03-يونيو-2018

سيدي الرئيس محمود عباس (أبو مازن) حفظك الله ورعاك،

تحية طيبة،

في البداية أودّ أن اعترف، أنا لستُ وطنيًا، ولا غير وطنيّ أيضًا، ولست جزءًا من الشباب الذي يُتغنّى به في الخطابات والمؤتمرات الوطنية، ولا أنتمي لأيّ حزب، ولستُ منتفعًا من أحد، أنا فقط فتاة تبلغ 25 عامًا من عمرها، تملك أرضًا دونماتها قليلة في مرج ابن عامر، وفيها 8 قطط و12 كلب متشردًا.

سيادة الرئيس أنا لا أعلم ماذا تعني كلمة "الوطنية"، ولا أرغب في تفسيرها وتأويلها، لأنّها بديهية، أعيش تحت الاحتلال مثلك تمامًا، أحاول أن أبحث عن ما تسعى للاعتراف به، دولة، لاجئين، ومحاولة منع الاستيطان، وتعبت جدًا، وها أنا جالسة في المقهى وحدي، والناس حولي غير سعداء؛ لا سيكولوجيًا ولا سيسيلوجيًا.

هل جرّبت أن تذهب لمقهى في آخر النهار وتستمع لروّاده، هل ستنتبه إلى الشاب الجالس وحده، بعد رفض 650 طلب توظيف تقدّم به إلى مؤسسات وشركات الوطن، استجيب منها إلى واحد فقط وهو قبول الحضور إلى مؤتمر تطبيعي مع الاحتلال!

ربما ستجلس مع تلك الفتاة الأنيقة، وتحدّثك عن راتبها الذي لا يتجاوز 600 شقيل شهريًا، تنفق فيه على أولادها الخمسة، وزوجها الذي أصابته رصاصة في الانتفاضة، وتسد بالمتبقي أقساط قرضها البنكيّ.

ستُحدّثك عن ذلك بنغمة خفيضة وحزينة وستترك المجال للطاولة التي تقربكم، التي يحيط بها شبان، يطلقون اللعنات النيوليبرالية، بصوت مرتفع، وكأن جدار برلين يحيط بأجسادهم، إنها مقاومة الجدار بالجدار، جدار برلين يقاوم جدار الفصل العنصري، لا تستغرب من ذلك إنها تقلّبات الشهر.

سيأتي النادل ويقطع عليك استغرابك، ليقدّم لك قهوة، تحدّث معه وسيخبرك عن تخصصه في الماجستير، وتخرّجه من جامعة مرموقة.

هي ليست استثناءات، تلك الحالات متكررة، لا يحتاج الأمر إلّا لملئ الفراغات بالأسماء والمشاكل لا أكثر، ولعلّ مشكلتنا هي "ماليّة" كما تبدو لك، لكنّها ليست كذلك.

سيّدي الرئيس، أشح بنظرك قليلًا نحو الطاولة اليسرى في القهوة، وسترى جموعًا من الشباب يتناقشون لأجل مشروعهم التطوعي القادم، بعضهم يفعل ذلك من البطالة ومحدودية الخيارات، يَستغل العمل، وبعضهم يُستغل لصالح أشخاص معينين في مؤسسات معينة، والمتبقي يتطوّع لأجل ما تبقّى من وطن.

ارفع بصرك قليلًا، سترى تلفازًا قديمًا مُغبرًّا، يبث مباراة "كلاسيكو" في محطة تلفزيونية محليّة، يحضرها الناس معًا، ليس لأنهم لا يملكون ثمن الاشتراك بالمحطات التي تبثّ المباريات في منازلهم فقط، بل لشغفهم بالألفة والتجمهر على هدف، ليس هدف رياضيّ فحسب بل هدف وطني، فالإرادة الوطنية يبدو أنها انقسمت أكثر من اللازم، وبات هناك انقسامات يصعب عليهم استيعابها، أو ربما لا يريدون ذلك!

نعم، المعظم هنا لا يُبالي، يستهلكون "المعسّل" والتمباك بلا هوادة، والسياسة ما زالت تلاحقهم، حتى في حناجرهم وهو يغنون لأم كلثوم أو سلطان الطرب. يتحدّثون عن دولتهم وعنك، عن نجاحاتك ومؤتمراتك وخطاباتك وسفراتك واجتماعاتك ومطالباتك ونداءاتك واقتراحاتك ومفاوضاتك واختزلاتك واحتمالاتك وعطاءاتك، وإن حمدوك أو نقدوك، سيدفعون ثمن قهوتهم ويغادرون، كالعادة.

وبديهيًا عندما تغادر القهوة، سيأتي صاحبها ويعفيك من ثمنها، موقفه صعب للغاية، سيرتبك، وينسى سعرها الحقيقي، وربما يسمي قهوته "أبو مازن" تيمّنًا بزيارتك، ومع مرور أكثر من 100 عام، سينسى التاريخ كل شيء، صاحب الـ 650 وظيفة، الرجل المسن، المرأة الأنيقة، النادل المتخرّج بدرجة الماجستير، ولكنهم سيتذكرون زيارتك.

سيادة الرئيس هذه الرسالة عبثية، لا تحمل في طياتها، طلبًا ولا حاجة ولا مديحًا ولا ذمًّا، هي بلا هدف، كالحياة التي نعيشها تمامًا، المقهى وحده من يعي هذه الحقيقة، فهلّا جئت وارتشفت فنجان قهوة واقتربت من حقيقتنا أكثر؟


اقرأ/ي أيضًا:

الرئيس عباس في حضرتنا..

هل يعلم الرئيس أننا لا نهتم؟!

صحة الرئيس.. والهروب للأمام بأقصى سرعة