26-أكتوبر-2019

يوم الحجب العظيم الذي نفذته محكمة الصلح في رام الله الأسبوع الماضي، اختبرت الحجب الإلكتروني لأول مرة في حياتي، بدأت أكبس على روابط مقالاتي التي أنشرها في موقع الترا فلسطين وأشاركها على صفحتي في "فيسبوك"، فتظهر لي شاشة إلكترونية بشعة، أكبس على مقالٍ ثانٍ فتظهر نفس الشاشة، وهكذا دواليك، وعشت حالة من اليأس والمرارة لا يعلم بها إلا الله.

وذهبت إلى غوغل وللأسف كانت محجوبة هناك.

اليوم: لا أريد أن أقاتل الحاجبين وعقلية الحجب، أريد أن أستسلم، أريد ان أقول لنفسي: كفى.. هؤلاء لا رهان عليهم

اليوم: لا أريد أن أقاتل الحاجبين وعقلية الحجب، أريد أن أستسلم، أريد ان أقول لنفسي: كفى.. هؤلاء لا رهان عليهم، أريد ان أعترف بالخيبة وأن أيأس من كل شيء هنا في الدولة التي تحت التأسيس.

اقرأ/ي أيضًا: خطيئة حجب المواقع الإلكترونية

أريد أن أقول إن مقعدنا كجمهورية موز بين الدول الحديثة لائقٌ علينا، وإن كل شعاراتنا عن التطوير والتحديث يجب أن تتوقف حتى لا تتحول إلى حطب يستخدمه "الحاجبون" في معاركهم العبقرية في "البناء والتنمية والاستقرار".

يحدث الانهيار والتراجع في حرية الرأي والتعبير منذ سنوات، ولا يراقبه أحد، لأننا انشغلنا بشبكات التواصل الاجتماعي، في وقتٍ تراجع فيه مؤشر حرية الرأي والتعبير في الإعلام التقليدي إلى درجة مجنونة. تراجع لأنه تُرك دون تطوير في مواجهة الإعلام الجديد، وتراجع أكثر مع استمرار السيطرة التقليدية الرجعية عليه، التي رأت فيه مساحة خصبة لـ "علومها العبقرية في الصحافة والإعلام".

منذ عشر سنوات تتبادل الحكومات الكذبات والشعارات في تنمية الإعلام الفلسطيني.

منذ عشر سنوات تتبادل الحكومات الكذبات والشعارات في تنمية الإعلام الفلسطيني

ففي عام 2010 قال الرئيس إن "حرية الصحافة سقفها السماء"، وعلى الأرض كانت اعتقالات الصحفيين واستدعاءاتهم ومحاكمتهم على أيدي وزراء تجري على قدم وساق. جملة السماء هذه أنا شاهدٌ عليها، قالها لنا الرئيس نحن أمانة النقابة التي فازت قبل أيام، وبعد أسابيع كنت أقضى ساعاتٍ في النقابة في البالوع، وأنا أطالب بتغيير توقيف أحد الزملاء ليكون نهاريًا ومع أدويته على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: زعيتر يكتبني: حطموا الأقلام

وبعد فترة اعتدى الأمن على الصحفيين جهارًا نهارًا في بيت لحم. وبعد سنوات شتمت "السلطة التنفيذية التابعة للدولة التي تحت التأسيس"، النقابة وقيادتها في الشارع العام.

في عام 2012 طلبت الحكومة برئاسة سلام فياض من مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت تنفيذ مبادرة وطنية لتطوير الإعلام الفلسطيني، ونفذها المركز، وعندما ذهب للتسليم تعب وهو يبحث عمن يستقبله في حكومة الحمدالله ليستلم الأوراق.

في كانون ثاني 2016 دبرت دولتنا التي تحت التأسيس قرارًا بقانون لتشكيل المجلس الأعلى للإعلام، وعندما ثار الصحفيون من "بلاغة المصالحية والزبائنية والفئوية" في تشكيلة المجلس وصيغة القانون، أوقف نشره في الجريدة الرسمية وتفرج العالم علينا ونحن نمنع انقلابًا على حرية الرأي والتعبير.

في أيار 2017 نشرت الدولة الفلسطينية "البازغة" قرارًا بقانون رقم (16) لسنة 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية، فكانت الفضيحة الكبرى التي رفضها الجسم الصحفي، حتى ذلك المحسوب على الدولة والمشروع السياسي، وطالب بتعديلها، وقضينا كمجتمع مدني أشهرًا طويلة ونحن نجلس في مكتب حنان عشراوي حتى ترفع تعديلاتنا للرئاسة.

وفي 2018 عندما صدر القرار بقانون رقم (10) لسنة 2018 بشأن الجرائم الإلكترونية، جاء في مادتين متناقضتين حول وسائل الإعلام (21، 39): الأولى تتشدق بشعارات الحرية والتنوير، والثانية تحجب وتتعسف وتحول "جهات الضبط والتحري" إلى هيئة "قل ولا تقل"، دون أن نعرف من هي هذه الجهات، ودون أن يكون بينها وبين من تحاكمهم أية اتصالات أو مفاوضات مؤسساتية، بل تذهب هذه الجهات مباشرة إلى مكتب النائب العام أو أحد مساعديه وتأخذ منه ورقة تذهب بها إلى محكمة صلح، فتقوم المحكمة بالحجب أو الإغلاق أو المنع بحق المؤسسات الصحفية.

من شدة "البلاغة القانونية التي نعيشها" أن المحكمة المقصودة قامت بالحجب، وبعد ساعات تفهمت التظلم لدرجة الاشتباه في المادة التي حجبت المؤسسات الصحفية بناءً عليها، ورفعت القضية للمحكمة الدستورية للبت في دستورية المادة. يا إلهي!

في 2018 طفح الكيل مع تحالف صحفي اسمه "خبرني"، يطالب بإقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، وعندما ذهبت مع آخرين من ممثلي التحالف إلى وزير العدل آنذاك، طلب مهلة شهرين لعرضه على الحكومة والرئاسة للقراءة والإقرار. والشهران فقط، صارت زمنًا امتدَّ حتى الآن وإلى عشر سنواتٍ مقبلةٍ سيظل فيها التعتيم على المعلومات أداة لعدم الشفافية، ومرتعًا للمتنفذين بإخفاء المعلومات، ومزاجًا عاليًا لغياب الحوكمة والرشد السياسي والإداري والمالي للدولة. الدولة التي تحت التأسيس.

القوانين التي كان يتشدق بها البعض أنها لتنمية وتطوير الإعلام، تحولت إلى أداة في أيدي السلطات لحبس الصحفيين.

منذ سنوات ونحن نهوي في حرية الرأي والتعبير، فيتم الرد علينا: "يعني حماس أحسن، يعني سوريا وإيران أحسن؟ وهذه الإجابة بالفعل تكفي لفضحنا، فحرية الرأي والتعبير ليست قيمة أو معيارًا للتنمية، بل مفارقة سياسية مع خصم سياسي أو مناورة مع ممولين وداعمين نتشبه بقيمهم ومعاييرهم عند الحاجة".

أليس الأمر كذلك؟


اقرأ/ي أيضًا: 

المحامي نصرة: حجج النيابة العامة في حظر المواقع "ضعيفة"

فيديو | المحكمة الدستورية ستفصل في قرار حجب المواقع

في اليوم الأسود.. ناشطون: #الحجب_جريمة