06-أكتوبر-2019

صورة أرشيفية: حاجز للشرطة في غزة - عدسة سعيد الخطيب (gettyimages)

قتيلٌ وستة مصابين بالرصاص وحرق منازل وإغلاق شوارع ومدارس، في أحداثٍ دامية ودّعت بها مدينة خانيونس شهر أيلول/سبتمبر الماضي، أعادت إلى أذهان الفلسطينيين في قطاع غزة "ذكرياتٍ مؤلمةً" لحقبةٍ ليست بالقصيرة لنزاعاتٍ عائليةٍ قبل سنوات، قُتل فيها من قُتل بسبب ظاهرة السلاح العائلي واستغلال بعض الأشخاص فيها لسلاح الجهاز العسكري الذي ينتمي له.

الشجار العائلي في خانيونس أعاد للأذهان نزاعاتٍ في بداية الألفية الثالثة كان سلاح الفصائل أساسيًا فيها

قطاع غزة شهد عددًا كبيرًا من النزاعات في العقد الأول من الألفية الثالثة، كان سلاح الفصائل أساسيًا فيها، وأقساها عام 2005 بين عائلتي المصري وأبو طه أدى لمقتل عدد من أبناء العائلتيْن، ولم ينته إلا عام 2008 بإعلان صلح ودفع ديّة لأهل الضحايا بكفالة حكومة إسماعيل هنية في حينه.

اقرأ/ي أيضًا: "فيسبوك" لتجارة السلاح في غزة.. والأمن يراقب

منذ ذلك الحين اختفت ظاهرة استخدام الأسلحة في الشجارات، بعد إجراءات صارمة اتخذتها وزارة الداخلية، على رأسها جمع الأسلحة غير المرخصة وضبط سلاح الفصائل وتجنيبه أي أحداث داخلية. يُستثنى من ذلك بعض النزاعات التي طفت على السطح خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وسرعان ما هدأت بتولي الجهات القضائية مهامها في تحقيق العدالة، ليس آخرها مقتل الشقيقيْن عبد المالك وناصر أبو مدين على أيدي أفراد من عائلة دغمش عام 2016.

لكن الشهر الماضي وفي الشجار الأخير بين عائلتي حنيدق وأبو سحلول/قبيلة القطاطوة، أكدت جهاتٌ عديدةٌ أن "بعض الأفراد استغلوا سلاح تنظيمهم"، ما أدى لمقتل شخص وإصابة آخرين.

بدأ النزاع بمناوشةٍ كلاميةٍ بين أشخاصٍ من العائلتين تطورت لـ"مد الأيدي" وضرب أحد أبناء عائلة حنيدق بأداة حديدية في رأسه وإصابته بشكل طفيف. تدخلت الشرطة حينها وفضّت الشجار دون أن يتم توقيف أحدٍ "ظنًا أنه شجار عادي وانتهى" وفق ما صرّحت به الشرطة لـ الترا فلسطين.

بدأ شجار خانيونس بمشادة كلامية تطورت لـ"مد الأيدي"، وفي اليوم التالي حدث إطلاق النار

في اليوم التالي، وقع إطلاق نارٍ تسبب بمقتل الشاب محمد حامد أبو سحلول، أصدرت على إثر قبيلته "القطاطوة" بيانًا اتهمت فيه أفرادًا من عائلة حنيدق -أسمتهم في البيان- بعدم الالتزام باتفاق موّقع بين الطرفيْن بجهود "جاهات ومخاتير"، وقيامهم وعدد من الملثمين بإطلاق النار وإلقاء عدد من القنابل اليدوية، مما أدى لمقتل الشاب وإصابة عدد من أبناء القبيلة بينهم إصابات خطيرة.

اقرأ/ي أيضًا: السلاح الأبيض.. جريمة في جيوب أطفال غزة

وأضاف البيان، أن أبناء "قبيلة القطاطوة" يمتلكون "أضعاف أضعاف" ما تمتلكه عائلة مصطفى حنيدق، الذي اتهمته بأنه داعمٌ للسلاح وقام بتوزيعه على أبنائه وأقاربه ليلاً، مؤكدة أن ثلاثة من مطلقي النار ينتمون لأجهزة أمنية.

سألنا الناطق باسم الشرطة في غزة عن حقيقة اتهامات القطاطوة، فأجاب: "ينتمي أو لا ينتمي، لقد اعتقلنا مطلقي النار وعددهم أربعة أشخاص".

وأضاف، "الطرفان على خطأ فالشجار كان بين مواطنين وتساهلنا في الأمر لأننا كنا نعتقد أن الأمر بسيط شجار على مكان، لكن هذا التساهل أدى لتوسعه وإطلاق نار".

الشرطة: تساهلنا في التعامل مع شجار خانيونس أول الأمر وهذا أدى لتوسعه وإطلاق نار

حاولت الشرطة فض النزاع بين العائلتيْن بعد تطوره إلى إحراق منازل وإغلاق شوارع وتعليق دوام المدارس في منطقة الدهرة بمعسكر خانيونس، وخلال ذلك حضرت قوة من كتائب القسام وسرايا القدس للسيطرة على الأحداث، وفق ما أفادنا به شهود عيان.

أعلنت سرايا القدس، الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي، أن القتيل في الأحداث ينتمي لها.

سألنا القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل عن استغلال سلاح الفصائل أو الأمن في هذا الشجار، فقال إن القتيل "صدفة وقدرًا ينتمي لسرايا القدس، هذا لا يعني استغلال سلاح أي فصيل أو جهاز في أي شجار، ونحن نؤكد في حركة الجهاد أن القانون فوق الجميع ولا يمكن أن نحابي أحدًا على حساب القانون مهما كان".

وبيّن المدلل، أن الأمور بين العائلتين في طريقها للحل بجهود لجان الإصلاح والعشائر، "وهناك حالة ضبط في الميدان لعساكر الأجهزة الأمنية، وجميعنا نطالب بأن يأخذ القانون مجراه".

رغم "تطمينات" المدلل، إلا أن عضو "لجان الإصلاح والعشائر" في خانيونس "المختار" محروس صيام، قال لنا إن "الأمور مازالت صعبة"، فهناك إصاباتٌ في المستشفى وهناك وجودٌ لأفراد الأمن حول منازل حنيدق لحراستها ولضمان عدم عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه خلال الأيام الماضية، إلى حين حل النزاع "بشكل جذري".

لكن صيام اعتبر أن "إنكار" عائلة حنيدق علاقتها بقتل المغدور محمد أبو سحويل وإصرارها أنها لم تطلق النار عليه، تسبب بعودة "تأزم" الوضع بين الطرفيْن.

وقال: "لدينا معلومات بأن من أطلق النار ينتمي لفصيل واستخدم سلاحه، لكن من المؤسف أن الأمور لا تزال معقدة بين الطرفيْن بسبب بيان صادر عن عائلة بربخ -حنيدق- أنكرت فيه قتل الشاب المغدور، ولكن لدينا شهود عيان أكدوا إطلاق النار على أرجل المتواجدين فقُتل وأصيب من أصيب".

العشائر: من أطلق النار في شجار خانيونس ينتمي لفصيل واستخدم سلاحه

ووفق صيام، فإن حوالي 15 منزلاً لعائلة حنيدق تم حرقها عقب مقتل الشاب، ورحّل أفرادها وكل آل بربخ من المنطقة القريبة من منزل المغدور، فيما تنتشر أجهزة الأمن حول المنازل.

اقرأ/ي أيضًا: حين يُضيع الصلح حقوق الضحايا.. أوراق من غزة

وأضاف، "لا زلنا نبذل جهودنا رغم أن الهدوء الحالي حذِر بين الطرفيْن، ونأمل من الجهة التي أطلقت النار أن تعتذر عن بيان إنكار قتل المغدور حتى نستطيع التحرك والخروج بحل بين الجانبين".

ودعا صيام، الجهات القضائية في غزة لتحقيق العدالة بشكل سريع، مبينًا أن هناك 50 حكمًا صدرت في جرائم قتل وقعت في قطاع غزة لم يتم تنفيذها إلى اليوم.

الجهود "العشائرية" المتواصلة التي تحدث عنها صيام، ستُعقَد في إطارها "جلسةٌ سريةٌ" مساء اليوم أو يوم غد (الإثنين)، للاتفاق على الخطوط العريضة لحل هذا النزاع، وفق ما أفادنا به رجل الإصلاح عبد الستار شعث، وهو عضو الهيئة العليا للعشائر التي قرر الرئيس حلها مؤخرًا.

العشائر: الوضع الآن في خانيونس ليس إلا هدوءًا نسبيًا لخاطر رجال الإصلاح

وبيّن صيام، أن الوضع الآن "ليس إلا هدوءًا نسبيًا لخاطر رجال الإصلاح"، مضيفًا، "سنبحث اليوم أو غدًا الحلول الجذرية لأننا نريد هدوءًا رسميًا، يعني هدوء عمار كما نسميه، يُحدد بفترة معينة ويتم خلاله تحديد الالتزامات بمصاريف المصابين، وبعدها نبحث موضوع حالة الوفاة، حتى يحدد القانون من الذي أطلق النار ومن اعترف من الأشخاص الموقوفين بعد التحقيق".

وأوضح شعث، أنه في حال ثبوت أن إطلاق النار كان متعمدًا "فلنا حديثٌ في هذا الأمر"، أما إذا ثبُت "بالدليل القاطع أنه كان عفويًا والرصاصة أصابت القتيل بالخطأ"، فهذا له "ترتيب مغايرٌ" لما يتحدث عنه الناس، "فالعمد له القصاص والخطأ له الدية" كما قال.

وأكد وجود مخاوف من تفجر الأوضاع بين الطرفين خاصة إذا لم يتماثل المصابون حاليًا للشفاء.

وكانت الشرطة أعلنت يوم السبت 28 أيلول/سبتمبر عن تحويل المشتبه بهم بإطلاق النار إلى النيابة بعد انتهاء الشرطة من التحقيقات. مرة أخرى عُدنا لسؤال البطنيجي عن المعلومات بأن أحد مطلقي النار عسكري، فأجاب، "نحن نقول ينتمي أو لا ينتمي لجهة فإنه لا أحد فوق القانون، والعدالة ستأخذ مجراها بغض النظر عن هذا الاعتبار".

وشدد البطنيجي أنه "لا غطاء تنظيميًا على أي شخص يخالف القانون أو يحاول أخذه بيده، نحن نتعامل مع مواطنين وليس تنظيمات، مع العلم أن كل مواطن في غزة له توجه تنظيمي، لكن التنظيمات جميعها رافعة الغطاء عن أي شخص يستغل السلاح وهناك إجراءاتٌ صارمةٌ وحالة ضبط للسلاح".

الشرطة ترفض تأكيد أن مطلق النار في شجار خانيونس ينتمي للأمن، وتؤكد: لا أحد فوق القانون ولا غطاء تنظيمي لأي شخص

وأضاف، "الجميع في العائلتيْن وخارجهما من مخاتير ووجهاء يطالبون بأن يتم تطبيق القانون في هذه القضية، ونحن نؤكد ذلك".

يؤكد البطنيجي أن هناك تراجعًا في حالات الوفاة الناتجة عن إطلاق نار في غزة مؤخرًا، مبينًا أن 13 جريمة قتل وقعت منذ بدء العام الجاري، بينها خمس "حالات" نتيجة شجارات عائلية.

إلا أن مركز الميزان لحقوق الإنسان الذي أدان الشجار الأخير، قال "إنه رصد منذ مطلع العام الجاري مقتل 30 شخصًا في قطاع غزة وإصابة 116 آخرين بينهم 20 طفلاً و7 نساء "في أحداث متعلقة بالعنف الداخلي وغياب مظاهر سيادة القانون".

وردًا على استيضاح الترا فلسطين، أفاد المركز أن الأرقام تشمل الشجارات العائلية والعبث بالسلاح والعملية الانتحارية الأخيرة ضد الشرطة، إضافة لإطلاق النار العشوائي والانفجارات الداخلية.

الترا فلسطين تواصل مع النيابة العامة للحصول على إجابةٍ حول تطورات الملف بعد تحويل المشتبهين بإطلاق النار إليها، إلا أن النائب العام ردَّ بأنه "لا يوجد لدينا ما نصرّح به للمجتمع في القضية ولن نعلن عن شيء في الوقت الحالي".


اقرأ/ي أيضًا: 

الترحيل: عقاب جماعي خارج القانون لعائلات القتلة

غزة: صيدليات تبيع أدوية "ليست للبيع" مفقودة في وزارة الصحة

دورات هاكر في غزة دون رقابة وبلا تعهد يلزم المتدربين أخلاقيًا