول "محمد مفيد" الذي سرق ثلاثة كتب أثناء أيام المعرض، إن "سرقة كتاب من المعرض تبدو في البداية فكرة نبيلة أو مختلفة بشكل جذري عن سرقة السلع المادية الأخرى، ولكن قليلاً من التأمل يكشف أن هذه الفرضية مجرد وهم، وهذا الوهم يقوم أساسًا على اعتبار أن الأفكار متاحة للجميع واستهلاكها لا يفسدها، كما يفسد السلعة المادية".

ويتابع، "بالتالي لا تفقد الكتب والأفكار التي تحتويها قيمتها بالاستهلاك. وهذا قد يبدو منطقيًا إذا افترضنا بأن فعل الكتابة وتنظيم الأفكار في الكتب هو فعل غير متخصص يتم عمله في وقت إضافي، ولكن الواقع أن الكاتب بحاجة لجهد كبير وتفرغ، وهناك من يعتاش من هذه الكتب".

ويضيف مفيد مستنتجًا "أن هذا الفعل مدمر على المدى الأبعد، لأنه يوثر على الكاتب ودار النشر وبالتالي يؤدي لتدمير الثقافة ونبل فكرة السرقة".

كيف يتعامل أصحاب دور النشر مع السرقة؟

اتفق كثير من أصحاب دور النشر في المعرض على تفهمهم لسرقة الكتب الناتجة عن الفقر، بل رأى بعضهم وعلى عكس المتوقع، قيمة في سرقة الكتب تنطوي على حب المعرفة والمخاطرة في سبيلها.

إلا أن صاحب "دار الأهلية" أحمد أبو طوق رأى أنه لا يوجد مبرر للسرقة، ولا يمكن تسمية السرقة بأي مسمّى آخر، وأن ما يُطلق عليه بِـ"السرقة النبيلة" ما هو إلا مصطلح أوجده اللصوص فقط، لأنه لا يمكن الجمع بين الثقافة والسرقة في شخص واحد.

وأكد أبو طوق على وجود معرفة متاحة للجميع بشكل مجاني، تتمثل في المكتبات العامة، وتحميل الكتب عبر الإنترنت.

أما العامل في "المؤسسة العربية" للدراسات والنشر محمد يوسف، فيقول إنه سمع مرتين عن حالات سرقة في المعرض الحالي، إلا أن الأمر لا يصل حد الظاهرة.

بعض أصحاب دور النشر يتفهمون سرقة الكتب، وآخرون يرفضونها ولا يرون لها مبررًا

من جهتها قالت العاملة في "المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - مدار" ريهام عواد: "في النسخة الماضية من معرض الكتاب تمت سرقة معجم الأعلام والمصطلحات الصهيونية والإسرائيلية، بالإضافة لسرقات أخرى". وأضافت أنها لا تستطيع تفهّم السرقة أخلاقيًا، لأنه لا يوجد ما يبررها.

وأشارت عواد إلى أنها لا تستطيع تقبل كلمة "سرقة" لأنها تعرضت على المستوى الشخصي لسرقة بيتها، وحقيبتها أكثر من مرة، إلا أن المؤسسة تقدم كثيرًا من كتبها مجانًا لمن يهتم باقتنائها ولا يملك ثمنها.

فيما بيّن أحمد نبهان، أحد البائعين في معرض الكتاب، أنهم ألقوا القبض على شاب أجنبي كان قد سرق معجمًا لـ اللّغة الإنجليزية من مكتبة جاره، إلا أنه على المستوى الشخصي لم يتعرّض لسرقات لأن مكتبته دينية، وهو ما يجعل الزبائن ينسحبون بسرعة منها.

وأشار نبهان إلى أن سرقة الكتب وعدم الإقبال على شرائها بشكل شرعيّ، هي إحدى نتائج ارتفاع أسعار الكتب، "وبالرغم من الخصم الذي يحصل عليه كونه موظفًا للمبيعات في المعرض، إلا أن أسعار الكتب مرتفعة جدًا وغير محتملة".


اقرأ/ي أيضًا:

نظرة جديدة لفلسطين قبل النكبة: الاقتصاد والمجتمع

الأمن الوطني في معرض الكتاب.. لماذا؟

الكتب الأكثر مبيعًا في الضفة عام 2017